نظرية تأثير الكوبرا

نظرية تأثير الكوبرا

كثيراً ما يقال إنه لا توجد أبداً أي حكومة أذكى من شعبها ومواطنيها، مهما كانت السياسة أو الحوافز التي تقدمها الحكومات ومهما كانت درجة إحكامها في مواجهة الأزمات، يجد المواطنون دائماً طريقة للتغلب وتحايل عليها لتصبح الإجراءات التي اتخذت في الأساس لحل مشكلة هي ذاتها التي تعمق الأزمة وتزيد الطين بله وقد تخرجها عن نطاق السيطرة. هذا الوضع يسمى “بتأثير الكوبرا”… ولكن من أين أتى هذا المسمى؟ وما هو تأثيره؟

نظرية “تأثير الكوبرا” هي مستوحاة من قصص واقعية ومماراسات فعليه من قبل الحكومات؛ لكنها فوجئت بتعقيد وبروز مشكلات لا حل لها. يعود ظهور مصطلح تأثير الكوبرا، الى سنوات الحكم البريطاني للهند، حيث أن السلطات البريطانية أرادات أن تقضي على ظاهرة إنتشار ثعبان “الكوبرا” القاتله الموجودة في شوارع المدينة، فأعلنت تخصيص مكأفأة مالية لمن يقوم بقتل “الكوبرا” (النقد مقابل الثعابين)، إعتقدوا بأنه الحل الأمثل. في البداية كان له مفعول ساحر، وأصبحت الشوارع بالفعل خالية نسبيا من الزواحف السامة. ولكن ذلك الوضع لم يستمر كثيراً، وبعد فترة لاحظت السلطات البريطانية أن أعداد ” الكوبرا “لا تنتهي وقد بدأت بالتزايد ولم تنقص، وعندما بدأوا في التحقيق اكتشفوا نتيجة غير متوقعة ! اكتشفوا البريطانيون أن البعض قام بإنشاء مزارع لتربية الثعابين “الكوبرا”.

على الفور ألغى البريطانيون البرنامج، ولم يجد الهنود الذين قاموا بتربية الكوبرا فائدة من ذلك، ليطلقوها في شوارع دلهي بأعداد ضخمة جدا” لم تراها البلاد من قبل. وهكذا أصبحت المشكلة أسوأ بكثير مما كانت عليه في البداية، ولم تقم الحكومة إلا بإهدار الكثير من الأموال في غير مكانها الصحيح. ما الذي حصل بالضبط…؟! “الذي حدث هو أن الهنود بدأوا في تربية أعداد كبيرة من الكوبرا، لكي تستمر في التكاثر ويقتلون أعداد منها ويسلمونها الى الحكومة ويحصلون على المكافأة، وذلك من أجل تحسين دخلهم.” بالرغم من روعة تلك القصة، التي كشفت بإيجاز عن كارثة الاعتماد على حلول، لا تعالج المشكلات بقدر ما تزيدها سوءا.

هناك أيضا الكثير من القصص المشابهه: مثلما ما حصل في فيتنام، حين انتشرت الفئران هناك خلال وقوع فتنام تحت سيطرة الحكم الفرنسي، حيث توصل الفرنسيون حينئذ لحل لا يختلف كثير عما حصل مع الحكومة البريطانية في الهند، وذلك بعرض مكافأه كبيرة لما يقوم بقتل الفئران من خلال تقديم ذيل كل فأر مقتول. لكن ردود أفعال الفتنامين كان مختلفه بعض الشىء عن الهنود، حيث لجؤا الى قطع ذيول الفئران دون قتلها، حتى تمكنت تلك الفئران والقوارض بأن تنجب المزيد من الفئران والتى لا تعنى لفقراء فيتنام إلا المزيد من المكافاّت؛ لذلك إزداد أعدادها في البلاد، وفشلت الخطة الفرنسية وإزداد الأمر سواءٍ.

نظرية تأثير الكوبرا في واقعنا!

حيث أن في واقعنا الحالي هناك الكثير من الحلول والمعالجات وحتى من التصريحات والإجراءات، التى تهدف الى القضاء على مشكلة معينه، ولكن نتفاجىء بأن حل المشكلة ولد مشكلة إخرى أكثر تعقيداً، ربما كان ذلك بسبب التسرع في وضع الحل أو الإجراءات لمعاجلة المشكلة الأساسية هو السبب، أو ربما أيضاً عدم دراسة طبائع الناس وظروفهم بشكل جيد. على سبيل المثال، في دائرة مكافحة الفساد والاختلاس والتلاعب، وحفاظاً على المال العام في الدولة، يتم وضع قوانين مشددة، بعضها جاء بإجراءات جداً معقده وإطالة فترة إكمال المعاملات وإنجازها وتأخير مصالح الناس، فماذا حصل؟ النتيجة قد زاد التلاعب والفساد والإختلاس، ويشار إليه سنوياً في تقارير ديوان الرقابة المالية تحت بند (التجاوزات والملاحظات)، وأيضا هناك حيل وإجراءات تحمي التلاعب والفساد.

 

إستسهال حل المشكلات

هذا ما تتسم به في الكثير من الأحيان الحكومات وإدارة الشركات بالإستسهال والإندفاع في محاولة مواجهة مشكلة معينة، حيث تقوم بالتسرع بوضع حلول وأحياناً دون دارسة كافية للوضع وذلك بفرض سياسة جديدة أو تقديم حوافز داخل الشركات، ويمكن وصف الموقف مثل الشريط اللاصق الرديء الذي لا يصمد مع الزمن. أو مثل صنبور الماء الذي يوجد به عطب والذي تحاول وقف تسرب الماء منه وتقوم بسده بإصبعك فيزداد الأمر سواءٍ ليزيد الضغظ في مكان اّخر وتتسرب المياه مرة إخرى. كما يحدث أيضاً في قطاع الأعمال حيث يتذاكى البعض بالتقليل من الجودة لتوفير التكاليف، دون أن يرهق الشخص نفسه في التفكير في وضع السوق على المدى الطويل فيزداد الأمر سواءً.

عادة تأثير نظرية الكوبرا تحدث في السلك الحكومي بتعقيد الأمور وإطالة الإجراءات، حيث أن هناك مثال اّخر على ذلك؛ حينما تم التشديد في زيادة الغرامات المالية والمخالفات (عدم لبس حزام السيارة عند القيادة أو إستخدام الموبايل خلال القيادة، أو تحديد سرعة الشوارع)، حيث لجأ الناس الى وضع الحزام خلف كرسي السيارة ولبسه سريعاً لحظة وجود كاميرا أو سيارة شرطة. أو المطالبه المستمرة بتعديل سرعة الشوارع فكثيرا ما تجد المركبات في تخفيف السرعة لحظة الإقتراب من الكاميرا، وحين تبتعد عن الكاميرا تجد السيارة إنطلقت كالصاروخ. الغريب بالأمر أن حملة المخالفات لم تجدي نفعأً ولم تعد موجوده حالياً، حيث أصبح نادراً من إيجاد مخالفات بسب الحزام أو الهاتف وتم التغير سرعة الشوارع، ليس لأن المخالفات تلاشت؛ بل على العكس إزداد الأمر سواءً، والسبب بأنه لم يتم عرضها بأسلوب أكثر واقعية لظروف الناس وثقافتهم. ليس القانون وحدة يتحكم بممارسات الناس، على الرغم كثير منا حينما نذهب لدولة أجنبية نحرص على اللإلتزام بحزام الأمان وقوانين السرعة.

بالتأكيد هذه ليس دعوة للإبقاء الوضع سلبي أو عدم مواجهة أي مشكلة، ولكن من أجل تجنب تأثير نظرية الكوبرا يجب على المسؤولين سواء من الحكومات أو أصحاب الشركات بوضع خطط مرنه والتعامل مع الأمر بشكل صحيح ولتجنب الأثار السلبية. مثال اّخر لنظرية تأثير الكوبرا في العاصمة الكولومبيا، حيث حاولت السلطات التخفيف من أزمة السير في العاصمة من خلال السماح لأصحاب السيارات فقط بقادة سيارتهم لبضعة أيام من الأسبوع ويتم التحقق من ذلك بإستخدام الرقم النهائي المكتوب على لوحة الترخيص بأن أصحاب السيارات التي تحمل رقم 1 الى 4 بإستطاعتها القايدة ايام الإثنين والأربعاء.

كانت النتيجة أن الأشخاص الذين بحاجة للقيادة كل يوم الى شراء أكثر من سيارة، بل اضظرت الاسرة التى تتكون من زوج وزوجة يعملان الى شراء أربع سيارات من اجل أن يتمكنوا من الذهاب الى عملهم كل يوم. لذلك كانت النتيجه النهائية مزيد من الإزدحام المروري والتلوث البيئي. الأمثلة على ذلك كثيرة وخاصة في المجال الحكومي والإقتصادي، فإن منع ممارسات معينة فإن البعض يعتقد أنه إنتهاك للحرية، فيما ترى الجهات المعنية بأنه لمصلحة المجتمع والشعب، لذلك يجب أن تصحبها وعي مجتمعي عام كالتمهيد والتسويق الجيد من قبل الجهات المعنية لتحقيق النتائج المرجوه، لكي لا يلجأ البعض الى خيارت إخرى مفتوحه من خلال التكنولوجيا التى تزيد الطين بله أو عن طريق زيادة الضرائب لحل مشكلة الدين العام، والكل يؤمن بأن الضرائب مقابل خدمة فهل كل هذه الضرائب والرسوم نتج عنها تطوير للخدمات؟ لذلك نظرية تأثير الكوبرا لها تأثير مباشر على المجتمع وأيضا على الأفراد من خلال إجاد حلول تناسب جميع الأطراف، بتعزيز الصمود والمرونه بالأخص للحكومات بأن تكون اكثر مرونه مع المجتمع من خلال دراسة الميدان بالشكل الصحيح وعدم التسرع.

أحمد أبو حميد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *