عادة ما يتداول الناس هذا المصطلح بكثرة في المجتمع وعلى وجه الخصوص خلال نصف القرن الماضي وعلى مدى هذه المدة التي تعتبر ليست بالقصيرة، ليس فقط يتم تداوله وحسب بل إنه جزء مما يعتقد ويؤمن به الفرد حيث يتولد لديه شعور بوجود هذه النظرية التي تحيطه دائما ويستخدمها الآخرين ضده للإيقاع به وإفشاله وعلى صعيد آخر تعتقد الجماعة الواحدة أن جماعة ما أخرى تتآمر عليها وكذلك الحال بالنسبة للعشيرة والقبيلة وحتى الدول تعتقد بوجود مؤامرات تحاك ضدها. فما هي هذه النظرية ومن أين أتت وهل هي موجودة فعلا أم أنها ليست إلا وسيله سهله للهروب من الإخفاق والفشل؟
بداية فإن مصطلح نظرية المؤامرة يتم تصنيفه على أنه مصطلح إنتقاصي، وأرى أيضا إلى جانب أنه إنتقاصي بأنه إتهامي ضد الآخر، وهو بطبيعة الحال يشير إلى شرح لحدث أو موقف ما إعتمادا على مؤامرة لا مبرر لها، وتتضمن هذه المؤامرة التي صنعت الحدث أو الموقف أفعال غير قانونية أو مؤذية.
لكن …! هل المؤامرات موجودة فعليا في حياتنا؟
يمكن تقسيم أراء الناس حول ذلك إلى ثلاثة توجهات مختلفة فالتوجه الأول يرى أن كل ما يحدث هو مؤامرة مدبر لها، ومن يقوم بالتخطيط لها يملك كل الإمكانات بمختلف أنواعها التقنية منها والعسكرية والمادية …. الخ، وعليه فان العالم سيبقى غارقا بالظلم والطغيان، ولا توجد أي طريقة للخلاص وحجة هذا الفريق هو وجود جماعات سرية في العالم على مر التاريخ من وجهة نظرهم. أما الثاني فقد حلق بعيدا عن الأول حيث رفض المؤامرة وإعتبرها نوع من أنواع التبرير غير المنطقي وهروبا من الإعتراف بالفشل، وبمعنى آخر فحسب هذا التوجه فإنه لا وجود لنظرية المؤامرة وما تسويقها للمجتمعات الإ ذريعة لتبرير الإخفاقات.
وأخيراً التوجه الثالث فيرى أن هناك مخططات ولكن لا يمكن إعتبارها مؤامرات والأهم أنه يمكن مقاومتها ومواجهتها في إطار التدافع والتنافس البشري، فكما تستطيع أي جهة التخطيط ضد الغير، فإنه بالمقابل يمكن للغير التخطيط للدفاع عن نفسه، ومن ضمن هذا التوجه هو أن هذه الجهات منطقيا ليس باستطاعتها صنع كل الأحداث ولا التحكم بكل شيء ولكنها تملك أدوات مختلفة تمكنها من تحقيق أهدافها، على سبيل المثال يمكن استغلال الحدث واستثماره بما يفيد مصلحتها أو توظيف مجموعات وأحزاب أو دول لتحقيق مصالحها، أيضا يمكن بالتواطؤ وهو نوع من أنواع التوظيف لكنه ذلك التوظيف الذي يقبل صاحبه أن يحقق مصالح الطرف الآخر حتى لو تعارضت مع المصالح العامة.
وفي هذا الصدد فإنه ليس من الضروري الإنحياز إلى أي إتجاه من هذه الإتجاهات، ولكن الإشارة للآراء سالفة الذكر ضروريا في إطار محاولتنا لفهم عنوان المقال، والحديث في المقال إنما هو لمناقشة خطورة نظرية المؤامرة إجتماعيا فقط وليس سياسيا أو دوليا … الخ.
والقصد من كلمة “إجتماعيا” هو ما سبق ذكره في مقدمة المقال وهو ذلك الإعتقاد الذي يتولد لدى الأفراد في المجتمع الواحد بوجود مؤامرات تحاك ضدهم سواء في العمل، الحياة الأسرية، دائرة الأصدقاء، الجيران وما إلى ذلك من العلاقات المجتمعية.
ولكن السؤال هنا! ما الذي يجعل الأفراد يصدقون نظرية المؤامرة ويؤمنون بها؟
يفسر هرم ما سلو للإحتياجات جانب من الإجابة على هذا السؤال، فيفترض بأن الحاجة إلى الأمان من الحاجيات الرئيسية للإنسان وإستمراره وبقاءه، ونتيجة لعدم إحساس الناس بالأمان كنتيجة حتمية لتضارب الأحداث وسوء الواقع المعاش فإن الإنسان يشعر بالخوف فهو أمام حقائق غير واضحة وبالتالي فالمستقبل في ظل هذه الدوامة مجهول المعالم! فيلجأ الشخص وهو أمام كل هذه المحبطات والمثبطات إلى تبرير ذلك بوجود مؤامرة أو مؤامرات ضده. بالإضافة إلى أن البعض يقول بأن العقل البشري يميل لتصديق هذه النظرية بسبب بعض المميزات الموجودة لديه فالعقل لا يستطيع أخذ معلومة ناقصة وعند حصول هذا فإنه يلجأ إلى إكمالها حسب خلفيتك الخاصة عن الحياة مثل تربيتك وقيمك ومبادئك والعادات التقاليد في مدينتك.
أيضا يوجد ما يعرف بالإستسقاط وهو محاولة ربط عدة أحداث منفصلة لا رابط يجمعها لتحميلها معنى جديدا ليس من أصل أي من الاحداث، وبالتالي فهي تعمل على إيجاد أي رابط بين المعلومات أو الأحداث، كما هو الحال في لغز” 23″ الذي حير الناس على مر الازمان وتم تأليف الكتب وإنتاج الأفلام عليه وهو يقول إن ما يحصل من أحداث أو قتل أو ظواهر كونية تحصل بهذا الرقم فقنبلة هيروشيما وقعت في تمام الساعة الثامنة والربع ومجموع أرقام هذه الساعة هو 23 (8+15=23) كذلك هو تاريخ غرق سفينة التايتانيك (1+5+4+1+9+2=23).
يمكن أيضا القول بوجود الإنحياز الإختياري وهذه وجهة نظر تفترض بأنه عندما يقتنع الإنسان بشيء معين سيتجاهل العقل باقي الأشياء التي تتسبب في تخطئة هذا الشيء أو لا تتوافق معه فيُظهر ما أنت مقتنع به على أنه صائب، ويرتبط هذا أيضا بالإنحياز التأكيدي الذي يسعى لتأكيد ما تعتقد حيث سيثبت لك عقلك وبالإعتماد على الإنحياز الإختياري أن ما تعتقد هو الصحيح لأنه موجود وما يتعارض معك قد تم تجاهله من قبل العقل مسبقا فلم يتبقى سوى معلومتك وهو دليل على صحتها.
وفي حال صدق الأفراد هذه النظرية فأننا نكون أمام مشكل إجتماعي كون الإعتقاد بهذه النظرية يؤدي إلى جعلهم في مرحلة ضعف على الدوام فيقتصر دورهم فقط في دور الضحية، فتنتهي فكرة المقاومة أو المواجهة للتحديات والشعور بالإحباط لأن كل شيء سيؤول للفشل في نهاية المطاف بسبب مؤامرات الآخرين حد تبريرهم، ناهيك عن الكسل الذي قد يصيب الفرد فلمَ المحاولة طالما أن هناك أيادٍ خفية قادرة على إفشالي. ولكن كيف لنا أن نتجاوز ذلك؟ إن الخروج من بوتقة التبرير دائما بوجود المؤامرات لهو أمر ليس بالسهل، ذلك أنها أضحت واقعا في مجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص، ولذلك فالطريق لأنهاء ذلك ووضع الأمور في نصابها دون تحميلها على أحد هو عبر التشبع بالقيم والمبادئ النبيلة متل التسامح، المحبة، السلام وحسن الظن لإن جزء من هذا المعتقد السائد كما أسلفنا هو أزمة ثقة وعدم شعور بالأمان بالدرجة الأولى بين الناس، وبالبساطة و المرونة والتقبل أثناء التعامل مع الأحداث التي تحدث معنا فلا داعي للتهويل والمبالغة والوقوع في فخ الشك والأوهام وإعطاء كل حدث حجمه الحقيقي والرضا بالواقع وعدم تعقيد الأمور كل ذلك يساعد في إيجاد الحلول المناسبة، بالإضافة إلى محاولة تهذيب نمط تفكيرنا المحصور بفكرة المصائد والمكائد المعدة لنا، فلسنا محور الكون بالنسبة للعالم أجمع وإن حدث ووجدنا أنفسنا وسيلة أو هدفا في يوم ما لمكر أحدهم فلنقف كشجر السنديان فما الإنسان دون شموخٍ و قوةٍ وعزيمةٍ وإرادة.
في جوهر نظرية المؤامرة تأكيد صريح على حتمية الكراهية -كراهية الآخر- بشقيه فهي تؤكد على حتمية إما كره اللآخر لي أو العكس كرهي للآخر ويمكن أن يكون ذلك صراحة أوضمنا، وهذا بحد ذاته مشكلة ولذلك لا بد لنا من الخروج من بوتقة الصور والمفاهيم النمطية الخاطئة ونظرية المؤامرة بكل تأكيد إحداها.
مقال لنور هاني | تدقيق لغوي لدهم سنان