مَنْ نَحن؟ مَنْ هُم؟ مَنْ الناس؟

مَنْ نَحن؟ مَنْ هُم؟ مَنْ الناس؟

خلوني أحكيلكم هالحكاية بمجتمعنا ما إلها بداية ولا نهاية، وهالرواية بتحصَل بكل بيت بين غَصة وأذى و يا ريت الكبير بالدار هو الحاكم والصغير مهضوم حقو ومش فاهم. حوار الست مع زوجها ضايع لأن هو الآمر والناهي وبالقرار هو الشاري والبايع، والأُخْت بتخدِم أخوها ابن أُمها وأبوها لإنّو هيك جرت العادة، الذكر إلو السيادة. ولسا للرواية في زيادة، فيها العبرة والإفادة يعني مثلا لوكنت بالعيلة إنت الطبيب، فإنت الوحيد اللبيب، قدام الناس والأديب، ولو بعيد ولا قريب حتكون إنت المفخرة والباقي بسيروا مسخرة. الطويلة هي الجميلة عكس القصيرة والفرق بين النَحيفة والَسمينة ولاّ السمرا والشقرا، والأبيض والأسود والناس ذوي الإعاقة ما بنعاملهم بلباقة، عم بنحُط الناس بقوالب والقوالب بتسير هُوية بوجهة نظر الأغلبيّة بالَّرغم إنها أذيّة والله يكون بعون الضحية هُويتها صارت أبديّة. للأسف نسينا حُسن الخِصال الحُكم فيها والفِصال، والمظاهر قُشور التعمق فيها شرور مبني عالأحقاد والغرور، لا محبة فيها ولا سُرور والحل نتقبل الاختلاف، لا قصدي نحب الاختلاف ونآمن إنو حتى نجتمع لازم نكون مختلفين بأفكارنا متنوعين، هيك بنبني بينا جسور والراحة بتِملا الصُدور وبتحلا النهاية!

حَدثَ بالفعل

في صباح اليوم الثامن والعِشرين من كانون الثاني، وأنا في طريقي للعمل، أتصفحُ مِنصَة التواصلُ الاجتماعي (الفسيبوك) لفتَ انتباهي منشورٌ على إحدى الجروبات لفتاة تقولُ فيه حرفياً التالي: “تزوجي رجل أمُه بتعمل فيلر وبوتكس صدقيني هالنوع كل شي عندهُم عادي يعني حياتك رح تكون حلوة لإنها مو فاضية تتدخل فيها، اهتماماتها أكبر وأهم منك إنتي وابنها اللي خِلصت منو”. بالطبع كان المنشور بهدف الفكاهة ولأنه إلى حدٍ ما يحاكي بعضاً من أحداثِ الواقع. إلى هنا لم أشعر بشيءٍ غريب ولكن عندما بدأتُ بقراءةِ التعليقات كانت الصدمةُ الحقيقية والاندهاشُ الكبير لما تحمِلُه هذه التعليقات من تنمر. من هذه التعليقات مثلا أن قالت إحداهن: “بالعكس، بتكون تافهة وحاطة نقرها من نقرك وبتغار من لحم سنانها”!، وقالت أُخرى: بالعكس بتكون قليلة دين وعقل، وردَت أُخرى لتقول فعلاً كلامك صح وممكن يكون عندها عشيق ملتهية فيه ورح تشكرك إنك شغلتي إبنها عن حياتها الاخرى الجميلة”. لقد ألصق مثل هؤلاء تلك الصفاتِ البشِعة من ناقصةِ عقلٍ ودين وتافهة لوالدة الزوج أولاً والنساءُ المتقدماتِ في العُمر ثانياً في حال أرادت المرأة أن تَهتم بجمالها وهي أم وكأنّه مُحرمٌ عليها وكأنَّها ستغدو بلا أخلاق إن تزيينت، وكأنَّها ستخون زوجها وكأن وكأن وكأن…!

هل يقطُن في بيتِكُم الفُضول القاتل؟ بالطبع في منزِلنا نحن كان يقطن، وكُنت أنا من يفتحُ البابَ له كلّ يوم. ذات مرة أذكُر أنَّ هذا الفضول من عبثيته المفرطة انتهى به الامر بين مُذكِراتِ أختي اليومية، يا لبَراءة أختي!، تُفرِغُ في صَفَحات دفترِها، ما تُعانيه من غصةٍ وحسرة في قلبِها بسببِ تقدير والدها المُفرِط لأختِها التي تفوقت عليها أكاديمياً. تراه يُمجِّدُ ابنته المتفوقة بنظره أمامَ الناس ويُسهِبُ في مدحها في جلسات الأقارب والأصدقاء مُتناسياً ذِكرَ الأخرى. إذا أراد أن يستعينَ بمشورةِ أحدِ أبناءِه ِسيطلبُ رأي تلك الحكيمة ذاتِ العلمِ الوافر على حد نظره! لتبقى أختي المسكينة بلا صوتٍ يُسمَع! ولا كلِمةً يؤخَذُ بها، ولا رأيٍ يحتذى به! ولم تنسى في مذاكراتِها تلك الدموع التي ذرفتها في يوم إعلان نتائج الثانوية العامة التي فرح لها في ذلك اليوم جميعُ الناس سِواه هو. لأنَّه لم يشعُر بالفخرِ بتلك النتيجه، وعلى العكس تماماً لم يُحاكيها لأسبوعٍ كاملٍ ولم يذكُر كلمةَ شُكرٍوتقدير للمجهودِ الذي بذَلَتهُ طيلةَ عامٍ كامل من السهر والدراسة. عندما أنهيت قراءة تلك الألام تمنيتُ لو كان بمقدوري فتحَ صفْحةٍ جديدة في هذا الدفتر لأُكمِلَ به مأساتي أنا؛ فقد كُنتُ أحسِدُها وأغارُ كثيراً من جمالها الذي أفتقده أنا. عينانُ زرقاوان ووجهٌ أبيضٌ ثلجي، طويلةٌ كالنخلة ِالفاتنة وشعرٌأسودٌ يُدهِشُ كُلَّ من رأه! وكانت دائماً بين العائلة مثالَ المُهرةِ الجميلة التي يُسرُ الناظرُ لرؤيتها على عكسي أنا، سمراء وعينان بُنيتان وطُولُ متوسطُ لا يلفت النظر ولا يجلبُ الانتباه حتى أنّني أذكرُ حينها أننّي كنتُ بدينة إلى حدٍ ما، ما يجعَلُني أفتقرُإلى أيّ علامةِ أنوثة رُبَّما!.

