الرابط بين المعلومات المضللة وخطاب الكراهية الرقمي على وسائل التواصل الاجتماعي

الرابط بين المعلومات المضللة وخطاب الكراهية الرقمي على وسائل التواصل الاجتماعي

في العصر الرقمي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة رئيسية لنقل المعلومات والتفاعل بين الأفراد. ومع ذلك، فإن هذه المنصات ليست خالية من التحديات، إذ يسهل انتشار المعلومات المضللة، التي قد تؤدي إلى تعزيز خطاب الكراهية. يهدد هذا الأمر السلام الاجتماعي ويزيد من التوترات بين الجماعات المختلفة، ما يجعل فهم هذه العلاقة أمرًا بالغ الأهمية. في هذه المدونة، سأناقش العلاقة بين المعلومات المضللة وخطاب الكراهية، وأسباب انتشارهما، وتأثيراتهما على الأفراد والمجتمعات، بالإضافة إلى كيفية مواجهتهما بناءً على مصادر موثوقة. المعلومات المضللة هي محتوى غير دقيق أو خاطئ يتم نشره عمدًا أو عن غير قصد لخداع الأفراد أو التأثير على آرائهم. تشمل هذه المعلومات الأخبار الكاذبة، التلاعب بالصور والفيديوهات، والتحريف المتعمد للحقائق. وفقًا لدراسة نشرتها جامعة هارفارد، فإن المعلومات المضللة تنتشر بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسبب طبيعة هذه المنصات التي تعزز المحتوى المثير للجدل الذي يجذب الانتباه والتفاعل. ومن أنواع المعلومات المضللة:

  • الأخبار الكاذبة: هي معلومات مضللة أو غير صحيحة تنشر عمدا لخداع الناس أو التأثير على آرائهم. ويمكن أن تكون هذه الأخبار مكتوبة على شكل مقالات، منشورات عبر الإنترنت أو مقاطع فيديو او تسجيلات صوتية، تتضمن نشر أخبار مزيفة تهدف إلى خداع الجمهور لأغراض سياسية أو تجارية.
  • التلاعب بالوسائط: ويعني تعديل أو تغيير المحتوى الرقمي مثل الصور، الفيديوهات والتسجيلات الصوتية، بهدف خداع المشاهد او المستمع او تقديم معلومات مضللة، ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد مقاطع مزيفة تبدو حقيقية.
  • المعلومات المضللة الصحية: معلومات غير دقيقة او كاذبة تتعلق بالصحة وتنشر بشكل متعمد او غير متعمد، مما قد يؤدي إلى سوء الفهم واتخاذ قرارات طبية خاطئة، مثل نشر علاجات غير مثبتة طبيًا، كما حدث خلال جائحة كورونا.
  • التحيز في التقارير: تقديم المعلومات بطريقة غير موضوعية او منحازة لصالح جهة او فكرة معينة، مما يؤدي لتشويه الحقيقة أو التأثير على رأي الجمهور، مثل تقديم حقائق مشوهة تخدم أجندات معينة.

لا تقتصر المعلومات المضللة على الخداع فحسب، بل يمكنها تأجيج مشاعر الغضب والخوف بين الأفراد. عندما تنتشر أخبار كاذبة حول مجموعة معينة، فإنها تؤدي إلى تشويه صورتها وإثارة العداء ضدها. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها منظمة العفو الدولية أن المعلومات الكاذبة التي تستهدف اللاجئين والمهاجرين أدت إلى تصاعد خطاب الكراهية ضدهم في عدة دول. تعتمد وسائل التواصل الاجتماعي على خوارزميات تُظهر للمستخدمين المحتوى الذي يثير تفاعلهم، بغض النظر عن مدى دقته. هذا يعني أن الأخبار الكاذبة والخطاب المتطرف يحظيان بانتشار أوسع من المعلومات الدقيقة. وفقًا لتقرير صادر عن مجلس أوروبا، فإن الخطاب المتطرف ينتشر بمعدل أسرع بنسبة 70% من الأخبار الحقيقية، مما يعزز الانقسام المجتمعي. وهناك عوامل تساهم في نشر المعلومات المضللة وخطاب الكراهية، منها: 

  • الخوارزميات الموجهة: تقوم المنصات الرقمية بعرض المحتوى الذي يعزز بقاء المستخدمين على الموقع ويزيد التفاعل، حتى وإن كان مضللًا.
  • التفاعل السريع: يميل الناس إلى مشاركة المحتوى المثير للعاطفة دون التحقق من صحته.
  • الحملات الموجهة: بعض الجهات تستخدم المعلومات المضللة كأداة لنشر الكراهية ضد مجموعات معينة.
  • ضعف التحقق: قلة الوعي بأساليب التحقق تجعل من السهل تصديق الأكاذيب ونشرها، عدم تحري الدقة عند مشاركة الاخبار، انتشار ثقافة تصديق الخبر دون التحقق.

من الأمثلة على التأثيرات السلبية للمعلومات المضللة وخطاب الكراهية نجد: 

  • التأثير على الأفراد: قد تؤدي المعلومات المضللة إلى نشر الرعب والقلق بين المستخدمين، خاصة عند ارتباطها بأحداث سياسية أو صحية مثل الأوبئة والكوارث.
  • الانقسامات المجتمعية: يمكن أن تؤدي الأكاذيب المنتشرة حول جماعات معينة إلى زيادة العداء تجاهها، مما يهدد السلام الاجتماعي، كما ان  خطاب الكراهية يمكن ان يعزز الاستقطاب السياسي والاجتماعي، مما يجعل الحوار البناء بين الفئات المختلفة أكثر صعوبة.
  • التسبب في العنف: أظهرت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة أن خطاب الكراهية على الإنترنت كان أحد العوامل التي ساهمت في اندلاع العنف في بعض الدول. كما ان الشائعات والاخبار المضللة التي تنتشر اثناء الاحتجاجات قد تؤدي الى مواجهات دامية بين المتظاهرين والسلطات.
  • التأثير على الديمقراطية: يمكن استخدام المعلومات المضللة للتأثير على الانتخابات وقرارات الناخبين، كما أن التلاعب بالحقائق قد يؤدي الى فقدان الثقة في العملية الديمقراطية وزيادة الامتناع عن التصويت.

من أجل الحد من خطاب الكراهية الرقمي هنالك بعض الوسائل ومنها التثقيف الإعلامي حيث يجب أن يتعلم المستخدمون كيفية التحقق من صحة المعلومات عبر البحث عن المصادر الأصلية للمحتوى والتأكد من مصداقيتها. يمكن للمؤسسات التعليمية دمج مناهج التفكير النقدي والتوعية الإعلامية ضمن برامجها الدراسية. كما ويتعين على شركات وسائل التواصل الاجتماعي تطوير أدوات أكثر فعالية لرصد وحذف المحتوى المضلل والخطير بسرعة. بعض المنصات بدأت في استخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن الأخبار الكاذبة، لكن لا يزال هناك حاجة لمزيد من التطوير. يمكن للحكومات سن قوانين لمكافحة نشر الأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية، ويجب أن تكون هذه القوانين متوازنة بحيث لا تحد من حرية التعبير بشكل مفرط أو غير عادل. يمكن للمستخدمين المساهمة في تقليل خطاب الكراهية عبر نشر محتوى يعزز الوعي والانفتاح بين الأفراد، وتجنب مشاركة الأخبار غير الموثوقة يساهم في تقليل التفاعل على المنشورات المزيفة مما قد يؤدي للحد منها. وتعد الصحافة الجادة من أهم الوسائل لمواجهة المعلومات المضللة، حيث توفر تحقيقات معمقة وتحليلات مبنية على الأدلة. يجب أن يدرك كل فرد أن لديه دورًا في الحد من المعلومات المضللة، من خلال عدم مشاركة الأخبار قبل التحقق منها، والابتعاد عن نشر المحتوى الذي يثير الكراهية. يلعب الآباء والمجتمع دورًا هامًا في غرس المفاهيم الإسلامية وتعزيز الوعي لدى الأفراد، مما يساهم في توجيههم نحو الاستخدام الإيجابي لوسائل التواصل. فقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ (الحجرات: 6)، مما يدل على ضرورة التثبت والتحقق من صحة أي خبر يُنقل إلينا قبل تداوله. ومن هذا المنطلق، فإن المنهج الصحيح في التعامل مع المعلومات يجب أن يقوم على أسس البحث والتدقيق والاعتماد على المصادر الموثوقة، وذلك للحد من انتشار الشائعات والمعلومات المضللة، وتعزيز بيئة رقمية قائمة على الصدق والأمانة في النشر والتلقي.

المعلومات المضللة وخطاب الكراهية هما مشكلتان مترابطتان يمكن أن تؤديا إلى نتائج خطيرة إذا لم يتم التعامل معهما بجدية. من خلال تعزيز الوعي، والتعاون بين الأفراد والحكومات وشركات التكنولوجيا، يمكن الحد من هذه الظاهرة الخطيرة. تعتمد مواجهة هذه التحديات على الوعي الجماعي والمسؤولية الفردية في التأكد من صحة المعلومات المتداولة، والحرص على عدم الانجراف وراء الأخبار الكاذبة التي قد تؤجج الصراعات المجتمعية. فإن الحل يكمن في التثقيف والرقابة المسؤولة والتعاون الدولي لمكافحة التضليل الإعلامي وخطاب الكراهية على الإنترنت.

فرح حسن 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *