في عصرنا الرقمي المتسارع، أصبحت المعلومات متاحة بسهولة غير مسبوقة، إلا أن هذه السهولة جاءت مصحوبة بتحديات جديدة، أبرزها انتشار المعلومات الضارة. فمع تدفق المحتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح التمييز بين الحقيقة والتضليل أكثر تعقيدا. وفي هذا السياق، سنتناول مفهوم المعلومات الضارة بمختلف أشكالها. فهم هذه الفروقات يعد خطوة اساسية نحو مواجهة التحديات الرقمية، وتعزيز بيئة معلوماتية أكثر موثوقية وامان. تقسم المعلومات الضارة الى ثلاثة اقسام: المعلومات المضللة، المعلومات الخاطئة والمعلومات الضارة. تعرف المعلومات المضللة على انها معلومات مغلوطة، خادعة، أو متلاعب فيها استحدثت بشكل متعمد، وعرضت ونشرت بنية الخداع أو التضليل أو إلحاق الأذى. وهي تولد وتنشر بصورة رئيسية من قبل أشخاص يسعون إلى تحقيق مصالح خاصة أو تشويه الرأي العام؛ وأما الناشرون الثانويون لهذه المعلومات فقد لا يعون آثارها الإجرامية أو الضارة.
المعلومات الخاطئة هي معلومات مغلوطة، خادعة، مضللة أو متلاعب فيها النشر بقصد الخداع. وغالبا ما ينشرها أشخاص لا يدركون أنها كاذبة ولا يقصدون إلحاق الأذى. المعلومات الضارة معلومات صحيحة تُستخدم بطريقة ضارة لإلحاق الأذى بالآخرين، مثل تسريب معلومات شخصية، نشر صور خاصة دون إذن، استخدام أخبار حقيقية لتشويه السمعة، الهدف منها إلحاق الضرر بالأفراد أو الجماعات. من المعروف أن التحقق من دقة المعلومات قد يكون مهمة صعبة في ظل الأحداث الجارية السريعة أو المسائل المعقدة المتعلقة بالعلوم والصحة والشؤون العالمية؛ ولهذا السبب، لا تقتصر سياساتنا على تقييم مدى دقة أو تضليل المعلومات فقط، بل تمتد لتشمل تقدير احتمال تعرضها للتسبب في أضرار. على سبيل المثال، يمكن أن يظهر نوع من الأخبار الكاذبة في سياق الحرب في سوريا؛ إذ قد تُصوَّر الحرب، التي استمرت أربع عشرة سنة، على أنها سلسلة من الإبادات الجماعية والطائفية والمجازر التي تستهدف الأطفال والنساء العزل، بالإضافة إلى هدم المشافي والمدارس والمساجد والكنائس، وقتل الأبرياء والاعتقالات وانتهاك كافة الحقوق. في المقابل، تعمل بعض القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي على تقديم روايات معكوسة، حيث يُصوَّر المظلوم ظالماً والقاتل رحيماً، مما يُضلل الكثيرين داخل المجتمع الدولي، بل وحتى لدى مؤسسات كبرى مثل الأمم المتحدة؛ وهذا بدوره يُسهم في خلق حالة من الكراهية وإساءة التصور تجاه الشعب السوري، حيث يُنظر إليهم بأنهم لا يستحقون بلدهم.
كما يوجد محتوى يروج للمعلومات الطبية غير المدعومة بأدلة، مثل توصيات بعلاجات غير مختبرة لمنع انتشار فيروس كورونا أو نظريات مؤامرة لا أساس لها حول اللقاحات؛ مع العلم بأن مجال الطب يشهد تطورًا مستمرًا، وغالبًا ما تقوم وكالات الصحة العالمية بتعديل إرشاداتها بناءً على معايير دقيقة ومساءلة عالية، وهو ما يجعلها مرجعية أساسية للإرشادات الصحية والطبية المسؤولة. علاوة على ذلك، يُشكِّل المحتوى الذي يقوض نزاهة العمليات المدنية تهديدًا خطيرًا؛ إذ تلعب الانتخابات والعمليات المدنية الأخرى دورًا أساسيًا في المجتمعات التي تحترم الحقوق. ولحماية بيئة المعلومات من مثل هذه التلاعبات، تركز سياساتنا على مواجهة أنواع محددة من التهديدات، ومنها:
- التدخل الإجرائي: وهو نشر معلومات مضللة تتعلق بالانتخابات أو الإجراءات المدنية، مثل تحريف التواريخ والأوقات المهمة أو تغيير المتطلبات الأهلية للمشاركة.
- التدخل في المشاركة: ويتمثل في المحتوى الذي يتضمن ترهيب السلامة الشخصية أو نشر الشائعات لردع المشاركة في العمليات الانتخابية أو المدنية.
- المشاركة الاحتيالية أو غير القانونية: أي تشجيع الأشخاص على تشويه أنفسهم للمشاركة في العملية المدنية أو الإدلاء بالأصوات أو حتى تدميرها بطرق غير قانونية.
نزع الشرعية عن العمليات المدنية: ويتجلى ذلك في المحتوى الذي يهدف إلى نزع الشرعية عن التحريض الديمقراطي بناءً على ادعاءات زائفة أو مضللة حول نتائج الانتخابات.لضمان مكافحة هذه الظاهرة، تُستكمل سياستنا ضد المعلومات الضارة من خلال ضمانات تصميم المنتج وقواعد الإعلان التي تحد من انتشار الفيروسية وتعزز الشفافية، مما يسهم في ترقية دور الأصالة عبر منصتنا؛ المجتمعات الرقمية في عصرنا الحالي تتقاطع فيها المعلومات الموثوقة مع تلك التي تحمل طابعًا ضارًا، وغالبًا ما يكون الهدف منها التحريض على العنف والتفرقة.
تتعدد آليات المعالجة بحسب السياق والأهداف المرجوة منها، ويمكن تقسيمها إلى عدة مستويات:
- التحقيق الرقمي والفلترة الآلية: تعتمد هذه الآلية على خوارزميات التحقيق وتحليل النصوص والصور والفيديوهات للكشف عن التلاعب أو الإضافات غير الموثوقة. فقد قامت إحدى المنصات العالمية بتطبيق نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي للتعرف على الأخبار الكاذبة ومنع نشرها.
- لا يمكن الاعتماد فقط على الحلول التقنية؛ إذ يلعب التثقيف دورًا حاسمًا في تمكين الأفراد من التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة. ويتحقق ذلك من خلال ورش عمل، ومحاضرات، وحملات توعية تستهدف المستخدمين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لرفع مستوى الوعي في المجتمع. فمع تزايد الاعتماد على الانترنت كمصدر رئيسي للمعلومات، أصبح التفكير النقدي مهارة أساسية لمواجهة المعلومات الضارة. يجب على الأفراد تطوير القدرة على التحقق من المصادر، التمييز بين الحقائق والآراء، وفهم الدوافع المحتملة وراء نشر اي معلومة.
- تتطلب مواجهة المعلومات الضارة جهودًا مشتركة بين الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة. من أبرز هذه الآليات إنشاء هيئات رقابية تتابع ورصد المحتوى المنشور عبر الإنترنت، بالإضافة إلى التنسيق بين المنصات الرقمية لتطبيق إجراءات مكافحة الأخبار الكاذبة، والتعاون الدولي لتبادل المعلومات والخبرات عندما تتجاوز دائرة تأثير المعلومات الضارة الحدود الوطنية.
- المراجعة والتحديث المستمر للسياسات و يشمل ذلك تحديث القوانين والسياسات لمواكبة التحديات الجديدة، وتحسين أساليب الرقابة لتكون أكثر دقة وفعالية.
- إنشاء آليات تتيح للمواطنين الإبلاغ عن المحتوى الضار بسهولة وسرعة.
يرجع انتشار المعلومات الضارة إلى عدة عوامل رئيسية، منها؛ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تُسرع من وتيرة انتشار الأخبار والمعلومات دون رقابة كافية، مما يُسهل تداول المحتوى الضار بسرعة فائقة. قلة الرقابة المؤسسية، ففي بعض الأحيان، تكون الآليات الرقابية غير فعالة، مما يتيح المجال لانتشار المعلومات المضللة دون مواجهة سريعة أو فرض عقوبات رادعة. و تطور التكنولوجيا وأساليب الذكاء الاصطناعي التي ساهمت في إنشاء محتوى يبدو ذا مصداقية عالية، مما يزيد من صعوبة التفريق بين المعلومات الصحيحة والمضللة. على الرغم من الجهود المبذولة، تظل هناك تحديات مثل تطور التقنيات، عدم توافق المعايير الدولية، والتوازن بين حرية التعبير والأمن المعلوماتي. ومع ذلك، توفر التطورات الحديثة فرصًا واعدة لتعزيز السلامة الرقمية من خلال استراتيجيات متعددة تشمل استخدام التقنيات الحديثة وتكاتف الجهود والتوعية المستمرة على اختلاف التخصصات والمجالات. إن فهم أساسيات المعلومات الضارة وآليات معالجتها يُعتبر الخطوة الأولى نحو بناء بيئة معلوماتية أكثر أمانًا وثقة، قادرة على مواجهة تحديات العصر الرقمي بكفاءة عالية. تعزيز الوعي وتطوير مهارات التفكير النقدي، التعاون بين الأفراد والمؤسسات هي أدوات أساسية في مواجهة المعلومات الضارة وتأثيرها على المجتمع.
احلام ابازيد