في قصة مؤلمة حصلت مع أحد طلاب الطب المتفوقين، طالب طموح مجتهد جدا يعتني بنفسه وبمظهره ويمتلك علاقات طيبة إجتماعيا، ومصادفة وأثناء عودته إلى منزله بعد إنتهاء محاضراته يرى حادثا مؤلما يحصل لرجل وامرأة حيث تشتعل بهم سيارتهم ليلقوا حتفهم حرقا، عقب هذا الحادث تحول هذا الطالب إلى شخص إنعزالي وانخفض تحصليه الدراسي إلى مستوياته الدنيا وإمتلك مظهرا سيئا جدا غير نظيف وغير مرتب. وهذه الحادثة غريبة جدا ومن الجيد السعي لفهمها وتفسيرها من الناحية العلمية.
مصطلح الصدمة النفسية (أو الجرح النفسي أو التروما) يشير في علم النفس إلى حدوث ضرر أو أذى للعقل بسبب حالة من الكرب والتوتر الشديدين. في الطب تعني هذه الكلمة جرحا بسبب حادث أو بفعل عنف أو إعتداء أو جعل هذا الإنسان يفعل شيء بدون إرادته غصبا عنه. وهذا هو ما يطلق عليه في علم النفس الهزة النفسية القوية الناتجة عن حالة صدمة نفسية بالجرح النفسي. لا يستخدم هذا المصطلح بشكل موحد حيث قد يشير إلى الحادث المسبب كما يمكن أن يشير إلى الأعراض أو المعاناة الداخلية. هناك أحداث كثيرة تؤدي إلى حدوث الصدمة النفسية مثل الكوارث الطبيعية والحروب والتهجير والإغتصاب والإعتداء والعنف الجنسي ومشاهدة حالات الموت العنيف للآخرين وخسارة الأحبة وفقدان الوالدين والإهمال العاطفي والجسدي للأطفال والإستغلال لمدة طويلة والإساءة العاطفية والإنفصال أو الطلاق كما أظن أن للخذلان والتعرض للغدر أو الخيانه وفقدان الأمل وضغوط الحياة الشديدة لها نفس تأثير كل الاحداث السابقة. وبهذا يمكننا القول بأن الظروف يمكنها أن تصنع من الشخص الجيد شخص آخر سيء، متبلد أو كئيب وحيد وحزين وعدواني منفعل مفرط في التوترأناني أو حتى ضعيف الشخصية متردد وخائف.
ولكن…! هل يمكن أن ينتُج عن التعرض لصدمة نفسية شديدة أو بعد المرور بتجربة كارثية تغيير دائم في الشخصية؟ برأيي أن ذلك ممكن في حالة تعدد الصدمات النفسية التي تحدث تغييرات دائمة في أنماط السلوك الفردي والعلاقات الشخصية قد تحتاج إلى أن تصنف على أنها تغييرات دائمة في الشخصية بعد المرور بتجربة كارثية. أما شكل التغييرات السلوكية التي قد تطرأ على الفرد؟ مثلا قد ينتج عن الصدمة النفسية تحول الشخص من شخص هادئ إلى عنيف مفرط في الإنفعال ومبالغ في ردود فعله تجاه الأمور بالجملة.
الصدمة والتعلق وآثرها على الأطفال بشكل خاص:
الأطفال الذين سبق وأن تعرضوا للصدمة من قبل أولياء أمورهم، يظهرون جملة من أشكال الإرتباط المشوش والتعلق الغير آمن أو الغير مستقر. الأطفال اللذين لم يتم معالجة أحد من أولياء أمورهم من حادث صدمة نفسية ما سبق وأن أصيب ولي الأمر بها، تظهر لديهم سلوكيات مشابهة تركز الأبحاث الخاصة بالتعلق، على العلاقة بين صدمة الوالدين، والتعلق المهزوز عند الأطفال الصغار. بسبب توريث الصدمة النفسية عبر الأجيال، فإنه لمن المهم عند دراسة حالات الأطفال الذين يعانون من إضطرابات التعلق أو الإرتباط كما هو الحال عند “تشوه القاعدة الآمنة” فيفترض أخذ الجيل السابق بعين الاعتبار. كما يتوجب الإنتباه إلى إحتمال إنتقال خبرة الصدمة عبر الأجيال من الأمهات المصابات بصدمات نفسية، قد تم تشخيص إنتقال إضطراب ما بعد الصدمة لديهن، إلى الأطفال.
السقطة الأخلاقية وعلاقتها بالصدمة النفسية:
كيف نسقط سقطتنا الإخلاقية فجأة دون سابق إنذار وهل يمكن أن نستعيد إحترامنا لأنفسنا بعد حدوث ذلك؟
في أحد أيام الدراسة أخبرنا أستاذ التربية الإسلامية الدكتور مصطفى التل أن لكل إنسان سقطة أخلاقية قد يعلمها هو فقط عن نفسه وقد يعلمها الآخرون عنه وفسر حصولها بسببين الأول هو عودة الشخص إلى الله فالإنسان عند تورطه بشيء ما يحتاج للإستنجاد بربه ليشعر بالأمان وهنا يستشعر الإنسان أهمية وعظمة الله في حياته والسبب الثاني هو تحول الإنسان من إنسان متكبر إلى إنسان متواضع في تعامله مع الناس رحيم ومتجاوز عن أخطاء غيره فلا يجلد أو ينبذ أحد من أفراد المجتمع لأنه إقترف ذنبا سواء أكان هذا الفعل يمثل جرما قانونيا أو إجتماعيا أو دينيا فأصبح يعلم أنه يمكن للإنسان أن يُقدم على فعل مذموم ولكنه يبقى إنسان يستحق الإحترام، لم أفهم يومها كيف للإنسان أن يسقط سقطته الأخلاقية، تحديدا ما الذي يقف وراء حصول هذا الشيء لقد بقيت إجابة السؤال غامضة إلى حين دخولي إلى الجامعة وتخصصي في مجال الخدمة الإجتماعية وهي إحدى فروع علم الإجتماع وكانت واحدة من أكثر الإجابات إقناعا لي هي (الصدمة النفسية) التروما والتعرض للضغط الشديد طويل الأمد ويذكر بأن التروما تختلف كثيرا عن الضغط الشديد.
يمكن لضغط المجتمع والإزدراء والتحقير والتحرش والتسلط والتنمر وممارسة الظلم وكل السلوكيات السلبية الصادرة من فئة ما أو من مجتمع تجاه شخص بعينه أن تجعله عرضة للصدمة النفسية. بإعتقادي إنه لمن المهم إدراك أن الحياة ليست باليسيرة مع أحد أبدا، إن أفضل جملة سمعتها عن الناس وتقدير ظروفهم هي “أننا حقا لا نعرف، لا نعرف أبدا!” ومعناها هو أنه مهما عرفنا الأشخاص سيبقى دائما الجزء الأعظم من شخصياتهم مخفيا.
ولربما أن مشاكلنا لا تنبع مع الآخرين من إختلاف الآراء، المشكلة بالأساس هي عدم تقبل الآخر والنقص في المشاعر الإنسانية النبيلة كالحب، المودة واللين في التعامل الكرم العطف الرحمة التسامح والأمان والأخطر هو فقدان القدرة على التعاطف ولعل الجزء المهم من التعاطف هو التعاطف مع ما لا يستطيع جل الناس إخبارنا به، بمعنى آخر عند وقوع الإنسان في زلة لنتعاطف معه فنحن لا نعرف ما هي تلك الأسباب التي اودت به إلى هنا!
إضطراب ما بعد الصدمة
أعراض الاضطراب يمكن أن تبدأ بعد أسابيع أو حتى شهور من الحادثة وعادة ما تظهر في غضون ستة أشهر من ذلك الحدث ومن هذه الأعراض الشعور بحصول التجربة من جديد والكوابيس وتجنب مواقف وأماكن معينه أيضا الشعور بالتيقظ وهي تلك الحالة التي يتم فقدان القدرة على الإستراخاء وشعور الفرد بالقلق وبأنه محاط بالخطر.
ويزداد عدد الأسئلة دائما ويصبح السؤال كيف يمكننا تجاوز الصدمة النفسية؟ كيف نصل لراحتنا الجسدية والروحية والنفسية؟
هناك العديد من طرق العلاج العلمية المتخصصة كالعلاج النفسي والعلاج السلوكي الإدراكي والأدوية والعلاج الجماعي وهو لقاء مع مجموعة من الأشخاص الذين مروا بنفس التجربة أو تجارب مشابهة فيسندون ويلهمون بعضهم بطرق الخلاص من خلال ذلك يتم رفع روح التحدي والإرادة والأمل بداخلهم.
ويبقى هناك نوعين من العلاج الأول من خلال العائلة والأصدقاء فهم بمثابة دائرة أمان والإستعانة بأحد أفراد العائلة أو صديق من الأصدقاء وقضاء الوقت معه والتعبير له عن الحالة أو التجربة التي نعيشها وذلك له أثر كبير في تخليصنا من آثار الصدمة أما الآخر فيسمى “التشافي الذاتي” فبين كل شخص ونفسه لغة خاصة من خلالها يستطيع شحن نفسه بطريقة إيجابية أو سلبية كما أن الإنسان يمكن أن يكون أفضل معين لنفسه لمواجهة ظروف الحياة إلى جانب هذا فإن القدرة على التكيف لها تأثيراً ساحراً على النفس البشرية وهناك القدرة على التجاوز وإختيار إحدى هاتين المقدرتين يعتمد على ماهية المواقف ودورها في حياتنا ومدى إرتباطها بنا على المدى البعيد.
مقال لنور هاني | تدقيق لغوي لدهم سنان