لم أستطع حينها أن أنسى ذلك اليوم الذي تقدَّم فيه أناسٌ لِخطبتي وخلال حوارهم معنا لا أدري كيف أتت اللحظة التي أضافت فيها إحدى قريباتي ملاحظة قائلة: “هاي البنت عنا ولا شي! شوفو أُختها هالعيون الملونة والبياض بس لساتها صغيرة على الزواج!، في هذه اللحظة شعرتُ بأنّني أقبح فتاة على هذا الكوكب. لو تعملي يا أختاه عدد عياداتُ التجميل التي قُمتُ بزيارتها وأنتم لا تعلمون عني شيء، بل وأنتم ترمُونني بتلك الصفات المؤلمة من بشعة وسمراء وأخرى لم أعُد أذكُرُها، لا تعلمي كم من السنوات احتجت لأتعافى من عقدة النقص وفقدان الثقة بالنفس التي أصابتني التي لا تزال آثارها ظاهرة علي من انحناء الظهر؛ لأنني كنت أمشي مطأطأة الرأس فأنا لا أريدُ أحداً أن يرى وجهي، نعم إلى هذا الحد! ولكنني تصالحتُ مع نفسي وأُحِبُها كثيراً، بلغتُ الحدَّ من السلام الذاتي الذي جعلني أفهم دوافع عائلتي التي جعلتهم يقارنوا بيننا، خاصة نساءَ العائلة، في مجتمعٍ يسوده زواج الصالونات الذي يبحث فيه البعض عن معايير جمال معينة للمرأة أردنَ أن يثبتن أنَ باستطاعتهّن إنجاب فتياتٍ جميلات! وهكذا هو حال والدي الذي يريد أن يثبت لمن حوله بأنه أبٌ صالح، أب جيد يُقتدى به وكأنّ صَلاحَه مرهونٌ بمنزلة أبنأءه العلمية وما قد يصلو إليه من مكانة مرموقة في المجتمع. أنا لا ألومه بل يعتيريني الفضول حقاً للبحث في تلك المسميات التي اعتاد مجتمعنا أن يضعَنا بها ويحكم علينا من خلالها، ما أصل هذه الصور النمطية وما أصل تلك القوالب؟ من أين جاءوا بها؟

في حوارٍ جمعني بزملائي في العمل، قُمتُ بتوجيه تلك الأسئلة التي تتعلق بالصور النمطية وما إذا كانوا قد تعرضوا لها في حياتهم، وكانت الإجاباتُ صادمة والقصصُ مؤلمة لم أستطع استيعاب كمية القولبة التي نتلفظ بها يومياً دون أن نشعر! تقول صديقتي أنا نحيلةٌ جداً مما يجعل كل من يراني يطلق علي لقب السيدة ملعقة. وزميلي يرتدي النظارات الطبية منذ صغره مما كان يدفع أقرانه لمناداته “بفتى طقم الكاسات” و”أبوأربع أعين”. تقول صديقتي من إيطاليا: أثناء دراستي في الولايات المتحدة كانوا دائماً يندهشون من أصولي لأنني شقراء وما هو معروف عن النساء الإيطاليات أنهُّن سمروات وشعرهُنّ أسود. وتضيف صديقتي المتزوجة من الأرجنتين: اعتاد الناس على سؤالي إن كُنت أماً أم لا فمفهوم العائلة والتكاثر هنالك هامٌ جداً وتقول خلال وجودي في الأردن كان البعض يعتقد بأنني رجلٌ لأنَ شعري قصيرٌ جداً. وآخر من إيطاليا يقول أثناء سفري لعدة أماكن كان الناس يوجهون لي أسئلة عما إذا كنت من إحدى عصابات المافيا أم لا!.

ما فيك تكون متل ما إنت لأنهم موجودين ولا فيهم يكونوا بالطريقة يلي بيحلموا فيها لإنك موجود! بتصير تكذب مشان يتقبلوك وبتقضي طول حياتك وإنت بتحاول تخليهم يحترموك! الناس… الناس… ما بيعرفوك بس بحددوا هويتك من لما بتولد لحتى تموت!

 

نجوى أبو زهره

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *