بين مؤثرين وممثلين

بين مؤثرين وممثلين

لقد بدأ الشباب بالانسلاخ عن هويتهم مقابل اللهث وراء الكماليات والمثاليات التي يظهرها هؤلاء الذين يقفون وراء كاميرات منصات التواصل الاجتماعي. تعد ظاهرة المؤثرين بالنسبة لي، تجارة بالملايين يقابلها التضحية بالعقول والوعي. أنا أؤمن بأنه من الذكاء والحكمة بل من الدهاء أن نستطيع خلق بيئة تسويقية تجذب المستهلك ولكن ما يثير اندهاشي ويجعلني أشعر بالاستياء هؤلاء الذين يتصدرون المشهد والذين يقومون بالعملية الدعائية، هؤلاء الذين أصبحت مهمتهم تتخطى المادة الإعلانية التي يتوجب عليهم تقديمها ليغدوا مؤثرين وملهمين في مواقع التواصل الاجتماعي دونما الإتصاف بشخصية قيادية حقيقية أو محتوى هادف نبيل وترى الناس تتبعهم دون إدراك. لا زلت أذكر ذلك الحوار الذي دار بيني وبين زميلي حول الثورات التي تحدث في الوطن العربي وكان رأيي أن ثوراتنا زائفة وكيف لها أن تكون حقيقية ونحن ينقصنا الوعي والحرية الحقيقية! التي يشعر من خلالها الفرد بالمسؤولية تجاه نفسه وتجاه أفراد مجتمعه. كيف تكون ثورة مثقفين وقراء في الوقت التي تجد فيه ملايين المتابعات لصفحات البعض ممن يسمون أنفسهم مؤثرين ومؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يفتقرون إلى الثقافة والوعي المطلوبان في بعض الأحيان. لم نعد نرى ملامح السلام الذاتي فمثلا المادة الإعلانية التي تصور المرأة على أنها رشيقة وفي أحسن صورها حتى في أقسى الظروف تزرع بالضرورة فكرة الهوس بالشكل والماهر والابتعاد عن المضمون.

لا أعلم ما الفائدة المجنية حقاً من متابعة حياة المؤثرين والمؤثرات اليومية سواء كان على الإنستجرام أو السناب شات؟! ولا أعلم ما هي المتعة في مشاهدتهم يتنمرون على الناس في حديثهم من أجل إثارة الجدل وجلب متابعات أكثر. إنه لممن المؤسف حقاً من تفاهات بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي وبعض أولئك الذين يصفون أنفسهم بالمشاهير؛ فقد أصبحوا لا يخجلون من التلهف بأي كلمة أو تصوير أنفسهم أو تمثيل أي مشهد دون ضوابط اجتماعية ودون رقابة ذاتية ودون الشعور بأي حرج تجاه أنفسهم, ويرفعون شعار: كل شيء مباح وكل شيء ممكن بغرض زيادة المتابعات وحصد مال الإعلانات وهو أقرب إلى مبدأ الغاية تبرر الوسيلة! ليس هذا فحسب بل إن مستوى الانحطاط أصبح كبيرا جداً للدرجة التي بتنا نرى من خلالها نمط الحياة الواقعي التي يعيشونها ويعكسوها أمام الكاميرا بغية تحقيق أرقام متابعة عالية وتسويق أنفسهم على حساب القيم والأخلاق؛ فهم يضربون بعرض الحائط أواصر المجتمع والمبادئ التي تجعله مترابطاً. إن المخيف حقاً أن مثل هؤلاء بات قدوة للكثير من شباب الجيل الجديد.

هذه الظاهرة لا بد من التفكير جيداً بها فهناك فرق بين الحريات الشخصية التي تقتصر على الشخص نفسه والحريات التي بشكل أو بأخر تؤثر وتعطي ناتج سلباً على الآخرين خصوصاً إذا كان رأيك وافعالك تعبر عنها فقط في العالم الافتراضي. انني اؤمن أن للفرد الحرية الكاملة في ممارسة ما يحب مهما كانت ممارساته تنافي ضوابط وقواعد المجتمع، ولكن إيماني اكبر بان من يعطي اثر سلبي للآخرين على حياتهم وافكارهم، لا بد من الحد من تلك الظواهر. قبل أن اتعمق اكثر في هذا الموضوع اسمحوا لي ان اسرد عليكم القليل من حياة شخص كرس حياته من أجل الاخرين وقدم الكثير من التضحيات فقط لأجل الحرية الاعلامية والفردية. من طبيب الى اعلامي سياسي ساخر كرس حياته ووقته ليمارس ما كان يحلم به (باسم يوسف) ولد في 22/31/1974 هو كوميدي كاتب منتج جراح طبيب ناقد اعلامي وقدم تلفزيوني مسرحي قدم برنامج “البرنامج” الاخباري الساخر من سنة 2011-2014 بداء بتقديم برنامج سياسي عن طريق الانترنت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير من خلال برنامج “باسم يوسف شو” وبداء عره على اليوتيوب سنة 2011 بشهر 3، تم عرض اكثر من 110 حلقات وبلغت مشاهداته اكثر من 15 مليون مشاهدة مستخدما كرسي وطاولة وكاميرا واحدة ولوحة جدارية تضم صور التقطت من هواة في ميدان التحرير.

