كثيرًا ما نعتقد أن كل من كلمتي الذنب والعار تحملان معنىً متشابه وتصفان الشعور السيء ذاته وقد نستخدمهما بتبادل. صحيح أن كلاهما يصف عاطفة سلبية تتبع بعض أفعالنا، لكن لهما معاني مختلفة تمامًا لا تحمل الترادف. في هذا المقال سنناقش هذا الإختلاف بالتفصيل لما له من تأثير كبير على نظرتنا لأنفسنا، ونظرتنا لمن حولنا، ونظرتنا للعالم.
تعريف الذنب والعار
في علم النفس، يُعرَّف الشعور بالذنب على أنه حالة عاطفية تظهر عندما نشعر أننا فشلنا في الارتقاء إلى المستوى الأخلاقي (أي ما إن كانت تصرفاتنا أدنى من المستوى الأخلاقي). يثير الشعور بالذنب عدة أفكار في ذهننا ككيف أو لم فشلنا في الارتقاء للمستوى الأخلاقي كما يثير في ذهننا عدة مشاعر سلبية كالحزن أو الغضب أو القلق. من الممكن أن يتسبب ببعض الاضطرابات الجسدية، مثل اضطراب المعدة. من المؤكد إذا ما تم حله بشكل مناسب من الممكن أن يصبح الشعور بالذنب صحيًا. أما بالنسبة للعار، فقد يتم تعريفه على أنه شعور قوي تجاه ذاتك ناتج عن عدم الإلتزام بمستواك الأخلاقي أو تجاوزك لمعايير الآخرين. قد يبدو هناك تشابه بين كلًا من الشعور بالذنب أو العار، إلا أن الإختلاف الرئيسي بينهما هو أن الشعور بالعار يجعلك ترى نفسك كشخص سيء بينما يعني الشعور بالذنب أنك شخص جيد فعلت شيئًا سيئًا. لذلك كثيرًا يعد الشعور بالعار إحدى المشاعر السلبية في عجلة المشاعر، وهو بالتأكيد أمر غير صحي خاصة ما لم يتم حله أو إدارته لأنه قد يتفاقم ويؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس مع مرور الزمن.
لنتضح الفرق دعنا نطرح مثال، ما إن كنت تقود سيارة في طريقك للعمل وكنت مشتتًا فتجاوزت الإشارة الحمراء وكدت تصدم أحدهم، في حال شعورك بالذنب ستقول: “يجب علي أن أكون أكثر حرصًا في المرات القادمة، أو يجب أن لا أتشتت”. بينما إن حصل ذات الموقف وشعرت بالعار فستقول: “أنا لست أكثر من شخص فاشل، سائق متدهور، يجب أن لا يسمح لي الذهاب للعمل حتى”، بهذا يكون الشعور بالعار أكثر ضررًا وسوءًا لتقديرك ذاتك. من هذا المثال يتضح لنا أنه عند شعورنا بالذنب نركز على ما اقترفناه، أما عند شعورك بالعار ستصب تركيزك على نفسك لا على أفعالك وهذا بدوره سيحطم كل من ثقتك بنفسك وتقدمك. من الممكن أن يشعرنا الآخرين بالعار؛ كأن يأتي شخصًا ويوبخك على فعلتك بهجومية وفضاضة ما إن تجاوزت الإشارة الحمراء كما في المثال السابق ذكره.
عمومًا إن الفرق بين الشعورين مهم. يمكن أن يكون الشعور بالذنب لازمًا لأنه يسمح لنا بتحديد وتصحيح السلوكيات التي قد تكون خاطئة. أما عن الشعور بالعار، السلبية به تكمن أنه يركز لومه على الشخص بدلاً من إدارة السلوك. كل منا يعاني من الشعور بالذنب أو العار، وقد نشعر بأحدهما أكثر من الآخر، إلا أنه بالتأكيد يمكننا تعلم كيف ندير كلا الشعورين.
الشعور بالذنب أو العار وتأثيرهما على سلوكنا
من وقت لآخر قد تحصل معنا مواقف تشعرنا بالغضب. تعتمد كيفية تعاملنا مع غضبنا بشكل أو بآخر على ما إن كنا تحت وطأة الشعور بالذنب أو الشعور بالعار. الأشخاص الذين يشعرون بالذنب هم أفضل في مراجعة خطئهم بطريقة بناءة، وبذلك سيتمكنون من إجراء تغييرات وحل المشكلات وقت الغضب. أما على الجانب الآخر، يفقد الأشخاص الذين هم تحت وطأة الشعور بالعار السيطرة على غضبهم، وبالتالي سيؤذون أنفسهم تمزيق أنفسهم وقد يصبحوا عدائيين تجاه الآخرين.
اختبار لما إن كنت تشعر بالعار أم بالذنب
استطاع علماء النفس عبر الدراسات التجريبية أن يبتكروا مقياسًا لاختبار الشعور بالذنب أو العار يدعى تقييم gasp، ويهتم هذا الإختبار بملاحظة التباين ما بين طرق استجابة أو ردود أفعال الأشخاص بعدما يقومون بأمر خاطئ. لذا هو ينظر لشعورك حول ما حدث وسلوكك الذي قد يصلح ما حدث، كما أنه يقيم شعورك بالخزي والعديد من السلوكيات السلبية الأخرى. إذا ما كنت لا تدري أنك تشعر بالذنب أو العار بعدما تقوم بارتكاب خطأ سيمنحك هذا الاختبار (بعد إجابة أسئلته)، البصيرة وتبعًا لنتيجة اختبارك ستكون جاهزًا بشكل أفضل للتعامل مع مشاعرك.
ما بعد الشعور
في غالب الأحيان، يتبع الشعور بالذنب التفكير بالأفعال التي صدرت منا. نشعر بالذنب إذا أذينا شخصًا ما أو حين لا نكون فخورون بما قمنا به. بذلك يدفعنا الشعور بالذنب لإدراك أن أفعالنا قد تجعل الآخرين يشعرون بالسوء الجسدي أو العاطفي وبالتالي يأتي تعاطفنا معهم تأتي الإرادة لتصحيح الأمر. كما يعد الشعور بالذنب إحدى سمات النضج والإحساس بالآخرين فمن الممكن أن نشعر بالذنب لأننا نملك شيئًا لا يملكه الآخرون. طالما أن مشاعرنا ليست متطرفة، فهذا هو الجانب الإيجابي للشعور بالذنب. ويمكن أن يدفعنا إلى تصحيح الأخطاء والمبادرة والعمل الخيّر من أجل إصلاح أوضاع وذلك لحس المسؤولية الذي يصبح عالي بعد الشعور الذنب. أما بالنسبة للشعور بالعار، ارتباطه بأفعالنا قد يكون طفيف. نعم، نشعر بالعار لأننا فعلنا شيئًا نعتقد أنه خطأ، ولكن لو فكرنا بشكل أعمق، فإن الشعور لا يتعلق بأفعالنا على الإطلاق. يتعلق الأمر بمن نحن كشخص. ربما نكون قد ارتكبنا شيئًا خاطئًا، ولكن بدلاً من التفكير في أفعالنا، إننا نتعمق في ما نعتقد أن هذا دليل على أننا أشخاص سيئون أو أغبياء أو أننا أقل من المستوى أو حتى أننا أنانيون. تبعًا لذلك نحن لا نفعل شيئًا ولا نركز على أخطاءنا ولا نصححها.
التعامل المناسب مع الذنب
في حين أن التعامل مع الشعور بالذنب أسهل من التعامل مع العار، إلا أنه لا يزال يتطلب التفكير والجهد. عندما تحاول التغلب على الشعور بالذنب، إليك ما عليك القيام به.
- فرّق بين الفعل والذات: أولاً، قم بتمييز واضح بين ما فعلته ومن أنت. إذا شعرت بالذنب، فمن المحتمل أن تواجه شعورًا مؤلمًا بالصراع الداخلي. حسنا. في الواقع، يمكن أن يساعدك في إجراء التعديلات واتخاذ قرارات مختلفة في المستقبل. وبالطبع يساعدك الشعور بالصراع الداخلي على التعلم من التجربة.
- قبول الشعور بالمسؤولية: عندما تدرك أن سلوكك كان خاطئًا أو غير لائق، فأنت بحاجة لتحمل المسؤولية عما فعلته. بدلاً من محاولة إخفاء الأمر أو إلقاء اللوم على شخص آخر، يجب أن تكون واضحًا تمامًا أنك مسؤول عن أفعالك.
- صحح أخطاءك: في بعض الأحيان، يكون التصحيح أمرًا سهلاً. أنت ببساطة تعتذر وتصحح. وفي أحيان أخرى يتطلب التصحيح فعلًا مبني على دراية للمشكلة.
التعامل المناسب مع الشعور بالعار
في بعض الأحيان، على الرغم من ذلك، فإن إصلاح الأمور ليس بالأمر السهل. قد لا تكون قادرًا على التراجع عن الضرر الذي سببته، لكنك لن تتمكن من وضع التجربة بالكامل في الماضي حتى تصحح الخطأ بطريقة ما. غالبًا ما يجد الأشخاص الذين يشعرون بالذنب حيال شيء لا يمكنهم إصلاحه طرقًا أخرى للتصحيح. قد يتضمن هذا مساعدة الآخرين. على سبيل المثال، إذا تجاهلت شخصًا بلا مأوى كان من الواضح أنه بحاجة إليه في طريقك إلى المنزل، فقد لا تتمكن من العثور على هذا الشخص مرة أخرى. بدلاً من ذلك، قد تختار التطوع لمساعدة أشخاص آخرين.
ضحى أبو يحيى