بِدَمٍ بارِدٍ وعلى أنغامِ الموسيقى ارتَكَبَ “برينتون تارانت” مَذبَحةً ضِدَّ المُصلِّينَ خِلالَ صلاةِ الجُمعة، في مَسجِدَينِ بِمدينَةِ كرايست تشيرش بنيوزيلندا، الجُمعة المُوافق 15/3/2019، مُتَذرِّعاً بِالانْتِقامِ لِضحايا هَجماتٍ ارتَكَبَها مُسلمونَ و مُهاجِرونَ في أوروبا. بَدأَ تارانت تَصويرَ الحادِثَةِ بِمُنتهى الهُدوءِ مِن داخِلِ سَيَّارتِهِ مُرتَدياً دُروعًا واقِيةً وزياً عَسكرياً وخوذة، قائِلاً “دعونا نبدأ هذه الحفلة”. إطلاقُ النَّارِ لَم يَتَوقَّف تَقريباً طَوالَ الفيديو الذي امْتَدَّ نحو 15 دقيقة، والذي بَثَّهُ تارانت عَبْرَ مَوقِعِ التَّواصُلِ الاجْتِماعي “فيسبوك”، لِيَسقُطَ ما لا يَقِلُّ عن 49 قتيلاً، والعَديدُ مِنَ الجرحى.
تارانت يَبلُغُ مِنَ العُمْرِ 28 عاماً، وبِحَسَبِ ما كَتَبَهُ عن نَفسِهِ في بيانٍ من 73 صَفحة “أنا رَجُلٌ أَبْيضٌ مِنَ الطَّبقَةِ العامَّةِ لكِنَّني قَرَّرْتُ أن أتَّخِذَ مَوقِفاً لِضمانِ مُسْتَقْبَلٍ شَعْبي”. و قالَ أيضاً “مَرَرْتُ بِطُفولَةٍ عادِيَّةٍ بِلا مَشاكِلٍ كَبيرَةٍ وكانَ لَديَّ اهتِمامٌ قَليلٌ بِالتَّعليمِ خِلالَ الدِّراسَةِ ولَمْ أرتَدْ الَجامِعَةَ لِأنَّني لا أرى فيها شَيئاً يَسْتَحِقُّ الدِّراسة”. وقَدْ شَرَحَ تارانت في بَيانِهِ الذي جاءَ بِعُنوان “البَديلُ العَظيم” أسبابَ ارتِكابِهِ لِهذِهِ الحادِثَةِ أنَّ عَدَدَ المُهاجرينَ في تَزايُدٍ كبير، الذي اعْتَبَرَهُم مُحْتَلِّينَ و غُزاة، وأنَّ سَبَبَ اخْتيارِهِ لِهذِا المَسْجِدِ هو أَنَّ عَدَدَ رُوَّادِهِ كَثيرون. قال “إنَّ أرضَنا لَنْ تَكونَ يوماً لِلمُهاجرينَ وهذا الوَطَنِ الذي كانَ لِلرِّجالِ البيض سَوفَ يَظَلُّ كذلِكَ و لَنْ يَستطيعوا يَوماً اسْتِبدالَ شَعْبِنا”. وقَد زَعَمَ أنَّ ارتِكابَ هذهِ الحادِثَة جاءَ “لِأَنتَقِمَ لِمئاتِ آلافِ القَتلى الذينَ سَقَطوا بِسَبَبِ الغَزواتِ في الأراضي الأوروبيَّة عَلى مدى التَّاريخ، و لِأَنتَقِمَ لِآلافِ المُستَعبَدينَ مِنَ الأوروبِّيينَ الذينَ أُخِذوا مِن أراضيهِم لِيَسْتَعبِدَهُم المُسلِمون”.
إسلاموفوبيا
أَقدَمَ سناتور أسترالي مِنَ اليَمينِ العُنصُرِيِّ عَلى ضَرْبِ شابٍّ يَبلُغُ مِنَ العُمْر 17 عاماً رَشَقَهُ بِبَيضَةٍ في يومِ السَّبت الموافق 16/3/2019، في اليَومِ التَّالي لِلحادِثَةِ التي وَقَعَتْ في نيوزيلندا إثرَ تَصريحاتِهِ المُعادِيَةِ لِلإسلامِ خِلالَ الحادِثة. السناتور” فرايزر آنينغ” أَثارَ مَوجَةَ احتِجاجاتٍ في الحادِثَةِ التي وَقَعَتْ في نيوزيلندا مِنْ خِلالِ القَولِ أَنَّ هَذِهِ المَجْزَرَةَ ناجِمَةٌ عَنْ “برنامج الهِجرةِ الذي أتاحَ لِمتَعصِّبينَ مُسلمينَ الهِجرَةَ إلى نيوزيلندا”. كانَ السناتور الذي لَديهِ تاريخٌ مِنَ التَّعليقاتِ العُنصُرِيَّةِ يَتَحَدَّثُ وعِندَما فاجَأَهُ الفَتى بِبَيضةٍ على رأسِهِ سريعاً ما قامَ بِالالتِفاتِ و ضَرَبَ الفَتى، لِيَتَدَخَّلَ الحُضورُ لِفَضِّ الاشْتِباكِ لِحينِ وُصولِ الشُّرطَةِ التي اعْتَقَلَتْ الفَتى، وسريعاً ما أَصْبَحَ الفَتى مَشهوراً ورَمزًا وقَدْ أُطْلِقَ هاشتاغ بِاسمِ “الفتى البيضة” تَضامُناً مَعَه.
آنينغ كَتَبَ في بيانٍ بَعدَ الهُجومِ على المَسجِدَين “فَلنَكُن واضِحين، إَذا كانَ المُسلِمونَ هُم الضَّحايا اليَوم، فَهُم الفاعِلونَ بِصورَةٍ عامَّة”، و قال “إنَّ الدِّينَ الإسلامِيَّ هُو بِبَساطَةٍ الإيديولوجِيَّةُ العَنيفَةُ لِطاغِيَةٍ مِنَ القَرنِ السَّابِعِ تَتَنَكَّرُ بِزِيِّ زَعيمٍ دينِيّ”. السناتور الأسترالي أَصْدرَ عِدَّةَ بياناتٍ عُنْصُريَّة، وقَدْ أَثارَ ضَجَّةً في أغسطس بِدَعوَتِهِ إِلى “حَلٍّ نِهائي لِمُشكِلَةِ الهِجْرَة”، وأَوصى بِالعَودَةِ إلى السِّياسةِ التَّمييزيَّةِ القديمَةِ المُسمَّاةِ بـ “استراليا البيضاء”. وقَدْ أعلَنَ رئيسُ وُزراءِ أستراليا “سكوت موريسون” أنَّ الحُكومَةَ سَتُوَجِّهُ اللَّومَ إلى السناتور بِسَبَبِ تَصريحاتِهِ المُعاديَةِ لِلإسلام.
مَعْرَكةُ فيينا 1683
هذِهِ المَعرَكَةُ هيَ نُقطَةُ تَحوُّلٍ في كِفاحِ 300 سَنةٍ بينَ أوروبا الوُسطى ومَمالِكِ الدَّولَةِ العُثمانيَّة. بَعدَ المَعرَكةِ عَلى مَدى سِتَّةِ عَشْرَ عاماً تَمَكَّنتْ سُلالَةُ عائِلَةِ “هابسبوغ” النَّمساويَّة تَدريجّياً مِنْ إخلاءِ القُوَّاتِ التُّركيَّةِ مِنَ الأراضي الجَنوبِيَّة. قُتلَ مِنَ العُثمانيِّينَ حوالي 15000 شَخصًا في القِتال، و قُتلَ من الأوروبيِّينَ ما يُقارِبُ 4000 شَخْص، و وَضَعَ مُصطفى باشا خَطَّةً لِلانسِحابِ وأَخذَ الجَيشُ العُثمانِيُّ مَعهُ أَثناءَ الانسِحابِ 81 أَلَفَ أَسير. عَلى الرَّغمِ مِنْ هزيمَةِ القُوَّاتِ التُّركيَّةِ فَقدْ وَجَدتْ الوَقتَ لِذبِح جَميعِ السُّجناءِ النَّمساويِّين! احتلالُ فيينا كانَ هَدَفذً وحُلمًا لِلعُثمانيِّين، لِما تُمَثِّلُهُ مِن أَهمِّيَّةٍ استراتيجيَّة للسَّيطرَةِ على خُطوطِ التِّجارَةِ والمُواصلات.
مَعركَةُ بلاطِ الشُّهداء 732م
مَعرَكَةٌ دارَتْ في رَمضان 114 هجري/732 ميلادي، في مَكانٍ يَقَعُ بينَ مدينَتَي (بواتييه) و (تور) الفَرَنْسِيَّتَين، وكانَتْ بينَ قُواتِ المُسلمينَ تَحْتَ لِواءِ الدَّولَةِ الأُمويَّةِ وقُواتِ الفِرَنجةِ البورغنديِّين، بِقيادَةِ “شارل مارتل” وانْتَهتْ بِانْتِصارِ قُوَّاتِ الفِرَنجةِ وانْسِحابِ جَيشِ المُسلِمين. أَيضاً، أَقْدَمَ مُواطِنٌ أردُنِيٌّ عِشرينيٌّ يَعملُ في مَحطَّةِ مِياه، في صباح يوم الأربعاء الموافق 26/11/2019 عَلى طَعنِ ثَمانِيَةِ أشخاصٍ 4 منهم أردنيين و 4 سياح مِنَ المَكسيكِ وسويسرا، و وَجَّهَ لَهُم طَعَناتٍ مُختلِفَةٍ بِسلاحٍ أبيَضٍ في مُختَلَفِ مناطِقِ أجْسادهم، لَم تُحَدِّد السُّلطاتُ هَويَّتَهُ و لَم تُعلِن دَوافِعَه!. قالَ الدَّليلُ السِّياحِيُّ الأردُنِيّ “زهير زريقات” الذي كانَ في مكانِ الحادِثِ أَنَّهُ “كان نَحوَ مِئَةِ سائِحٍ أَجْنَبِيٍّ يَتَجَوَّلونَ داخِلَ أَروِقَةِ المَدينَةِ الأَثَريَّةِ في جَرَش قَبلَ مُنتَصَفِ النَّهار، ظَهرَ شابٌّ عِشرينِيٌّ يَرتَدي ملابِسَ سوداءَ و بِيَدِهِ سِكِّينٌ طَويلَة و بَدَأَ بِطَعنِ السُّيَّاح”! وأَضافَ “أنَّ أصواتَ استِغاثَةٍ تَعالَت مِنَ سيَّاحٍ قريبينَ طَلَبوا المُساعَدَة… ونَزَعنا مِنْ يَدِهِ السِّكينَ بِالقُوَّة، ظَلَّ ساكِتاً وصامِتاً ولَمْ يتحدَّث”.
دَعونا مِنْ هَذِهِ الأَحداثِ القَديمَةِ مِنْها والحَديثَة، المَليئَةِ بِالشَّفَقَةِ والتَّطَرُّفِ العنيفِ والعُنْصُرِيَّة. مِنْهُم مَنْ كانَ هَدَفُهُ مَبْدأٌ تَمَّ نَسْبُهُ لِلدِّين! ومِنْهُم مَبْدأٌ ناتِجٌ عَنْ جَهْلِ وتَصَوُّرِ مَفهومٍ خاطِئٍ كُلِّياً عَنِ الآخر، ولِنُفَكِّر سويّاً. سُؤالٌ أَطْرَحُهُ لَكُم وعَلى نَفسي، في هذا المقالِ لا أَسْتَطيعُ الإجابَةَ عَنْهُ رُبَّما في مقالٍ أو قِصَّةٍ أُخرى. كَيفَ لِشَخْصٍ أو جماعَةٍ يَنعَمونَ بِحياةٍ مَليئَةٍ بِالتَّطوُّرِ والفِكرِ أن يقوموا بِفِعْلٍ أو جَريمَةٍ فاضِحَةٍ إن صَحَّ التَّعبير!؟
رُبَّما توافِقني الرَّأي ورُبَّما لا، لكنَّني لا أَكتَرِثُ أبداً ماذا سَوفَ تَحُلُّ عُقوبَةُ مُجرِمٍ على فِعلِه، مُقارنةً بِالسَّببِ أو الدَّافعِ لقيامِه بِهذهِ التَّصرُّفات، سواءً كانَ شخصاً أو جماعة، لأنَّني أنظُر لِلجريمَةِ كَفكْرٍ وليسَ كَحدَثٍ أو تَصرُّف. بِحيثُ أنَّني أبحَثُ عن إزالةِ هذهِ الأفكارِ المُتطرِّفة العنيفة. لا يَهمُّني عُقوبة الشَّخص، أعلَمُ أنَّ هناكَ آلافُ الأبرياءِ وبِغضِّ النَّظرِ عن ديانَتِهم من عَدمِها. لكن، كما قُلتُ لَكُم، إن أَزَلنا فِكرةَ القَتلِ قَدرَ المُستطاعِ نَصِلُ إلى مَرَحلةٍ وبيئَةٍ خاليَةٍ من هذه التَّصرُّفات. لكن، إن بَقينا نُعاقِبُ “اشخاص” سَوفَ نَبقى نُعاقب “اشخاص” ولن نَتوقَّف. أستطيعُ أن أوضِّح مدى صِحةَ هذا الكلامِ بِدليلٍ بَسيط، فلنَنظُر إلى هذِهِ الأحداثِ المَطروحَةِ فَقَط، مُنذُ عام 732 إِلى غايَةِ هذهِ اللَّحظَةِ ولم تَتَوقَّف هذهِ الأفْعال، رَغْمَ وجودِ العُقوباتِ والقوانين! أَلَيسَ كذلِك؟
دَعونا نُفَكِّر إلى أينَ سوفَ يأَتي بِنا الحالُ إذا استمرَّينا في تطبيقِ العقوباتِ على مَن يقومُ بِمِثلِ هذهِ التَّصرُّفاتِ أو الأفعال؟! وفي نَظرةٍ أُخرى، ماذا لو كنَّا نَتعامَلُ معَ الوَضعِ بِصورَةٍ مُختَلِفة، علاجيَّةً ربَّما لِفكرَةِ الجّريمة، هل سَوفَ يكونُ الوَضعُ على مُستوى عالميٍّ كَما هُو الوَضعُ الآن؟!.
أميرْ مُرادْ