الديمقراطية والتحيز الإعلامي

الديمقراطية والتحيز الإعلامي

يعتبر الإعلام المنبر الرئيس لتسويق ونشر الديمقراطية وللسوق الحرة للأفكار وللرأي والرأي الأخر. هو مؤسسة تسهر على تنوير الرأي العام الذي يعتبر السلطة الحقيقية في المجتمع. الإعلام الفعال الذي يفرز الديمقراطية ويؤثر فيها ويتأثر بها هو ذلك الإعلام الذي يستند إلى مجتمع مدني فعال وإلى قوة مضادة داخل المجتمع تعمل على إفراز ثقافة ديمقراطية وحراك سياسي يقومان على المراقبة وكشف الحقائق والوقوف أمام الفساد والتجاوزات واستغلال النفوذ والسلطة وترشيد القرار. من أجل ربط الديمقراطية بالتحييز الإعلامي، دعونا نتطرق إلى كل منهما. دعونا نتحدث في البداية عن الديمقراطية، حيث تُعرَّف الديمقراطية اصطلاحاً بأنّها نظام الحُكم، حيث تكون السلطة العليا بيد الشعب، الذي يمارس سلطاته بشكلٍ مباشرٍ، أو عن طريق مجموعة من الأشخاص يتمّ انتخابهم لتمثيل الشّعب بالاعتماد على عمليةٍ انتخابيّةٍ حرةٍ، حيث ترفض الديمقراطية جعل السلطة كاملةً ومُركَّزة في شخصٍ واحد، أو على مجموعة من الأشخاص كالحكم الدكتاتوري، أو الأوليغارشية (حكم الأقليات).[1]

أما الديمقراطية الإعلامية، هي مجموعة من الأفكار التي تدعو إلى إصلاح الإعلام وتقوية خدمة البث العامة وتطوير الإعلام البديل والصحافة العامة (والتي يطلق عليها أيضًا صحافة الشارع) والمشاركة فيهما. الغرض المعلن منها هو خلق نظام إعلامي يقوم بإخبار وتمكين جميع أفراد المجتمع وتعزيز القيم الديمقراطية. هي تعد منهجًا ديمقراطيًا وليبراليًا لدراسات الإعلام والذي يدعو إلى إصلاح الإعلام مع التركيز على خدمة البث العامة ومشاركة الجمهور من خلال استخدام ووسائط الصحافة العامة والإعلام البديل. تركز الديمقراطية الإعلامية على استخدام تكنولوجيا المعلومات لتعزيز قدرات الأفراد من المواطنين وتعزيز المثل الديمقراطية عبر نشر المعلومات[2].

بالإضافة إلى أن النظام الإعلامي نفسه يجب أن يكون ديمقراطيًا في بنيته حيث يبتعد عن الملكية الخاصة والضوابط التنظيمية المكثفة. حيث تستلزم الديمقراطية الإعلامية أن يتم استخدام الإعلام لتعزيز الديمقراطية وأيضًا الاعتقاد بأن الإعلام يجب أن يكون ديمقراطيًا في حد ذاته. بما أن التركيز في ملكية الإعلام غير ديمقراطي ولا يمكنه ترويج وتعزيز الديمقراطية فبالتالي يجب فحصه بتمعن. لقد نشأت الفكرة، والحركة الاجتماعية التي تشجعها، كاستجابة لسيطرة الشركات المتزايدة على الإعلام والتقلص الملحوظ لسوق الأفكار[3]حددت محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان بإيجاز مبدأ معترف به عالميا الآن في القانون الدولي، الا وهو ممارسة حرية التعبير في ظل الديمقراطية لا تعني الكثير، إذا كانت تمارس على المستوى الفردي فقط. حرية التعبير ليست ما يمكن أن تقوله لجارك فقط، أو ما تسمعه منه، والشيء الأهم هو إمكانية التعبير عن الحقائق والآراء وتلقي المعلومات من خلال وسائل الإعلام أيضا. أما المحكمة الدولية التي ذهبت إلى أبعد من ذلك في تطوير هذا النهج، هي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. قد لخصت إلى أن حرية الإعلام أمر حيوي لتوفير المعرفة للمواطنين حيث إن حرية الصحافة تعد من أفضل الوسائل التي تتيح للجمهور تشكيل الرأي العام، واكتشاف أفكار قادتهم السياسيين ومواقفهم. وهي تعطي بصورة خاصة لرجال السياسة الفرصة للتأمل والتعليق على اهتمامات الرأي العام، وبالتالي توفر الفرصة للجميع من أجل المشاركة في النقاش السياسي الحر الذي هو من صميم مفهوم المجتمع الديمقراطي [4].

حسب ميثاق الشرف الصحفي الأردني، يلتزم الصحفيون بالدفاع عن قضايا الحرية وتعميق ممارسة الديمقراطية وعدم التحيز لجانب على آخر أو قضية على أخرى من القضايا التي لم يصدر فيها حكم [5]. هل هناك ديموقراطية مع وجود التحيز الإعلامي؟، حيث إن وسائل الإعلام في أعرق الدول الديمقراطية يملكها أفراد وتعمل كمشروعات تسعى للربح، وبالتالي فهي تخدم مصالح من يملكها أو يتحكم فيها أصحاب الإعلانات أو الحكومات. طبعًا هذه ليست الحقيقة، وإنما نصف الحقيقية، لأن هناك تفاصيل وضوابط كثيرة يجرى تجاهلها بشأن ملكية وسائل الإعلام ودورها في النماذج الديمقراطية المختلفة. هذا التجاهل يعكس أحد أمرين إما الجهل، وإما المعرفة ولكن مع تعمد خلط الأوراق وتوظيف نصف الحقيقة في الادعاء بأن من حق الإعلام الخاص والعام أن يمارس التحيز. من ثم حق أصحاب القنوات والصحف الخاصة الذين ينفقون على تلك الوسائل الإعلامية تحويلها إلى أدوات لخدمة مصالحهم. ومن حق الدولة بالتالي توظيف اتحاد الإذاعة والتليفزيون للدفاع عن سياساتها بالحق أو بالباطل. هذا المنطق مرفوض جملة وتفصيلاً وبعيد تمامًا عن علاقة الإعلام بالسياسية في أي مجتمع ديمقراطي أو في طريقه للتحول الديمقراطي [6].

تأتي أهمية التوعية في التحيز الإعلامي والديمقراطية اليوم بسبب الفهم غير الدقيق للإعلام بشكل عام وللإعلام الديمقراطي بشكل خاص من قبل الصحفيين أنفسهم وغياب النظام الإعلامي الديمقراطي القوي في بنيته من الأساس بعيدا عن الملكية الخاصة والتجارية، وسيطرة توجهات المؤسسات الصحفية على الصحفيين والعاملين فيها، وانخفاض في المهنية الصادقة لحفظ مستوى الصحافة الديمقراطية وقلة في التأهيل الصحيح للكوادر البشرية المتاحة إضافة إلى عدم الربط الواضح بين الصحافة التقليدية والتكنولوجية الحديثة واستغلالها بالشكل الصحيح لتعزيز قدرة الصحفيين وحتى الأفراد أنفسهم على نشر الأحداث والوقائع الصحيحة ووجود الجمهور السلبي الكبير.[7]

إضافة إلى زيادة خطاب الكراهية على منصات الإعلام البديل دون دمجه واستثماره لتحويله لجمهور فعال وايجابي، وزيادة خطاب المحبة في شبكات التواصل الاجتماعي والحاجة الماسة للإعلام النسوي والحوار المتنوع لكلا الجنسين وعدم التحيز للذكورية، إلى جانب التطور الكبير للإعلام البديل وعدم ربطه مع الوسائل التقليدية بطرق مبتكرة خصوصا  في مناطق النزاعات والتوتر وأماكن تواجد اللاجئين إلى جانب التضييق الواضح وغير المفهوم من قبل الحكومات وصناع القرار على المؤسسات الصحفية واجتياح القوانين المبطنة الديكتاتورية وحاجتنا لهيئة مستقلة حرة بعيدة كل البعد عن التحيز والديكتاتورية وتوجهات الحكومات والملكيات الخاصة لتعزيز الصحافة الديمقراطية، والقيام برقابة صلبة على المؤسسات الصحفية وحمايتها [8].

فرحان الحسبان

المراجع: 

[1]الديموقراطية، موقع موضوع، تاريخ اخر مشاهدة ١٥-٨-٢٠٢١، الموقع الالكتروني

[2]  Exoo, Calvin F. (2010). The Pen and the Sword: Press, War, and Terror in the 21st Century. California: Sage Publications. صفحات 1–4. ISBN 978-1-4129-5360-3. تأكد من صحة |isbn= القيمة: invalid character (مساعدة).

[3]  الديمقراطية الإعلامية، تاريخ المشاهدة ١٦-٨-٢٠٢١، رابط

[4]  الاعلام والديموقراطية، رابط، تاريخ اخر مشاهدة ١٧-٨-٢٠٢١.

[5]  ميثاق الشرف الصحفي، صادر عن نقابة الصحفيين الأردنيين، تم اعتماده ٢٤-٥-٢٠٠٣.

[6] محمد شومان، تعالوا نتحيز.. فلا يوجد إعلام محايد، رابط، تاريخ اخر مشاهدة ١٥-٨-٢٠٢١.

[7]  سلسبيل صبيح، الصحافة والديمقراطية.. بين واقعٍ مقيد وقلم حر، رابط، تاريخ أخر مشاهدة ١٥-٨-٢٠٢١.

[8] سلسبيل صبيح، مرجع سابق.