المسؤلية

المسؤلية

يجب علينا أن نفرق بين أمرين في غاية الأهمية ألا وهما، الفرق بين ماذا نريد وما نستطيع فعله. ليس في كل مرة نقول فيها لا نريد تعني لا نقدر، وليس في كل مرة نقول فيها لا نقدر تعني لا نريد. على سبيل المثال: هل تحلم بمعنى (تريد) السفر؟  بغض النظر عن طبيعة السفر إذا كان بغرض السياحة أو لاستكمال مشوار الدراسة، بالتأكيد تحلم بالسفر، لكن هل تقدر؟ من الممكن أن ظروفك المادية تمنعك، أو هنالك ظروف عائلية أيضاً تمنعك، لنرى الموضوع من زاوية آخرى، هل أنت قادر على أن تلتزم في حياتك؟! هل أنت قادر على الالتزام في قرارتك؟. على بساطة الموضوع هل أنت ألتزمت بخياراتك التي اخترتها مؤخرا؟ هنا، يأتي السؤال المعتاد لماذا لا نلتزم؟ الجواب بكل بساطة على هذا السؤال هو لأننا في قرارة أنفسنا نعرف أننا لا نريد الالتزام.

القدرة والشيء الذي نحن نريده بين أنني استطيع فعله أم لا استطيع فعله، هي أحياناً تنقسم على عدة مراحل. الأصعب إذا كانت هذه النقطة موجودة في تعاملاتنا في الحياة اليومية وفي علاقاتنا الاجتماعية مع باقي أفراد المجتمع. نحن دائماً على احتكاك مع الأفراد الذين نحبهم ونقدرهم بشكل كبير، نقدم لهم كل ما نستطيع فعله من قلب مخلص، لماذا نقدم لهم؟! لأننا نستطيع ونريد في نفس الوقت، وهنا نحن جمعنا بين الأمرين بكل أريحيه، ولكن أحياناً نكتشف بأن هناك الكثير من الأمور في حياتنا نريدها لكن لا نقدر على فعلها، وبالمقابل هناك العديد من الأشياء نستطيع تقديمها لكن لا نريد تقديمها للشخص المعني. هل هنالك علاقة بين الأمور التي نريدها وما نستطيع فعلها مع اتجاهنا وحسنا بالمسؤولية؟

نسعى دائما إلى إحداث التغيير الملائم لظروفنا في الحياة اليومية، للوصول إلى السلوكيات التي تحقق التوازن، ومن هنا يلعب حسنا بالمسؤولية دورا كبيرا على مدى قدرتنا لتحقيق أهدافنا، ورغبتنا، وفي التغيير الايجابي لحياتنا. فما هو مفهوم الحس بالمسؤولية؟. يبدأ تعلم مفهوم المسؤولية في البيت والأسرة، لينتقل معنا إلى المدرسة ولاحقا يصبح أوسع ليشمل كافة نواحي حياتنا. يسعى الأهل ليعلّموا أبناءهم الشعور بالمسؤولية وتحملها والاعتماد على أنفسهم. نجد أن هناك تعريفات متعددة متباينة العبارات، يقتصر كل تعريف منها على بيان زاوية خاصة من زوايا المسؤولية. وإليك بعضاً منها:

من التعريفات التي وردت لكلمة المسؤولية ما جاء في معجم المنجد في اللغة بأن المسؤولية: “ما يكون به الإنسان مسؤولاً ومطالباً عن أمور أو أفعال أتاها”. أو هي: “أن يتحمل الإنسان نتائج الأفعال المحرمة التي يأتيها مختاراً وهو مدرك لمعانيها ونتائجها”. كما وعرفتها المجتمع اللغة العربية بالقاهرة بأن المسؤولية هي “هي شعور الإنسان بالتزامة أخلاقياً بنتائج أعماله الإدارية فيحاسب عليها إن خيراً وإن شراً”. وقال مقداد يالجن تعني المسؤولية «تحمل الشخص نتيجة التزاماته وقراراته واختياراته العلمية من الناحية الإيجابية والسلبية أمام الله في الدرجة الأولى، وأمام ضميره في الدرجة الثانية، وأمام المجتمع في الدرجة الثالثة».

جاء في موسوعة نظرة النعيم: “بأن المسؤولية حالة يكون فيها الإنسان صالحاً للمؤاخذة على أعماله وملزماً بتبعاتها المختلفة”. وعرفها الدكتور عبد الله دراز بقوله: “المسؤولية هي كون الفرد مكلفاً بأن يقوم ببعض الأشياء وبأن يقدم عنها حساباً إلى غيره”. عرفها مصطفى الصبري بأنها “لياقة الإنسان لما يلقاه في الدنيا والآخرة من جاء عمله”. عرفها الدكتور أحمد بن عبد العزيز “بأنها أهلية الشخص أن يكون مطالباً شرعاً بامتثال المأمورات، واجتناب المنهيات، ومحاسباً عليها”. وجاء تعريفه في المعجم الوسيط بأنها: “حالة أو صفة من يسأل عن أمرٍ تقع عليه تبعته”. يقال: أنا بريء من مسؤولية هذا العمل أي من تبعته.

كما وتطلق (أخلاقياً) على: الالتزام الشخص بما يصدر عنه قولا أو عملا. وتطلق (قانونياً) على: الالتزام بإصلاح الخطأ الواقع على الغير طبقاً لقانون. للمسؤولية أنواع متعددة، هناك باحثين قاموا بتقسيمها إلى قسمين بشكل عام:

  • المسؤولية الاجتماعية: التزام المرء بقوانين المجتمع ونظمه وتقاليده.
  • المسؤولية الأخلاقية: وهي حالة تمنح المرء القدرة على تحمل تبعات أعماله وآثارها، ومصدرها الضمير؛ وكل مسؤوليةٍ قبلناها، وارتضينا الالتزام بها فهي مسؤولية أخلاقية.

هناك باحثين قاموا بتقسيم أنواعها على حسب المسؤولية الدينية؛ حيث أن علاقة الشخص مع ربه هي أسمي أنواع العلاقات لذلك يجب أن تتحلى بالمسؤولية ومن صورها. والمسؤولية الاجتماعية والتي هي من أهم أنواع المسؤولية حيث أنك إذا استطعت ان تتحملها وتحافظ عليها يعني ذلك أنك قد استطعت أن تكون اسرة اجتماعية قوية، يعني القدرة على اصلاح المجتمع ومن أنواع المسؤولية الاجتماعية ما يلي:

  1. المسؤولية تجاه الأسرة: تشمل هذه المسؤولية المسؤولية تجاه كلا من الوالدين، الزوجة، الأبناء، الأقارب وصلة الرحم.
  2. المسؤولية تجاه الوالدين: يجب عليك أن تهتم بالوالدين وتعمل على برهما والطاعة لهما والإحسان لهم، كما أن بر الوالدين ورعايتهم في الشيخوخة ومراعاة حقهم يعد ضروري واجب عليك، حيث أن فشلك في رعاية والديك يعني وعدم رضائهم عنك يعني فشلك في الدنيا والآخرة.
  3. المسؤولية تجاه الأهل والأقارب: يجب عليك العمل على خدمة الأهل ومراعاتهم ووصل الرحم، ويجب أن تعمل على خدمة أهلك وأقاربك وعدم قطعها.

أما النوع الآخر من أنواع المسؤولية الاجتماعية هو المسؤولية تجاه المجتمع، حيث أنه يجب أن تعلم أن عليك واجب تجاع المجتمع حيث أننا نعيش بداخل امه في المجتمع البشري ولا يوجد شخص يعيش بمفرده ومن أنواع المسؤولية الاجتماعية ما يلي:

  • المسؤولية تجاه الجار: يجب عليك أن تعلم أن الجار له حقوق عليك ويجب أن تراعي حقوق الجار، ومن ضمن هذه الحقوق، حق الجوار حيث أنه يجب أن تعمل على مراعاة حقوق جارك وعدم فتش اسراره وعدم التجسس عليه والتدخل فيما لا يعنيك، ومن حق جارك ايضاَ ان تسأل عليه إذا مرض وأن تعينه وتكرمه وتنصحه إذا احتاج لذلك.
  • المسؤولية تجاه المجتمع بكامله: يجب عليك أن تعلم أن لوطنك حقوق عليك ويجب أن تحافظ على الوطن وتعمل على رفعته وتقدمه وأن تؤدي عملك بإخلاص من اجل تحقيق رفعة الوطن وتقدمه، كما أنه عليك واجب تجاه البيئة التي تحيا فيها حيث أنه يجب عليك عدم القاء القمامة والحفاظ عليها من التلوث ومراعاة البيئة. المسؤولية الاجتماعية تعد من الأشياء الهامة جداً حيث أنك إذا استطعت أن تتحمل مسؤوليتك كاملة فسوف تجد أنك تعيش بسلام وهدوء نفسي كبير، أما إذا فشلت في أن تتحمل دورك في المجتمع فسوف يؤدي ذلك إلى فساد المجتمع وانهياره لذلك يجب أن تقوم بالعمل على تحمل دورك بالكامل في المجتمع.
  • المسؤولية الأخلاقية: وهي حالة تمنح المرء القدرة على تحمل تبعات أعماله وآثارها، ومصدرها الضمير؛ وكل مسؤوليةٍ قبلناها، وارتضينا الالتزام بها فهي مسؤولية أخلاقية.

من فوائد تحمل المسؤولية:

  • الحرص على الإخلاص في العمل وإحسانه، والاستمرار فيه.
  • كسب ثقة الناس واعتزازهم بالشخص المسؤول.
  • السلوك المسؤول أو المسؤولية هي أن تؤدي العمل المطلوب منك على أكمل وجه في الوقت المحدد.
  • الشّعور بالسّعادة لأداء الأعمال النّافعة للمجتمع.
  • خلق القيمة الذّاتية للإنسان في مجتمعه.

كيف تكون شخص مسؤول؟ المسؤولية تتطلب منك ببساطة اتباع مجموعة معينة من الإرشادات في كل عمل تقوم به، مثل:

  • الالتزام بوعودك.
  • الثبات على تحمل المسؤولية.
  • لا تُلقي اللوم على شيء.
  • لا تُكثر من الشكوى.
  • لا تتحجج بأي أعذار.
  • الاعتراف بالخطأ.
  • عليك أن تكون شخص يتمكن من القيام بالكثير من المهام.

رزان الظاهر


مراجع التعاريف:

[1] المنجد في اللغة والأعلام، ص: 316، دار المشرق، بيروت. ط: الأربعون 2003م.

[2] التشريع الجنائي مقارنا بالقانون الوضعي، عبد القادر عودة، 1/ 392، ط: دار العروبة.

[3] المعجم الفلسفي، إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ط سنة 1979م الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية.

[4] التربية الأخلاقية الإسلامية. لمقدار يالجن، ص: 331، ط1، مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1977م.

[5] موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم بإشراف د. صالح بن عبد الله الحميد 8/ 2400 دار الوسيلة للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى 1418هـ.

[6] هو الدكتور محمد عبد الله دراز ولد سنة 1894 الميلادي في قرية (محلة دياي) بمصر بمحافظة كفر الشيخ، كان يعرف اللغات المتعددة وحصل على الدكتوراه من جامعة السربون بفرنسا وله مؤلفات كثيرة منها: الأخلاق في القرآن، الدين، النبأ العظيم، المسؤولية في الإسلام توفي سنة 1958. انظر كتاب الدين لعبد الله دراز ص 7 – 8.

[7] دستور الأخلاق. لدكتور عبد الله دراز. ص: 136. تعريف وتحقيق وتعليق الدكتور عبد الصبور الشاهين ط: الرابعة، 1402هـ – 1982م، مؤسسة الرسالة بيروت.

[8] موقف البشر تحت سلطان القدر للشيخ مصطفى صبري، ص: 171 ط: 1 سنة 1352هـ. المطبعة السلفية بالقاهرة.

[9] المسؤولية الخلقية والجزاء عليها. لدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحليبي. ص: 71. مكتبة الرشد بالرياض، ط: الأولى 1417هـ/ 1994م.

[10] المعجم الوسيط 1/ 411.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *