أتذكر في أحد المرات أثناء مشاركتي في إحدى ورشات العمل، أننا قمنا بعمل تدريب صغير حيث تناقل أفراد الفريق المكون من 15 شخص خبر من مصدر أولي وكان عليهم تناقل الخبر خمس عشرة مرة ليخبروا الشخص السادس عشر بالخبر، في الحقيقة الخبر فقد معلوماته والرواية تغيرت، في تلك اللحظة أدركت أن الخبر تغير تمامًا بعد روايته أكثر من مرة وما حدث أثار فضولي حول تفسير ما حدث! قد طرحت المثال السابق لمحاولة تبسيط ما سأتحدث عنه في مقالي هذا، فلابد أننا تعرضنا لموقف مشابه أو أننا سمعنا قصة ما وسمعناها بأكثر من سيناريو، هذا ما يسمى بالأخبار الزائفة أو غير الدقيقة حيث أنه يتم تناقل معلومات دون التأكد من مدى صحتها ودقتها وحقيقتها. من المؤكد أنكم سمعتم عن حادثة الإنتخابات الأمريكية عام 2016، الحادثة التي تبعتها علامة المربع (الهاشتاغ) الشهيرة #Pizzagate علامة المربع هذه تم تداولها لمرات عديدة، ما هي قصة البيتزا جايت وما علاقتها بالانتخابات الأمريكية.
قصة البيتزا جيت -Pizzagate وكيف تناقلتها منصات الإعلام!
في الحقيقة ومن باب الفضول حاولت أن أجمع أكبر قدر من المعلومات لأوضح ما حدث من وجهة نظر الإعلام، وما حقيقة علامة المربع هذه التي تم تداولها بكثرة، على الرغم من أنني لاحظتها على تويتر في ذلك الوقت ولم أعطها أي اهتمام، القصة كالتالي:
خلال الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال المرحلة النهائية بين كل من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب وقبل أسبوع من الإنتخابات، تم النشر على تويتر أن هيلاري كلينتون تدير شركة إتجار للأطفال، وانتشر الخبر الذي دعم بفيديو قصير أزيل منذ حينها بعد أن شوهد آلاف المرات، فقد انتشر الخبر وتسبب بفضيحة لهيلاري كلينتون التي أُتهمت وقتها بأنها تتاجر بالأطفال جنسيًا فقد تم توريط هيلاري كلينتون ومدير حملتها جون بودستا حول هذه الشبكة، وقد هول الموضوع حتى تم تتبع مدير حملتها، والذي كان يرتاد أحد مطاعم البيتزا في واشنطن يسمى “كوميت بنج بونج” وبدأت الشائعات أن المطعم هو مكان إحتجاز الأطفال، فقد تم التركيز على مطعم البيتزا وارتبطت علامة المربع #Pizzagate بهذه الحادثة منذ ذلك الحين، الأمر بحد ذاته لاقى ضجة إعلامية حول القصة نفسها، فبعد فترة من الوقت تم تداول القصة من قبل جهات عدة فقد أدت هذه الحادثة والتي تصنف كواحدة من أكبر الإشاعات والأخبار الزائفة على الإنترنت، حيث تم إكتشاف زيف القصة وعدم صحتها، بعد أن قام العديد من الناس باتخاذ إجراءات ومواقف باعتبار أن هناك أطفال محتجزين في مطعم البيتزا وأن الأطفال هناك ويتم تعذيبهم ، فقد ذهب عدة أشخاص كمحاولة لتخليص الأطفال في الوقت الذي كانت الشائعة تتفشى أكثر وأكثر، وحتى وقت لاحق للقصة تلقى المطعم إيميلات ورسائل واتصالات من شأنها أن تزعج أصحاب المطعم، الذين لجأوا إلى الشرطة عدة مرات ولم يتم إتخاذ أي إجراء لإعتبار الشائعات في القانون تندرج تحت بند حرية التعبير، ما بشأنه ساهم في تضخيم الشائعة.
نتعرض للكثير من المواقف التي قد يَنقل لنا فيها خبر أو معلومة ما، وقد لا نميز ما إذا كانت المعلومة أو المعلومات التي وصلتنا صحيحة أو خاطئة، في الحقيقة قد يكون هذا شيء متواجد في طبيعة الإنسان أو في طريقة تفكيره حيث يتناقلوا النصائح والأخبار والمعلومات شفهيًا، فلا نمتلك جميعنا المعرفة الكافية لمعرفة ما إذا كنا بموضع تصديق أو تكذيب أي معلومة تصلنا. بالضرورة يجب أن نتحقق من مصادرنا ودقة معلوماتنا،هذا من شأنه أن يساعدنا على أن نميز ما إذا وقعنا في شباك خطرة؛ قد تؤدي إلى الكثير من المشكلات خاصة من حجم إنفتاح العالم على التطور والتكنولوجيا، ووجود وسائل التواصل الإجتماعي لتكون مساحة نعبر فيها ونتلقى معلوماتنا منها، بذلك قد نكون في موضع أو مكان نعيد فيه نشر معلومة ما دون التأكد من مدى صحتها وحقيقة مصدرها بهذا نقع في فخ البيتزا جايت لكن بقصة وحدث مختلفين، ما قد يوصلنا إلى كم مهول من الأخبار الزائفة التي قد تنعكس على متلقيها بطريقة سلبية حتى لو لم نكن مدركين لذلك، وقد نتأثر عاطفيًا بحجم الحدث أو القصة التي نتابعها دون أن نعرف ما إذا كانت صحيحة أو مفبركة ودون أن نعي مدى تأثيرها، قد تكون هذه الأخبار قصص إنسانية أو صور عن الحروب والثورات والتظاهرات وغيرها، وقد تكون هذه الأحداث والأخبار غاية في الحساسية ما يؤثر على المجتمعات المتلقية ما بشأنه يزيد من حدة التوتر لأنها تلعب على وتر العاطفة، أو الأمور التي تثير غضب المجتمعات.
كيف نتحقق من مدى صحة الأخبار التي نتناقلها على مواقع التواصل الإجتماعي؟
- قراءة العنوان الموجود في الخبر، ورؤية ما إذا كان منطقي أو طبيعي فمثلا من الممكن أن يكون الخبر خاطئ والعنوان فقط لإثارة الفضول
- تذكر دائمًا أن المواقع الغير رسمية أو الغير مشهورة تلجأ لوضع أي خبر بأي عنوان لكي يقوموا بلفت الانتباه ما يجعلك تنقر على الخبر فكلما زادت النقرات زادت الأرباح
- وأنت تقرأ الخبر إنتبه للغته وخطابه وكيف يخاطبك كقارئ وما إذا كان الطرح منطقي ومن حدود المعقول أنه لا يستخف بعقول الناس، وقد يكون بعيداً عن الصحة كأن نقول أنه تم اكتشاف أسماك في البحر الميت
- لا تنسوا متابعة التحديثات الجديدة للمواقع التي تنشر الأخبار المزيفة يوجد قائمة على الإنترنت توضح المواقع التي تنشر أخباراً غير دقيقة وقد تكون المواقع الرسمية غير دقيقة برواياتها للأخبار فعلينا التأكد دائمًا
- تأكد من الصورة المرفقة من خلال البحث على جوجل عن الصورة نفسها يمكنك ذلك من معرفة ما إذا كانت قديمة أو حديثة أو حتى ما إذا كانت مرتبطة بشكل أو بآخر بالقصة المطروحة والأمر نفسه يطبق على الفيديوهات
- إحذر الأخبار المتداولة على منصات التواصل الإجتماعي وتأكد منها قبل أن تؤثر عليك عاطفيًا وتنشرها دون معرفة كافية بحجم دقتها
كل هذا يعرضنا للكثير وقد يكون الأثر المترتب على تأثرنا بالخطاب الجماعي والذي قد يؤثر على طريقة تعاملنا مع الكثير من المواقف والمحتوى الذي نقرأه على الإنترنت، فقد نتأثر ونسيء الفهم أو التعامل بسبب نقص معلوماتنا أو لأننا تداولنا خبراً دون أن نتأكد من مدى صحته ودقته لنكون سبباً في تكوين بيتزا جيت جديدة! مع أننا في كل يوم ننقر ونقرأ محتويات دون أن نتأكد من صحتها، وهذا لا ينفي أننا قد نصبح عرضة لخبر ما أو فكرة ما، لكن مدى وعينا وتقبلنا لفكرة مختلفة عنا قد يساعدنا على معرفة ماهو جديد ومختلف دون أن يؤثر علينا كأشخاص فدرجة وعينا هنا ستساعدنا على حماية أنفسنا من أي خبر مزيف أو من أي أزمة متوقعة وغيرها.
هذا بشأنه سيحمينا من أن نحتجز أنفسنا في غرفة الصدى أو في فقاعة الترشيح وغيرها من الأمور التي تصيبنا نفسيًا وتؤثر على درجة ارتباطنا بالواقع ودرجة تقبلنا لما هو مختلف عنا؛ هذا بشأنه يعلمنا كيف نحمي أنفسنا ومجرد امتلاكنا الإنفتاح والتقبل لكل ما هو جديد ومختلف سيساعدنا على أن نسيطر على حجم الخطر الذي قد نتعرض له أو يتعرض له أشخاص أخرين وقد يساعد في تقليل حجم الشائعات أو الأخبار الغير دقيقة إذا أمَنَا بضرورة إنفتحانا على التغيير وسوف نعرف كيف نتعامل مع التكنولوجيا والانفتاح، ما بشأنه أن يساعدنا على نشر المعرفة والوعي لشبكاتنا الإجتماعية وما سيتم نشره في مجتمعات صغيرة وقد يتوسع في المستقبل.
كل هذا سيساعدنا على تجنب الوقوع في بيتزا جيت جديدة أو حتى في أي عزلة بعيدة عن الواقع وعن ما يختلف عنا أو يؤثر فينا فعلينا أن نكون منفتحين وواعيين على حجم الأمور التي قد نتسبب فيها لأنفسها تمامًا كما حدث في قصة البيتزا جايت، وقد نكون نتعرض بشكل مستمر لما نشاهده من محتوى عن الحروب وعن التحرش وعن غيرها من القضايا التي نعاني منها كمجتمعات والتي قد تؤثر علينا لمجرد ملامستها إنسانيتنا دون أن ننظر ونعي حجم الخطر الذي نتناقله على الشاشات وحجم الأذى النفسي الذي قد نتسبب به لأنفسنا وللآخرين حتى لو كانت معلوماتنا صحيحة، لذلك تذكروا دائمًا أن تقرأو الخبر جيدًا وأن تكونوا واعيين لما يوجد أمامكم، وأن تسئلوا حول الكثير من الأسئلة قبل أن تقعوا في فخ أحدهم.
رند أبوضحى