من ثم صعد باسم يسف واصبح حديث الجدل بين الاعلاميين المصريين وبعد ما تم عرض برنامجه لأول مرة على قناة اون تي في سرعان ما تم اتهامه بالعميل والطابور الخامس والتحريض للمثلية والتحريض ضد المجلس العسكري. انتقل بعد ذلك لتقديم البرنامج عبر قناة سي بي سي وتم اذاعة اول حلقة في نوفمبر 2012. قد تلقى باسم يوسف انتقادات كثيرة وغضب ايضا من زملائه الاعلاميين وسرعان ما انتقل ايضا الى قناة ام بي سي سنة 2014 حيث كانت اخر اعماله الاعلامية البرامجية في مصر قبيل توقيف برنامجه من قبل الحكومة المصرية في عام 2013. تم اختيار باسم يوسف ضمن افضل مئة شخصية مؤثرة في العالم من قبل مجلة تايم الامريكية، كما تم ترشيح برنامج البرنامج كأفضل برنامج في عام 2013 من موقع اليوتيوب وجائزة حرية الصحافة الدولية من قبل لجنة حماية الصحفيين. باسم يوسف كان وما زال يؤثر كثيرا في الاشخاص والمجتمع المحلي المصري والعربي واحاول قدر الامكان معرفة الصفات والخصائص التي تساعد الشخص في وضع يؤثر فيه على المجتمع وايضا الاسباب التي تسمح للأشخاص بان يتأثروا وهل ممكن ان يوجد اثر سلبي للمؤثرين في المجتمع على المجتمع واقصد المؤثرين ايجابيا فقط؟

من وجهة نظري حتى تستطيع ان تكون مؤثر بشكل ايجابي على المجتمع يجب ان تتمحور حول شيء مفتقر عند الناس العاميين، على سبيل المثال باسم يوسف كان يتمحور حول الحرية الاعلامية والفردية بمصر عن طريق السخرية والكوميديا السوداء واستطاع من خلال برنامجه الوصول الى قلوب الناس والتعبير عن ما في داخلهم ويجب عليك ان تكون منصف وحيادي لكافة الانواع والاختلافات وقول ما في داخلهم وما لا يستطيعون او يفتقرون بالحديث به، هذا ايضا من الاسباب الرئيسية التي تسمح للأشخاص بان يتأثروا بغيرهم. مشاهدة المؤثرين ايجابياً شيء جميل ومفيد ايضا يمّكن اكتساب المعرفة وتطبيقها وزيادة الوعي ولا يجب ان يكون اكثر من ذلك لانه بشكل او باخر سوف ينعكس سلبا اذا تدفقت الامور لأنك سوف تدخل بباب التبعية وسوف تصبح تابع للأشخاص كما كنت تابع لنظام حكم ما مثلا وهذا عكس تماما ما يطمح به الاشخاص الذين ينادون باسم الحريات الفردية والمجتمعية لذا عليك ان تكون حذرا جدا عندما تتأثر بالأشخاص “المؤثرين”.

ان وجود هذه الظاهرة بات يؤثر في اولويات التغطية الاعلامية والناس وتؤدي إلى خلل في المعايير المجتمعية، هنالك الكثير من المؤثرين يلعبون بدور إيجابي لكن منهم من يشكل مثالاً سيئاً ما يستدعي الحذر، خصوصاً بعد ان فتحت لهم بعض رسائل الاعلام منبراً لنشر افكارهم، من الصعب التوقع إلى أي مدى سوف تتجه هذه الظاهرة وما التغيرات التي تطرأ عليها، لكن مما لا شك فيه انها اصبحت تشكل مصدر قلق حقيقياً نتيجة العشوائية السائدة فيها وأثرها السلبي على المجتمع والافراد.

نجوى وامير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *