الثقافة والسلام وعلاقتهم بالمقالة
الثقافة بشكل عام تشيرإلى طريقة حياة المجتمعات الإنسانية التي تختلف من مجتمع لآخر، يتم تعليم الثقافة ونقلها من جيل إلى آخر وتشتمل على القواعد المجتمعية المحببة والمنبوذة والفنون الشعبية بأنواعها وكذلك الموسيقى، أما السلام فيعني للكثير غياب الحرب ويعني أيضا التقبل، عدم إصدار الأحكام المسبقة، والمحبة بجميع أشكالها.
هل إطلاعي على الثقافات الأخرى يدعم مفهوم السلام؟
إن الإنفتاح على الثقافات الأخرى يمنحنا متعة إستكشاف الثقافات المختلفة وإختبارها والتعلم منها، من ناحية أخرى الإطلاع عن قرب على مختلف الثقافات يقلل من نسبة إصدار الأحكام المسبقة خصوصا السلبية منها و يزيد من فرص التآلف والمحبة التي بدورها تدعم السلام.
ماذا تعرف عن الأرمن!
رسموا خطة، سميت بإبادة جماعية
أخذوا كل الأطفال ثم متنا!
ولم يتم العثور على أولئك الذين بقوا!
كانت هذه نهاية لقصيدة مغناة كتبها وغناها المغني سيرج تنكيان ذو الأصول الأرمنية في ذكرى المذبحة الأرمينية، إستخدم تنكيان موهبته في الغناء في التعبير عن قضيته وقضيته الشعب المنكوب الذي ينتمي إليه وقد كتب مقالا سرد فيه ما جرى في الحفل الذي قام بغناء قصيدته فيه فقال “كان الأداء في أرمينيا في الذكرى المئوية للإبادة الجماعية للأرمن أمرا كهربائيا حقا كان عاطفيا، كنا عصبيين بعض الشيء قبل العرض. أرمينيا هي موطن أجدادنا لقد كنا نقوم بجولتنا “لإيقاظ النفوس” في محاولة لجذب الإنتباه والإعتراف بالإبادة الجماعية ومحاولة تحقيق العدالة في القضية، وهكذا كانت هذه لحظة كبيرة إنها بالتأكيد واحدة من أكثر العروض التي لا تنسى على الإطلاق.
إن أغنية ومقال سيرج تنكيان كان من بين أفضل ما وجدته عن الشعب الأرمني لإنه وببساطة لا يوجد قدر كافي من المعلومات حول ثقافة وتاريخ الشعب الأرمني بالإضافة إلى وجود فرق واضح بكمية ونوعية المعلومات بين المراجع الأجنبية والمراجع العربية، في الحقيقة لقد تم إجتثاث معالم الثقافة الأرمينية هذه كانت الجريمة والكارثة الثانية بعد جريمة إبادة الأرمن، سعى الطغاة لمسح كل ملامح الثقافة من نصب وأحياء أرمينية كما شمل ذلك الكنائس!
توجد بعض المعلومات الأساسية والضئيلة التي تذكر نسب الشعب الأرمني إلى العرق الآري و تذكر المذبحة التي تعرضوا لها كما يوجد من ينفيها ويعتبرها تهمة لتشويه صورة المتهمين فقط لا غير. أما عن الدولة الأرمينية فهي أول دولة إعتنقت الدين المسيحي وكانت الديانة المسيحية ديانتها الرسمية، كما يجل الأرمن جبل آراداد الذي يعتقد بأن فلك (سفينة) نوح إستقرت عليه حسب الروايات.
يعيش غالبية الشعب الأرمني فالشتات فيسكن بعضهم العراق وفلسطين ولبنان وسوريا وأوكرانيا وبولندا والأرجنتين وكندا وإستراليا وجورجيا والولايات المتحدة وإيران وفرنسا أما في تركيا فيعيش معظمهم في إسطنبول وما حولها وتقدر أعدادهم بين 40,000 و 70,000. في القدس يوجد الحي الأرمني في البلدة القديمة يقيم فيها حوالي الألف أرمني، في الأردن يقيم 3000 أرمني معظمهم في العاصمة عمان.
الثقافة الأرمنية
لطالما إهتم الأرمن بالحرف اليدوية، يعرضون تحفهم ومنحوتاتهم في الأسواق والبازارات، كما يشتهرون بصناعة السجاد والحلي، الأنشودة الأرمنية هي أحد أقدم الأناشيد الأرمينية التي تعد النوع الأكثر شيوعاً حتى من الموسيقى الدينية في أرمينيا التي تعتبر مشهورة جدا أيضا. يفضل الأرمن الكثير من هذه الأناشيد قديمة الأصل، التي تعود جذورها إلى ما قبل المسيحية.
يطرب الشعب الأرمني على موسيقى الدودك وعزفوها في المناسبات الهامة والمآدب وحفلات الزفاف ظإضافة إلى الجنازات، يتم صنع آلة الدودك من خشب شجرة المشمش الأرمني لهذا يسمى بالبوق المشمشي، في عام 2005 إعترفت اليونسكو بأن عزف الدودك الأرمني هو رائعة للتراث والإرث العالمي والثقافة غير المادية. “لكي يكون لدينا تصور بسيط عن الدودك يجب أن نسمعه ولو لمرة واحدة على الأقل وإذا كنت تملك رغبة بأن تتكلم عن الدودك بأنه أغنية الجبال أو (محاورة) الأشجار أو بكاء المسنيين أو سعادة الأطفال أو قتال الأبطال أو حتى في مآدب الأعراس فلك ذلك، إستمعوا وإسمعو وعندها ستفهمون ماهية وطبيعة ووجودية الدودك “هذا ما قاله دجيفان جاسباريان الذي يعتبر أحد أهم عازفي الدودك. طوال الوقت الذي إستغرقته لكتابة المقال كنت أستمع إلى موسيقى الدودك التي كانت تمنحني الشعور بالقرب من هذه الثقافة وهذا الشعب العظيم.
لا ننسى المسرح الذي إحتل مرتبة مهمة بين الفنون الأرمينية إعتاد الأرمن مشاهدة العروض المسرحية التي تؤديها الفرق الشعبية الأرمينية في الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية وغيرها، عندما إنتشرت الديانة المسيحية إتخذ الأرمن أفنية الكنائس والمعابد مسرحا لهم، بقي كذلك إلى حين إنطفاء شعلة العمل المسرحي في القرن الثامن عشر، الأب ميناس المختياري أخذ على عاتقه ترجمة المسرحيات لتمثيلها في المدارس خلال القرن التاسع عشر، اليوم يوجد معاهد مسرحية تدرب وتخرج الممثلين والمخرجين في تخصص المسرح.
لقد عانى ولا زال يعاني الشعب الأرمني! إذ أن إنتهاء المجازر والحروب لا يعني تضميد الجراح! الشعب الأرمني بطبيعته شعب مسالم محب للحياة، بسيط يخاطب العالم بموسيقاه الفريدة الحانية على قلوب كل المنكوبين والمستضعفين الذين ينشدون السلام في كل أرجاء الأرض. للأرمن حضور قوي ومؤثر في الساحتين العلمية والفكرية فقد أنجب الشعب الأرمني هوفاس آدميان مخترع التلفزيون الملون ولوثر جورج سمجيان مخترع الأشعة السينية الملونة وجهاز محاكاة الطيران والصراف الآلي، أيضا مؤسس علم الجبر الحديث إميل أرتين، مخترع آلة المسح الضوئي ريموند داماديان ولا أنسى بطل العالم للشطرنج المحترف تيغران بيتروسيان.
ثقافة الشعب الأرمني واحدة من الثقافات الثرية والغنية الموجودة في العالم، واجهت هذه الثقافة العريقة حربا لإبادتها لكنها ليست الوحيدة، من يدري عدد وحجم الثقافات والحضارات التي دمرت وطمست معالمها. إلى جانب هذه الثقافات توجد ثقافات لم تطمس لكنها تشوهت وقيدت بالصور النمطية فهمشت نتيجة لذلك فلم يبحث أو يسأل عنها جل الناس وتجنبها البقية. بإعتقادي نحن لدينا الكثير من المسوؤليات التاريخية الكبيرة…كالحفاظ على الإرث العالمي العريق الذي يشمل الثقافات.كل الثقافات وخلق هويتنا وثقافتنا وحضارتنا الخاصة لنكمل الحضارات الإنسانية السابقة ونمهد الطريق أمام الأجيال والشعوب القادمة لخلق الثقافة الخاصة.
يسذكر تنيكان في نهاية مقاله بعضا مما رواده وشعر به في ذكرى مذبحة الأرمن فيقول: “ليلة الخميس قبل أن أكون في المسرح كنت أفكر في أجدادي، كيف كان هذا الأداء تحية لبقائهم في بداية العرض، قال عازف الجيتار دارون(مالاكيان) هذا ليس مجرد عرض موسيقى الروك آند رول !إلى قاتيلنا، هذا هو الإنتقام أعتقد أنه كان مؤثرا، ما زلنا هنا نحن لا نزال على قيد الحياة”.
نور هاني