في ظل التطور التكنولوجي الهائل وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، اصبح العالم اكثر ارتباطا مما مضى، إلا أن هذا التطور صاحبه تحديات عديدة، أبرزها تفشي خطاب الكراهية في الفضاء الرقمي. ولم يعد خطاب الكراهية مجرد كلمات عابرة، بل تحول الى ظاهرة تهدد الافراد والمجتمعات، مؤثر على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية والسمعة الرقمية. ومع تزايد انتشاره، بات من الضروري فهم أسبابه وآلياته لتطوير حلول فعالة للحد من انتشاره. وفقا لتقارير الامم المتحدة، شهدت السنوات الاخيرة ارتفاعا ملحوظا في المحتوى المحرض على الكراهية، مما يستدعي البحث عن آليات الحماية الرقمية الفعالة. يمكن وصف خطاب الكراهية بأنه أي نوع من التواصل، سواء في الكلام أو الكتابة أو السلوك، الذي يهاجم أو يميز ضد هوية شخص أو مجموعة. يشمل ذلك الدين والعرق والجنسية واللون والنسب والإعاقة والعمر والجنس. كما يمكن أن يشمل خطاب الكراهية عوامل أخرى مثل اللغة أو الأصل الاقتصادي أو الاجتماعي أو الحالة الصحية.
غالبا ما يرتبط خطاب الكراهية من مشاعر الخوف وعدم الأمان، حيث يسعى بعض الأفراد إلى تعزيز احساسهم بالقوة او تأكيد هويتهم من خلال التقليل من شان الاخرين او استهداف فئة معينة. يكون هذا الخطاب مدفوعا بالتحيزات الثقافية والاجتماعية، مما يؤدي إلى خلق بيئة مشحونة بالتوتر والانقسام. أصبح من السهل انتشار هذا النوع من المحتوى بسبب انتشار الإنترنت ووسائل التواصل، مما يفاقم تأثيره السلبي على الأفراد والمجتمعات. إن لخطاب الكراهية آثار نفسية خطيرة على المتلقين، فقد يؤدي إلى القلق والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس، كما يسهم في تفتيت النسيج الاجتماعي من خلال زرع بذور الشك و الخوف بين أفراد المجتمع. بالاضافة الى ذلك، لا تقتصر تداعيات خطاب الكراهية على التأثير النفسي والاجتماعي، بل تمتد ايضا الى البعد الرقمي، حيث يمكن أن يضر بسمعة الأفراد ويجعلهم عرضة للاستهداف السيبراني. على الصعيد الرقمي، قد تؤثر هذه الظاهرة على سمعة الأفراد أو المؤسسات، وتعرضهم لهجمات إلكترونية تتجاوز حدود الكلمات، مما يستدعي اتخاذ إجراءات وقائية صارمة حماية الهوية الرقمية. تعرف الهوية الرقمية على أنها مجموعة المعلومات والإجراءات والتفاعلات التي نتركها مع كل خطوة نخطوها على الإنترنت، مما يسمح بتحديد هوية الشخص.
قد تشمل هذه الهوية اسم الشخص وعمره وجهات اتصاله وحساباته وصفحات التواصل الاجتماعي وما تحويه من تعليقات وتفاعلات، وتشمل أيضاً بيانات تسجيل الدخول والأجهزة المصرح بها. الحفاظ على سلامة هذه الهوية يعني حماية المعلومات الشخصية من التسرب أو الاستخدام غير المشروع، وتجنب الإضرار بالسمعة نتيجة لنشر محتوى ضار أو مضلل. تعد السلامة الرقمية خطوة أساسية للتصدي المحتويات الضارة، بما في ذلك خطاب الكراهية، الذي قد يستغل في تعزيز الانقسامات الاجتماعية و السياسية من خلال تعزيز وعي المستخدمين وتوفير أدوات للتحقق من صحة المعلومات. يمكن تقليل تأثير الأخبار الكاذبة والإشاعات على الرأي العام، عن طريق بناء سياسات و إجراءات السلامة الرقمية. إن انتشار الأخبار الكاذبة والإشاعات لا يقتصر فقط على تضليل الرأي العام، بل يساهم أيضا في تأجيج خطاب الكراهية من خلال تأطير قضايا معينة بشكل متحيز أو مبالغ فيه. فعندما تستغل المعلومات المضللة في خلق انقسامات داخل المجتمعات، تصبح بيئة الإنترنت أكثر عرضة للاستقطاب والصراعات الرقمية التي تمتد الى الواقع. لذلك، فإن تطوير استراتيجيات لمكافحة المعلومات المضللة لا يحمي فقط من الأخبار الكاذبة، بل يقلل من احتمالية نشوء بيئة رقمية خصبة لنشر الكراهية والانقسامات.
لذا، فإن مكافحة الاخبار الزائفة لا تحمي فقط من التضليل، بل تحد أيضا من تصاعد خطابات الكراهية التي تؤدي الى تبعات قانونية واجتماعية خطيرة. سيكون ذلك بناء بيئة إلكترونية تحترم حرية التعبير دون أن تتحول إلى منصة لنشر الكراهية والعنف تتطلب هذه البيئة تتضافر جهود الجهات الحكومية، المؤسسات التعليمية ومزودي الخدمات الرقمية لتوفير معايير عالية للسلامة والخصوصية. كما و تلعب التكنولوجيا دور محوري في رصد المحتوى الضار قبل انتشاره. ورغم فعالية الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، إلا أنها تواجه تحديات مثل التحيز في الخوارزميات وصعوبة التمييز بين المحتوى الخطير والساخر. لا يقتصر تأثير خطاب الكراهية على الجوانب النفسية والاجتماعية فقط، بل يتعدى ذلك الى البعد القانوني. فقد سنت العديد من الدول قوانين تجرم نشر المحتوى التحريضي، مثل قانون الاتحاد الأوروبي لمكافحة خطاب الكراهية الرقمي، والذي يجبر المنصات الرقمية على إزالة المحتوى المسيء خلال 24 ساعة من الابلاغ. لمواجهة خطاب الكراهية بفاعلية، لا بد من اتباع مجموعة من الممارسات التي تعزز السلامة الرقمية وتحد من انتشارها، ومنها:
- التوعية والتثقيف الرقمي: ينبغي على المستخدمين الالتحاق بدورات تدريبية وورش عمل لتعزيز الوعي بمخاطر الانترنت وكيفية التعامل مع المحتويات الضارة. الحرص على متابعة الأخبار والمعلومات من مصادر موثوقة، المشاركة في النقاشات المجتمعية والمنتديات والمجموعات الرقمية تساعد على تبادل الخبرات و المعرفة.
- استخدام أدوات الرقابة و الحماية: هناك أدوات تقنية تساعد على حماية المستخدمين من المحتويات الضارة، مثل برامج مكافحة الفيروسات والجدران النارية، تساعد في منع الوصول غير المصرح به إلى بياناتك الشخصية، وتطبيقات التصفية والفلترة لمنع ظهور المنشورات التي تحتوي على خطاب الكراهية، وإعدادات الخصوصية بحيث تقيد الوصول المحتويات الشخصية للأشخاص الموثوقين فقط
- الإبلاغ عن المحتوى الضار: عن طريق استخدام زر الإبلاغ، فمعظم منصات التواصل الاجتماعي تتيح خاصية الإبلاغ عن المحتوى المسيء، وينبغي على المستخدمين استخدامها عند مشاهدة أي محتوى يخل بقواعد السلوك الرقمي. التعاون مع الجهات المختصة في حال تعرض المستخدم الاعتداءات رقمية.
- دعم المجتمعات الرقمية الإيجابية: تساعد على مواجهة خطاب الكراهية من خلال المبادرات المجتمعية التثقيفية التي تروج للتسامح والاحترام على الانترنت، ونشر المحتوى الإيجابي الذي يعزز من القيم والتعايش السلمي.
يلعب الإعلام دورا حاسما في الحد من خطاب الكراهية، حيث يمكنه ان يكون اداة لنشر التعصب او تعزيز التسامح. الإعلام المسؤول يحرص على تقديم محتوى متوازن، ويبتعد عن العناوين المثيرة التي تغذي الانقسامات. كما ان تعزيز محو الامية الاعلامية يعد ضرورة، للمساعدة في التمييز بين الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة، مما يقلل من تأثير الشائعات التي تؤجج الكراهية. ومن هنا، يتحمل الصحفيون والمحررون مسؤولية التحقق من المعلومات وتجنب استخدام لغة تحريضية. تواجه جهود التصدي لخطاب الكراهية تحديات كثير، أبرزها التطور التقني المستمر للمحتوى الضار، حيث أصبح من الممكن استخدام أدوات وتقنيات متقدمة لإنشاء هذا النوع من الخطاب بشكل سريع وواسع. تنوع المصادر أيضا يجعل عملية الكشف أكثر تعقيدا، فلا يقتصر الأمر على منصات التواصل فقط، بل يمتد لمواقع الكترونية مختلفة وتطبيقات مشفرة. تحقيق التوازن بين مكافحة المحتوى الضار وحرية التعبير، فيتطلب وضع سياسات تحول دون إساءة استخدام إجراءات الرقابة لقمع الآراء.
في المقابل، هناك فرص واعدة لتعزيز السلامة الرقمية، أبرزها توظيف الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في تحسين قدرات الكشف عن المحتوى الضار ومعالجته، ما يسهم في تقليل انتشاره. تساعد التوعية الرقمية في تعزيز وعي الأفراد بكيفية التعرف على الأخبار المزيفة والتفاعل بحذر مع المعلومات الرقمي. التعاون الدولي بين الحكومات والشركات التكنولوجية يعد عنصر أساسي في تطوير استراتيجيات شاملة لمكافحة خطاب الكراهية، من خلال تبادل الخبرات وتوحيد الجهود لوضع سياسات أكثر فعالية على المستوى العالمي. ختاما، إن التصدي لخطاب الكراهية على الإنترنت ليس مهمة فردية فحسب، بل هو جهد جماعي يتطلب تضافر الجميع من مستخدمين ومجتمعات، ومؤسسات الدولة. فمع تسارع التطور الرقمي، أصبح من الضروري ان نكون اكثر وعيا بالمخاطر الرقمية، وندرك أن حماية أنفسنا من خطاب الكراهية لا تعني فقط تفادي التعرض له، بل تشمل أيضا المساهمة في خلق بيئة رقمية أكثر أمانا وتسامحا. يتطلب ذلك تعزيز التوعية الرقمية، ومحو الامية الاعلامية، ودعم التقنيات التي تكافح المحتوى الضار دون المساس بحرية التعبير. كما أن التشريعات القانونية والسياسات الرقمية الفعالة تلعب دورا محوريا في محاربة خطاب الكراهية، مما يفرض على الحكومات وضع استراتيجيات تحمي المستخدمين دون تقييد حقوقهم. وفي النهاية، يبقى الحل الأكثر استدامة هو تعزيز ثقافة الاحترام والتقبل المتبادل، سواء في الفضاء الرقمي أو خارجه. فالعالم الافتراضي يعكس واقعنا، وكل خطوة نحو الانترنت الامن والمتسامح هي خطوة نحو مجتمع اكثر وعيا وتلاحما.
محمد رضوان هدوان قاطوع