أطفال الزهور

أطفال الزهور

هل سبق لك التفكير بالسفر الدائم؟ وعندما أتكلم عن السفر الدائم فأنا لا أقصد أن تسافر وأن تقوم بحجز الغرف في الفنادق وما إلى ذلك ولكني أتكلم عن العيش في البراري، على أطراف المدن، في الحدائق، أو في الشوارع التي قد تروق لك. أتكلم عن عدم إستعمال أي نوع من الأجهزة الذكية التي نراها في عصرنا الحالي، إني أتكلم عن العيش بطريقة حرة لا تمت للإستقرار في مكان واحد بصلة. إشعال النار في البراري والغناء مع مجموعة من الناس دون أن ترى أن هنالك أحد مشغول بمتابعة صفحته المفضلة على الفيسبوك أو أحد أخر يقوم بمكالمة هاتفية لطلب البيتزا وغيره. أناس يستمتعون بالحياة بطريقتهم الخاصة المميزة التي من الممكن أن تتخلى عن أكثر الأشياء التي تتعلق بها لتنضم إليهم وهنا أقصد الأشياء أو المقتنيات المادية لا أكثر.

في أواخر الستينات من القرن العشرين تشكلت حركة شبابية تحولت مع الوقت إلى ظاهرة إجتماعية تدعو لسيادة المساواة والحب والسلام، تشكلت هذه الظاهرة بداية في الجامعات الامريكية لمناهضة القيم الرأسمالية والمظاهر المادية وثقافة الإستهلاك التي كانت شائعة في ذلك الوقت. كانت هذه المجموعة من الناس تنفرد بطريقة إرتدائها للملابس فكانوا يرتدون الملابس الفضفاضة الملونة التي كانت بدورها تتكلم عن مدى قربهم للطبيعة ومدى حبهم لها. سميو بأطفال الزهور لممارستهم توزيع الزهور للناس في الشوارع وأفراد الجيش والشرطة غالبا من أجل أن يعبرو عن إيمانهم بالسلام والحب والرقة ووصلت هذه المجموعة من الناس أوجها بعددها من بعد ظهور فرقة الخنافس الهيبية التي تسمى (البيتلز) والتي ساعدت بدورها نشر أفكارهم ومعتقداتهم من خلال الموسيقى.

فكر الأمريكيون بالأحداث التي حصلت في الحرب العالمية الأولى والثانية وكيف أن هذه الأحداث قد سببت كثيرا من الإحباط للناس وفكرو بطرق تعالج هذه الأزمة النفسية التي طغت في ذلك الوقت ولكن لم يكن هناك أحد قد تخيل أن هذه الحركة التاريخية بإمكانها إحداث فرق عظيم في يوم من الأيام. بدأ ظهور الهيبيز في ولاية كاليفورنيا في سان فرانسيسكو ومن هناك انتشروا ليصلوا إلى كندا وأوروبا ويعتبر الشاعر العظيم ألن غينسبرغ الذي لمست كتاباته قلوب الناس في تلك الفترة، ابا لهذه الحركة الشبابية، كتاباته التي كانت تعبر عن إحباطات العالم التي بدورها أثرت عليه شخصيا وقد وجد الناس أن هذه الكتابات تعبر عنهم وعن مشاعرهم تجاه هذه الفترة من الزمن.

يرفضون الإعتراف بالعادات والتقاليد ونمط حياة المجتمع ككل فقد كانوا يرددون أن البالغين يهتمون فقط بالمال ولا ينظرون إلى الحياة وجمالها، الكون وطبيعته فقد كانوا يغادرون بيوتهم وأهاليهم في سن ال 15 الى 25 للإنضمام إلى هذه الجماعات للمدافعة عن آرائهم وأفكارهم بطريقة منظمة. الجلسات الجماعية التي كانت تحصل أما في الحفلات الموسيقية أو في المظاهرات ووقفات الإحتجاج وعادة ما كانت حجة للإحتفال بالحياة لأن الحياة تشكل رمزا مقدسا بالنسبة إلى الهيبيز، فكان أول تجمع لهم في سان فرانسيسكو في عام 1967 وسمي بإجتماع القبائل. و من بعدها حصل مهرجان Woodstock لمدة 3 ايام في عام 1969 في ولاية نيويورك الريفية والذي كان يضم عددا هائلا من حوالي 400,000 شخص إلى 500,000 وأصبح هذا المهرجان مرادفا لهذه الحركة فيما بعد.

شارك الهيبيين في عدد من المحاضرات في الجامعات والكليات وقامو بشرح معارضة حرب الفيتنام وأيضا شاركوا في الوقفات والإحتجاجات المناهضة للحرب و إنضموا إلى المتظاهرين الآخرين في “الوقف” – مظاهرة وطنية – ضد الحرب في عام 1969. وقد شاركوا في تطوير الحركة البيئية. وعقد يوم الأرض الأول في عام 1970. يدعون إلى السلام ويقومون بالتخييم في الأماكن التي تعاني من اضطرابات وحروب أهلية ودولية ويقومون بالتظاهر أمام معسكرات الجيش أو في الشوارع ليدعو الناس إلى إنهاء الحرب.

كانوا كثيري التنقل، حفاة الأقدام و طويلي الشعر لأنهم يعتبرون قص الشعر ممارسة عقائدية وليست أخلاقية. وكانوا يتنقلون في شكل مجموعات صغيرة تعمل مع بعضها البعض في أحياء ومدن مختلفة حدائق عامة أو أماكن مهجورة ويبحثون عن عمل بدوام جزئي و مأوى مؤقت ولكن مع مرور الوقت لاحظ الهيبيز أن المجتمع المحيط لا يتقبلهم بالشكل المطلوب فقد ظهرت في ذلك الوقت عبارات تعبر عن رفض هذه الفئة في المطاعم و الكافيهات العامة وكانت هذه العبارات ك “hippies use side door” أي ليستخدم الهيبيز الباب الجانبي. وبحلول منتصف السبعينيات، تضاءلت الحركة، وبحلول الثمانينيات، أفسح المجال للجيل الجديد من الشباب الذين كانوا عازمين على خلق مهنة لأنفسهم في مجال الأعمال التجارية وأصبحوا معروفين باسم “يوبيس” (المهنيين الشباب في المدن). ومع ذلك، إستمر تأثير الهيبيين على الثقافة الأوسع نطاقاً، على سبيل المثال، في الإهتمام الجديد بالبيئة، وفي التخفيض الواسع النطاق في الشكل الشكلي.

لم تظهر المجتمعات التقبل الكافي لهذه الجماعات لكنهم بقو صامدين مدافعين عن أرائهم ومعتقداتهم وإلى يومنا الحالي يمكنك النظر إلى إنجازاتهم التي لا تحصى فبعد إنخفاض أعدادهم ككل إنتسب المخلصين منهم إلى حركات تنظيمية تعمل على مناهضة ومناصرة ممارسات ومواضيع مختلفة ك: مناهضة التسلح النووي، جماعات لمناصرة البيئة، جماعات تدعم العالم الثالث، جماعات تناهض العولمة، وجماعات من السلميين تناصر السلم وتناهض الحروب والعنف.

ما رأيك؟ هل تظن أن هنالك فائدة عائدة على طريقة معيشتنا من خلال ممارسات هذه الجماعات المنظمة؟ الأحزاب على سبيل المثال؟

هل فكرت يوما ما أن تستقل وتبدأ حياة خالية من الروتين؟

هل فكرت في سبب عملك طوال الوقت دون التفكير بالحياة وبالوقت الذي يعدو من أمامك؟

هل فكرت أن هذه الأموال التي تقوم بجمعها من أجل أطفالك تستحق أن تقضي عمرك كله تجري وراء عملك وتزهق من وقتك الثمين وحياتك التي لن تأتي مرة أخرى؟

أنا لا أحثك على ترك عملك أو ترك دراستك، لكنني أتكلم عن إعطاء كل شيْ حقه فلا تستمتع بحياتك قم بأخذ إجازاتك واذهب للتخييم في مكان بعيد جدا جرب الأشياء التي لم تجربها من قبل، قم بالإنتساب إلى مجموعات أو أحزاب تتقاطع مع مبادئك، صدقني هناك الكثير من الأشياء التي لا يمكن أن تعيشها مرتين.

نظرة الهيبيز للسلام كانت بمثابة عمل صادق ومسؤولية على كل فرد منهم، كانوا يحملون عاتق كل العالم على أكتافهم ويمكنك الأن أن ترى أن هذه الأفكار يتم تطبيقها في حياتنا اليومية. يذهبون إلى أماكن بعيدة دون التفكير إلى أين وكيف فقط من أجل الاستمتاع بالحياة ونشر السلام. وكما لاحظت أنني ذكرت في بداية المقال ان هذه الحركة تأسست في داخل جامعات وكليات في أمريكا فلذلك يمكنك أن تعرف أن معظم هؤلاء الناس متعلمين ومثقفين لذلك أن يعيشوا في البراري والغابات لا يعني أنهم غير متعلمين أو متخلفين عن عصرهم فالمبدأ هو الأساس والغاية هي السلام.

محمد السراديح 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *