منذ بدايات ظهور الانترنت وتطور التكنولوجيا كان الانترنت وسيلة تواصل فعالة وسيف ذو حدين بين المستخدمين، حيث أصبح استخدامه أمرا شائعا، وقد تطورت مواقع التواصل الاجتماعي من بداية الألفينات إلى يومنا هذا. توسع استخدامه الى اللجوء لأساليب احتيالية يتم فيها التلاعب بأشخاص آخرين والإيقاع بهم، حيث قامت بعض المواقع والشركات والمنتديات المتطرفة والصفحات الاحتيالية بنشر أفكار تحض على العنف والعنصرية والكراهية؛ لذلك نستعرض من خلال هذا المقال تعريف خطاب الكراهية على الانترنت واشكال انتشاره، ومراحل تطور خطاب نشر الكراهية وطرق مواجهة خطاب الكراهية وكيفية التعامل معه. خطاب الكراهية(الرقمي) هو التحريض العلني على العنف الموجه ضد مجموعة من الأشخاص أو أحد هذه الأشكال إما على أساس الدين أو الجنس أو العرق او اللون أو العمر أو المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وغير ذلك؛ من خلال نشر محتوى إلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر مدونات ومقالات ومواقع وصفحات هدفها نشر الفتنة والعنصرية والعنف على شكل حسابات مزيفة وأعضاء مجهولين، ما يجعلهم أقل خضوعا للمساءلة، ونتيجة على >لك من الممكن أن تكون أكثر قسوة و كراهية.
أشكال نشر خطاب الكراهية الرقمي:
- الهجمات الالكترونية: وهو هجوم عبر شبكات التواصل الاجتماعي الهدف منه محاولة التجسس أو فضح أو تعطيل أو محاولة سرقة معلومات شخصية أو الحصول على وصول غير مصرح به للمعلومات أو الأنظمة الشخصية أو الخدمية.
- التهديدات الجنسية: ويستهدف الضحايا بطرق سيئة تهدف إلى الإذلال والإهانة، من خلال التحرش الجنسي عبر الرسائل واستخدام إيحاءات غير مرغوبة ومحاولات مستمرة في الابتزاز، كما تستخدم صور وفيديوهات مفبركة لإلحاق الأذى بهم، وأغلب ضحايا هذا النوع من خطاب الكراهية هن الإناث.
- المحتوى الإعلامي والنصي: من خلال نشر محتوى يعبر عن شتائم ومعتقدات تحيزية تمييزية أو مهينة ضد أفراد أو جماعات أو مجتمعات.
- السخرية من الأشخاص ذوي الإعاقة: كتابة تعليقات أو نشر محتوى يقلل من شأن قدراتهم الجسدية والصحية، وتقليدهم بشكل ساخر تقلل من قيمة تواصلهم مع المجتمع، بالإضافة إلى اعتبارهم عبئا على المجتمع.
- التحريض على العنف: دعوة الناس وإشراكهم في التعدي على حريات الآخرين وتهميش مجموعات اخرى بناء على الهوية الجنسية او العرقية أو ما شابه ذلك.
- التنمر الإلكتروني: يتم من خلال استهداف أفراد أو مجموعات لنشر شائعات عنهم أو تحريض الآخرين ضدهم او السخرية من أشكالهم وأعراقهم وأديانهم ومعتقداتهم.
- الصور والميمز والملصقات: استخدام الصور الساخرة بقصد التنمر على فئة معينة من الناس بصورة مهينة وعنصرية
- التعليقات السلبية: كتابة النقد السلبي أو الساخر لأفراد ومجموعات معينة بهدف التقليل من قيمة المعلومات المقدمة أو من قيمة الشخص بالسخرية من مظهره واعتقاداته، بالإضافة إلى نشر معلومات مضللة تؤدي إلى الجهل الثقافي والتحكم بأفكار الناس بطرق غير مباشرة، كما أن إلقاء التعليقات المهينة مثل: “لن تنجح أبدا”، “أنت فاشل”، أو مقارنته بأفراد أفضل يسهم بشكل كبير في نشر خطاب الكراهية
- مقاطع الفيديو: وتشمل فيديوهات تحريضية أو مشاهد معدلة باستخدام الذكاء الاصطناعي بهدف تشويه صورة أفراد وجماعات ومجتمعات محددة
- البودكاست والتسجيلات الصوتية: من خلال استخدام لغة أو نبرة صوتية بطريقة ساخرة أو مهينة، تجعل الجمهور أكثر إقناعا بتقبلها تدريجياً والاستهانة بهذا الأمر والقيام بإعادة نشرها.
مراحل تطور خطاب الكراهية الرقمي:
١. المرحلة الأولى (الانترنت المبكر- من التسعينات إلى أوائل الألفينات): في البداية كان الانترنت مكانا لتبادل المعلومات عبر المنتديات وقوائم البريد الإلكتروني بهويات مجهولة الهوية والمصدر، مما أتاح مساحة لنشر خطاب الكراهية. كان ظهور الانترنت محصور بنطاق منتديات ومواقع محددة وصغيرة، لذلك استغلت بعض هذه المنتديات المتطرفة الانترنت كوسيلة لنشر أفكار عنصرية ومتعصبة وتمييزية.
٢. المرحلة الثانية : التحولات الكبرى في عصر منصات التواصل الاجتماعي (2005-2015): مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك تويتر ويوتيوب؛ أصبح من السهل لأي شخص نشر ارائه والتعبير عنها والتعليق في أي مكان بدون مراقبة، والتوصل إلى جمهور أوسع وإمكانية رؤية أي شخص لتلك الآراء، ما سبب تزايد في نشر خطابات الكراهية سواء المرتبطة بالدين أو الجنس أو العرق أو المستوى الاجتماعي والاقتصادي أو المعتقدات الفكرية، كما تصاعدت قضايا الجرائم الإلكترونية والتنمر الإلكتروني والهجوم السيبراني؛ ما أدى إلى وضع سياسات لمكافحتها.
٣. المرحلة الثالثة: التأثير السياسي والاجتماعي (2015-2020): شهدت هذه الفترة تحولا كبيرا في تزايد نسبة نشر خطابات الكراهية، خاصةً مع صعود الأزمات مثل جائحة كورونا والانقلاب في تركيا عام 2016، كما لعبت الحسابات الوهمية والذبابات الإلكترونية دورا رئيسيا في التحريض على العنف والكراهية والعنصرية ونشر الفتنة بين الناس.
٤. المرحلة الرابعة: (الذكاء الاصطناعي 2020 – إلى يومنا هذا): بعد أن أصبح الإنترنت وسيلة أساسية مهمة لا غنى عنها بيد كل شخص وكل مستخدم، بدأت تتعدد استخداماته في عدة مجالات من أهمها الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت معظم المنصات تعتمد على الذكاء الاصطناعي كعنصر أساسي في عملها، ولذا فإن بعض المجموعات تستخدم أساليب أكثر تعقيداً وتلاعبا، مثل استخدام الرموز وتركيب صور وفيديوهات عنصرية ومهينة، وبعضها تستخدم لابتزاز أفراد وجماعات معينة لتحقيق أهداف خاصة بهم، ما أدى إلى وضع قوانين صارمة في بعض الدول لمكافحة هذا النوع من خطاب الكراهية، كما أدت هذه السياسات إلى تزايد الجدل حول موضوع حرية التعبير عبر الإنترنت مقابل الرقابة وسياسات الخصوصية.
كيف يمكن القضاء على خطاب الكراهية الرقمي:
تتمثل تقنية القضاء على خطاب الكراهية عبر الإنترنت من خلال تضافر الجهود القانونية والتوعية المجتمعية، وإليك أهم الاستراتيجيات التي تساعد على تقليل نسبة نشر خطابات الكراهية لأننا لا نستطيع إلغاؤه بالكامل:
- تعزيز القوانين و الرقابة الحكومية؛ من خلال وضع سياسات وقوانين رادعة تجرّم نشر خطاب الكراهية عبر الإنترنت وتعاقب عليه بوضوح، كما يجب إنشاء جهات رقابية لمتابعة المحتوى وتصنيفه والاطلاع على أسلوب نشره مع التأكد من عدم احتوائه على رموز توحي بوجود رسائل عنصرية موجهة لفئة معينة.
- تحسين وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ وذلك عبر تطوير خوارزميات وأنظمة أكثر ذكاء ومهارة في التعرف على محتوى خطاب الكراهية عبر الإنترنت في سياقات وأساليب مختلفة، كما يجب تدريب التقنيات على فهم مراعاة الفروق اللغوية والثقافية عند استخدام الإنترنت حتى لا يساء فهم المحتوى.
- تعزيز الوعي المجتمعي والتربية الرقمية؛ ويتمثل في نشر التوعية حول مخاطر خطاب الكراهية عبر الإنترنت وتأثيره السلبي على الأفراد والجماعات والمجتمعات، مما يجب إدماج منهج تعليمي في المدارس حول أهمية التعامل مع خطابات الكراهية وكيفية تقليل ظهوره، بالإضافة إلى أهمية فتح حوار مع الطلاب حول مناقشة قضايا بناءة وإيجابية، تشمل مهارات التواصل وحدود حرية التعبير عن الرأي وتقبل الرأي الآخر دون الإساءة أو التعرض له.
- دعم المحتوى الإيجابي من خلال تشجيع المؤثرين وصناع المحتوى على نشر رسائل إيجابية ومحاربة الكراهية بأسلوب مؤثر ومثمر. كما يجب تقديم حوافز مادية أو معنوية للمحتوى الإيجابي الذي يعزز التسامح والتفاهم والتعاون مع المنظمات غير الحكومية، لنشر حملات ومبادرات تعنى بمكافحة نشر خطاب الكراهية عبر الإنترنت.
- تعزيز المساءلة الفردية، وذلك يكون في المواجهة عبر الردود العقلانية والحكم الرشيد بدلاً من التصعيد والتحريض على العنف، كما ينبغي تشجيع المستخدمين على تحمل المسؤولية عن المحتوى الذي ينشرونه أو التعليق أو الرد الذي سيتم كتابته، بالإضافة إلى الإبلاغ عن المحتوى المسيء والمساهمة في الحد من انتشاره.
لا يمكن القضاء على خطاب الكراهية الرقمي بشكل كلّي تماماً، ولكن يمكن تقليله والتخفيف من ظهوره من خلال تكاثف الجهود بين الحكومات والمنصات والمنتديات والمستخدمين ودعوة الأشخاص إلى تقبل وجود المحتوى السلبي والإيجابي وأساليب التعامل معه. في النهاية، الوعي الفردي والمجتمعي هو أقوى سلاح ضد خطاب الكراهية.
زبيدة يحيى أحمد الطرمان