الديمقراطية والتحيز الاعلامي

الديمقراطية والتحيز الاعلامي

الديمقراطية تعني حكم الأكثرية وهي تعتبر نظام حكم حيث يكون الشعب له دور في صنع القرار أو يكون عن طريق انتخاب بعض الأشخاص يمثلون الشعب. ترفض الديمقراطية وضع نظام الحكم في يد شخص واحد أي أنها عكس الديكتاتورية. قد تمارس الديمقراطية في بعض الدول بنزاهة وشفافية ولكن لا يوجد هناك مدينة فاضلة الا ما يكون هناك تلاعب في عملية التصويت أو التأثير على الافراد في التصويت مثل في بعض المجتمعات يكون هناك تصويت الفزعة؛ إذ ينتخب الأفراد بسبب صلة قرابة بينه وبين النائب أو بينه وبين الرئيس، يتحيز فيها الشخص لأفراد عائلته أو للمنطقة الجغرافية التي يقطن بها. يلعب الدور الاعلامي أيضا دورا كبيرا في التأثير على قرار الانتخاب أو التصويت، بعض هذه الممارسات مثل التركيز على نائبين أكثر من غيرهم في الإعلام وظهورهم على الشاشة فترة أطول. أو يتم حجب بعض المواقع الالكترونية أو قطع الانترنت تماما في فترة الانتخابات مثلا مما يؤدي الى عدم الوصول الى معلومات كافية والاطلاع على المضامين، وغيرها من الأساليب الملتوية. مؤخرا، أصبح السياسيين يتبعون استراتيجية للحصول على السلطة وكسب القوة السياسية وذلك عن طريق الخطابات والدعايات الحماسية المندرجة تحت مواضيع قومية ووطنية في محاولة لاستثارة عواطف الجماهير أو الوعود الكاذبة أو الخداعة التي تكون في الظاهر لمصلحة الشعب في مواسم الانتخابات وتسمى هذه الطريقة بالدِيماغُوجِيّة.

إن الانتخابات هي مثال للديمقراطية ولكن يكون الدور الاعلامي مؤثرا على قرار الفرد بمن سوف ينتخب، هذا بلا شك تحيز اعلامي واضح. كما وتتأثر نتائج الانتخابات بالخطاب السياسي تأثرا كبيرا مما أدى إلى فقد العديد من المجتمعات الثقة في الاعلام والسياسات وصناع القرار. الدور الذي تقوم به الصحافة ووسائل الإعلام معرضا للخطر وذلك بسبب تزايد محاولات الجهات السياسية السيطرة عليها والظهور بالمظهر المثالي التي تريد. حيث يفقد معظمها المصداقية بوسائل الاعلام وهي البروبوغاندا والتي تعني الدعاية والتضليل الإعلامي والتي تستخدم من قبل جبهات سياسية أو في الانتخابات للظهور بأحسن صورة ولإقناع الناس للتصويت لمرشحين معينين.

يقول غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير “ليست الوقائع بحد ذاتها هي التي تؤثر على المخيلة الشعبية وإنما الطريقة التي تعرض بها هذه الوقائع… وإن معرفة فن التأثير على مخيلة الجماهير تعني معرفة فن حكمها”. قد يكون هناك في الإعلام الادعاء بالديمقراطية والنزاهة ويتم من خلاله ممارسة التحيز على حساب الفئات الأخرى. وإرسال رسائل مبطنة للشعب للإقناع والتأثير على قرارتهم وتحريكهم وترتيب أولوياتهم عن طريق استخدام خطاب مشبع بالعاطفة وعلى نطاق واسع جدا على حساب الحجج المنطقية القائمة على الحقائق والواقعية ويتم الترويج لها بأضعاف الحقائق الواقعية. الشيء الأسوأ هي تفاعل الخوارزميات الشبكية أو الانترنت مع هذه المعلومات المضللة والخادعة أكثر من غيرها. بالإضافة لوجود نماذج عمل لشركات تخترق الخصوصية للمستخدمين وتستجلب الانتباه ويتم تصديقها بسبب أنه هذه الرسائل والمعلومات يتم الترويج لها من مبدأ ارسالها من قبل الأصدقاء والمقربين التي تكون الثقة بهم عالية وربما تكون ثقة عمياء. يرى الشخص أنه أمام كم هائل من المعلومات والتعرض المستمر لها، والتي أغلبها يحمل طابع انفعالي يرى نفسه عاجز عن الحكم وفلترة صدق المعلومات من عدمها مما يظطره لأن يلجأ للحلول السهلة إما بنفي صحة هذه المعلومات جميعها أو بتصديق نظرية المؤامرة.

هناك دراسة في الجزائر تناولت مواقع التواصل الاجتماعي ودورها في تفعيل الديمقراطية التشاركية وتوصلت الى مجموعة من النتائج. من هذه النتائج، أن مواقع التواصل الاجتماعي مهمة للتعبير عن الأفكار والآراء الشخصية وأن حرية الرأي والتعبير اذا تم ممارستها بطريقة ايجابية فهي تعد من الأعمدة الأساسية للديمقراطية. أيضا، لا توجد علاقة بالاتجاه نحو مواقع التواصل الاجتماعي في تفعيل الديمقراطية التشاركية يعزى لمتغيرات عديدة مثل الجنس والعمر والخبرة المهنية. أي أنه حتى مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن تفعيل الديمقراطية فيها والتي هي المنبر السائد أو الموقع الرئيسي للتعبير عن الآراء والأفكار والمناقشة السياسية في الوقت الحالي، بل والمكان الأبرز للحصول على معلومات المستخدمين الحقيقة. ومع ذلك، يتم قمع بعض الناقدين لسياسة الدولة ومنعهم من التعبير وإغلاق حساباتهم، لا سيما تحيز المواقع الالكترونية بنظام الخوارزميات التي تجعل أي رأي مخالف هو خطاب كراهية. بالإضافة إلى ظهور إعلانات مكثفة على هذه المواقع ووضع المستخدمين في فقاعة ليتم اختيار المرشح التي تريده السلطات. تعني فقاعة الترشيح عرض النتائج التي تعبر عن اهتمامات المستخدم وتقوم بها بناء على النقرات السابقة والتاريخ البحثي للموضوعات بحيث تكون بمعزل عن الأفكار والآراء والمعتقدات المغايرة ولذلك تم تشبيهها في فقاعة. يتم استغلال ذلك في الانتخابات والتمثيل الديمقراطي بحيث يتم عزل الناس عن المرشحين الاخرين مع القليل من البروبوغاندا، ذلك تكون الطبخة جاهزة لتقديمها ليتم اختياره من قبل الشعب.

التحيز والديمقراطية لا يجتمعان بمفهوم واحد، سواء تحيز اعلامي أو تحيز بكافة أشكاله. مثال على ذلك، أيام الإمبراطورية الرومانية كانت فكرة الرق والعبيد فكرة سائدة وتعتبر من المسلمات وأي أحد يعارضها يكون شخص غير طبيعي بالنسبة لهم. أتى شخص يسمى سبارتغوس حتى يحرر هذه الفكرة كان يحرر العبيد؛ جمع مجموعة من العبيد ونادى بتحريرهم وقام بعمل ثورة لكنها فشلت خططه لأن الامبراطورية الرومانية قمعته ومنعته من التعبير عن رأيه وإعطاء فرصة لأناس من عرق اخر ممارسة حقوقهم الطبيعية  والمشروعة. هذا مثال بسيط للتعبير في القدم عن التحيز وعدم تمثيل الديمقراطية بمجتمع فيه أقلية من العبيد.

مثال آخر ما حصل في انتخابات امريكا 2020 من تضليل إعلامي ، قال جوشوا تاكر وهو أستاذ في السياسة وخبير في علوم البيانات ووسائل التواصل الاجتماعي في جامعة نيويورك لوكالة فرانس برس “كان هناك تركيز على التدخل الأجنبي، لكن الأشخاص الذين لديهم فعلا حافز للتأثير على نتيجة الانتخابات هم أشخاص يعيشون في ذلك البلد، إنهم أميركيون”. كما وكشفت فيسبوك شركة تسويق أمريكية استخدمت مراهقين في اريزونا لنشر تعليقات مؤيدة لترامب ومتعاطفة مع قضايا المحافظة، وانتقدوا أيضا المرشح الديمقراطي جو بايدن 2020. في هذه الدورة الانتخابية، انتشرت نظرية مؤامرة “كانون” التي تدعي أن ترامب يخوض صراعا مع الديموقراطيين والنخب في هوليوود الذين يمارسون الاتجار الجنسي بالأطفال وأكل لحوم البشر، وذلك بدأ بنشرها مؤيدين جو بايدن لتنحي مناصرين ترامب.

في الجهة الأخرى، الخطر المباشر للتضليل الذي يهدد انتخابات 2020 وفقا لتاكر، هو مزاعم ترامب المتكررة بأن استخدام بطاقات الاقتراع عبر البريد سيؤدي إلى انتخابات “مزورة”. وهو من قدم الادعاءات نفسها في العام 2016، إلا أن التحقيقات اللاحقة لم تظهر أي دليل على صحتها، وتظهر الأبحاث الذي أجراها تاكر وزملائه أن التحيز لحزب سياسي والتي تعززه خوارزميات  مواقع التواصل الاجتماعي، جانبا واحدا من القصة وتعني أن لا أحد على اختلاف توجهاتهم لا يستطيعون تمييز الوقائع من الأخبار المضللة.

نظمية سعد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *