ذهب آردام أثناء فترة الحرب في بلاده إلى الغابة وأعد جيشه وعدته وقاتل حتى إنتهت الحرب وإنتصر هو و جيشه، بطبيعة الحال بدأ أفراد الجيش العودة إلى بيوتهم واحدا تلو الآخر رغم محاولات آردام وبعض من أصدقائه لإبقائهم وما لبثو إلا إنفض الجميع من حولهم إلا أنهم أصروا وتمسكوا برأيهم فعاشوا ثلاثين عاما يأكلون أوراق الشجر وبعض أنواع الزواحف… يحاربون عدوًا وهميًا إنتهت حربه منذ ثلاثة عقود ولكنهم قد إعتنقو مبدأ أو مقولة ما أريكم إلا ما أرى.
ما أريكم إلا ما أرى ..!
تنطبق هذه المقولة كثيرا على بعض المواضيع التي سنغطيها كغرفة الصدى وفقاعة الترشيح وقد إرتبط بهذان المصطلحان عدة مصطلحات أخرى كإقتصاديات الإهتمام وكبش الفداء والقَبلية والغرض من كتابة هذا المقال هو توفير مقدمة ولمحة بسيطة عن مجمل هذه المواضيع كي يتسنى لنا فهم هذه المصطلحات وما ترمي إليها علما إنه سيتم إفراد مقال خاص لكل منها…
غرفة الصدى: Echochambers
هو مصطلح منتشر بكثرة في هذه الفترة وهو يشير إلى الحالة التي يتم فيها تعزيز بعض الأفكار أو وجهات النظر والآراء والمعتقدات ونقاط البيانات بإستخدام نظام معين محكم لا يسمح بتبادل الأفكار المختلفة أو المضادة لفكرة الشخص.
هذه الغرفة تجعل الشخص يعتقد بأنه يمتلك أفضل الأراء والمعتقدات وله مؤيدون كثر ولا وجود لمن يعارضه أو يخالفه الرأي. يقول ليث المجبل في مقاله “ما هي غرفة الصدى ؟وكيف نخرج منها؟” عن كيفية الخروج من غرفة الصدى: “قم بمتابعة شخص أو صفحة على الفيسبوك من الذين لا تتوافق أفكارهم وتوجهاتهم السياسية أو الدينية أو الرياضية مع أفكارك وتوجهاتك . حاول أن تضع نفسك بمكانهم ،تأمل أسباب إتخاذهم رأي معين وحاول أن تجد الأسباب التي تجعل رأي شخصا مختلفا عن رأيك . هذا يساعدك أيضا على تغيير محتواك اليومي من خلال تعديل الخوارزميات التي يستخدمها الفيسبوك لتغذية المحتوى اليومي الذي يظهر على صفحتك!
إرتبط بمصطلح غرفة الصدى مصطلح فقاعة الترشيح Filter Bubble، لكن هل من تعريف يوضح لنا معنى هذا المصطلح! تجيب رند ابو ضحى في مقالها “فقاعة الترشيح هل سمعتم عنها يوما؟ عن سؤالنا فتُعرف فقاعة الترشيح على أنها: حالة من العزلة الفكرية تأتي من خلال عمليات البحث المخصصة والتي ترتبط بالخوارزميات الموجودة على الإنترنت، والتي يتم معرفتها من خلال مواضيع البحث التي نستخدمها على الإنترنت، وعلى عدد نقراتنا على فيديو أو إعلان معين وعلى ما يلفت إنتباهنا من خلال مجموعة خيارات تم فلترتها بطريقة ما لمعرفة ماهية إختيارك لها وعلى أي واحدة ستقع نقرتك الأولى!
إقتصاد الإهتمام Attention Economy
هو مصطلح يصف طريقة إدارة المعلومات بما يتوافق مع إهتمامات الأشخاص، من حيث النظر إلى ذلك على أنه سلعة يمكن الإستثمار فيها وفق النظرية الإقتصادية، ومثال ذلك التقليدي أننا نرى في لوحات الإعلان أنها تصمم على نحو فني يجذب إنتباه المستهلكين وإهتمامهم، وكذلك الشأن في مواقع التواصل الإجتماعي التي تمتلك تقنيات في معرفة ما يفضله من يستعملها و يرى بعض العلماء أن الإهتمام مورد الشخص لديه الكثير منه فقط!
وسائل الإعلام للتلاعب عاطفيا Social media to emotionally manipulate
تقوم بعض وسائل الإعلام بالتأثير السلبي على الجماهير من خلال إستخدام عدد من الإستراتيجيات التي يقوم بعضها على الإلهاء والتسلية، وبعضها على إفتعال الأزمات والمشاكل وتقديم الحلول، بالإضافة إلى إستراتيجية التدرج، وإستراتيجية التأجيل ومخاطبة الجمهور على أنهم قُصر ومخاطبة العاطفة بدل العقل وإغراق الجمهور بالجهل والغباء، جمعيها إستراتيجات للتلاعب بعواطف الجمهور بإستخدام وسائل الإعلام المختلفة، وصرف نظرهم عن التحديات الأساسية إلى قضايا جزئية وقد أثبت هذه الطرق فاعليتها، يكمن خطر هذه الإستراتيجات في أنها تجعل الأفراد يعيشون الأوهام على أنها حقيقة ويغفلون بذلك عن إحتياجاتهم الحقيقية.
كبش الفداء Scapegoating
هي نظرية معروفة بعلم النفس حيث يقوم الشخص بإستخدامها مع شخص آخر ومعاملته بطريقة سيئة أو بلومه على أمر معين كما لو كان هو المذنب حقا، ويمكن ممارسة هذا السلوك من قبل فرد ضد آخر أو أفراد ضد جماعات وجماعات ضد جماعات وقد يكون كبش الفداء شخصٌ، مهما كان الدور الذي يمثله في الحياة أو طفل أو فئة عرقية أو طائفة دينية أو شعب بأكمله.
القبلية الإلكترونية Tribalism
أنا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشدِ
يرتبط مصطلح القبلية الإلكترونية بمصطلح القبلية التقليدية باللفظ فقط ولكنهما يختلفان بالمحتوى، قديما كان البشر يعيشون ضمن نظام القبائل والتي ينتمي إليها الأفراد بناءا على أصولهم ورابطة الدم فيما بينهم، فالقبلية التقليدية لا يختار الفرد فيها قومه وعليه أن ينصاعَ لتقاليدهم التي يرفض المجتمع الخروج عليها.
أما القبلية الإلكترونية فتبدأ من الفرد الذي يبحث عن أفراد يتوافقون معه في إهتماماته العقلية والعاطفية برغبة منه وبهذا المعنى فالقبلية الإلكترونية أوسعُ إنتشارًا لأنها تعتمد على إهتمامات الأفراد وميولهم وليس على أعراقهم، إذن لم يندثر هذا النظام فما زال موجودا في عالمنا إلى الآن إلا أنه يتخذ أشكالا وقوالب أخرى تتماشى مع متطلبات الأفراد، العالمُ الإفتراضي وفر لنا فرصة تكوين أو إختيار القبيلة التي نريدها فربما أريد أن يكون أفراد قبيلتي من ذوي البشرة البيضاء ويشجعون فريقا رياضيا ما وينتمون لطائفة دينية دون غيرها بالمقابل أنا وقبيلتي لا نتقابل مع من لا يشبههوننا وإن حدث فأننا نعطي أنفسنا الأفضلية عليهم وهنا يكمن الفخ (فخ الكراهية، النبذ، إصدار الأحكام المسبقة، العنصرية وما إلى ذلك).
في مقارنة أخرى بين القبلية التقليدية والإلكترونية فإننا نرى أن الأولى تعتمد الأسحلة التقليدية في حل صراعاتها بينما تعتمد القبلية الإلكترونية أسلحة التشويه والإغتيالات الفكرية من خلال التصيد للمخالفين وتحريف مقاصدهم والعمل على شيطنتهم .
فبمقدار ما حققته وسائل التواصل الإجتماعي والإعلام الإلكتروني من ربط الاشخاص بثقافات متعددة إلا أنها أظهرت لنا تحديات جديدة من حيث التعصب وخطاب الكراهية، أصبحنا نراه عبر هذه الوسائل من خلال العنف اللفظي الذي يكثر فيها، والذي يمارسه النشطاء دون رقابة مما يرتب علينا العمل على مواجهة هذه التحديات من خلال التوعية ونشر خطاب المحبة وتقبل الآخرين والنقد الإيجابي والبعد ما أمكن عن كافة أشكال العنف في الصورة والكلمة،كذلك تعزيز التشريعات الناظمة لمسؤولية مستعملي هذه الوسائل التي تجعلهم يحتكمون إلى ضمائرهم الحية وعقولهم النيرة قبل الخوف من العقاب على ما ينشرون.
وفي سبر (إستقراء) أحوال المجتمعات قديمها وحديثها من حيث القوة والضعف نجد أن المجتمعات القوية هي تلك التي تتقبل الثقافات المتعددة وتبتعد عن خطاب الإكراه والكراهية ولا تلغي شخصية الأفراد ولا إهتماماتهم وتجعل المجتمع كقوس قزح يظهر متعدد الألوان وليس بلون واحد كعقلية أفراد جيش آردام الذي عاش ومات على عقلية المحارب حتى بعد إنتهاء الحرب، إذن فلنتطلع نحو الأفضل وتقبل الآخرين والتعارف معهم مثلما ذكر القرآن (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).
نور هاني
