رؤية تحديث الاقتصاد الأردني وعلاقتها بالصناعات الإبداعية والثقافية:  كيف سيبدو النجاح خلال العشر سنوات المقبلة؟

رؤية تحديث الاقتصاد الأردني وعلاقتها بالصناعات الإبداعية والثقافية: كيف سيبدو النجاح خلال العشر سنوات المقبلة؟

رؤية تحديث الاقتصاد الأردني

تسترشد رؤية تحديث الاقتصاد الأردني بدعوة مدوية إلى “مستقبل أفضل”. هذه الرؤية المتجذرة في ركيزتين أساسيتين، تدفع البلاد نحو النمو التحويلي. تسعى الركيزة الأولى، التي تركز على التوسع الاقتصادي المتسارع، إلى الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية الكاملة للأردن، وتعزيز القفزات في النمو وفتح فرص عمل جديدة على مدى العقد المقبل. يشكل هذا، مصحوبا بزيادة مطردة في نصيب الفرد من دخل المواطنين جوهر هذه الجهود. أما الركيزة الثانية والتي لا تقل أهمية، فهي مكرسة لتحسين نوعية الحياة لجميع الأردنيين، ووضع الأمة كرائد إقليمي في هذا الجانب. تعد الاستدامة بمثابة حجر الزاوية المنسوج في كلا الركيزتين، مما يؤكد التزام الأردن بالتقدم الدائم. تتميز بصيرة هذه الرحلة بمجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي تحدد مسارها. إن التطلع إلى دمج أكثر من مليون شاب في سوق العمل يدل على الشمولية. يتجلى السعي إلى تحقيق الرخاء الاقتصادي في هدف تحقيق متوسط زيادة سنوية بنسبة 3٪ في نصيب الفرد في الدخل. ينعكس رفع القدرة التنافسية العالمية للأردن في تطلعه إلى الصعود إلى أعلى 30% في مؤشر التنافسية العالمية ومؤشر ازدهار ليجاتوم.

علاوة على ذلك، تهدف الرؤية إلى مضاعفة نسبة الراضين الأردنيين، لتصل إلى نسبة رضا مذهلة تبلغ 80٪ عن جودة حياتهم. ومن خلال تسليط الضوء على العالم، تتصور الرؤية مدينة أردنية واحدة تضمن مكانا بين أفضل 100 مدينة في العالم، مما يسلط الضوء على التأثير العالمي للبلاد. هذا الالتزام بالتقدم يوسع نطاق الاستدامة، مع وضع أهداف لتحسين مكانة الأردن في مؤشر الأداء البيئي العالمي ومؤشر التنافسية العالمية للاستدامة إلى أعلى 20 و 40 في المائة على التوالي. في جوهرها، تعد رؤية تحديث الاقتصاد الأردني إطارا شاملا وطموحا يجمع بين الديناميكية الاقتصادية، وتحسين مستويات المعيشة، والتفاني الثابت في الاستدامة. بينما تقود الأردن نحو غد واعد، تلخص هذه الرؤية عزم الذي لا يتزعزع على رعاية شعبها، وتمكين اقتصادها، وتأمين مكان بارز على الساحة العالمية.

بعد عقد من الزمن، كيف يبدو تحقيق أهداف وغايات رؤية تحديث الاقتصاد الأردني من حيث النجاح والتقدم؟

كصانع:

في عالم التطلعات ومن وجهة نظر المبدع، تتضمن الرؤية القدرة على خلق مجموعة متنوعة من السلع مباشرة داخل بيئة الفضاء، وكلها مهيأة للتصدير السلس. ويستند هذا السعي إلى رغبة جادة في عمليات التصدير التي تتميز بمعايير داعمة وتحفيزية مما يعزز بيئة مواتية للنمو والتوسع. إلى جانب رحلة هذا الصانع، هناك طموح لحشد الاعتراف على المستوى الشخصي والفردي، وبالتالي بدء سلسلة من ردود الفعل حيث يتبنى المبدعون أهميتهم الجوهرية ودورهم المحوري في تشكيل العالم. تلخص هذه النظرة رحلة ملهمة مدفوعة بالإبداع والطموح والتوق إلى تحقيق الشخصية والاعتراف الأوسع.

فيما يتعلق بالشباب ومنظمات المجتمع المدني:

في سياق الشباب ومنظمات المجتمع المدني، ينصب التركيز على إنشاء شبكات متماسكة توحد مختلف الجهات الفاعلة وأصحاب المصلحة. من المتوخى أن تتمحور هذه الشبكات حول سلسلة قيمة متميزة، تركز بشكل كبير على التأثير الاجتماعي والرفاه العام للمجتمع. يسعى هذا الوضوح في الغرض إلى دفع هذه الشبكات نحو نتائج ذات مغزى وملموسة. بالنسبة للشباب، يتمثل أحد الطموحات المهمة في ضمان أن يتمتع حتى أولئك الذين ما زالوا يتابعون تعليمهم بوصول مستقل إلى المعلومات الحيوية ومنصة للمشاركة بنشاط في الحوارات مع صناع القرار. في الوقت نفسه، يسعى مجال المجتمع المدني إلى إنشاء شبكات أكثر شمولا ووضوحا تعمل كخيوط موحدة لجميع الأطراف المعنية. تجسد هذه النظرة جهدا جماعيا لتعزيز التواصل المفتوح والشمولية والعمل المدفوع بالغرض، مما يساهم في نهاية المطاف في مجتمع أكثر استنارة وتمكينا وترابطا.

على مستوى وزارة الثقافة:

ترى وزارة الثقافة أن نهجا استراتيجيا قد اتخذ يشمل عقد جلسات استشارية مع مجموعة متنوعة من الفاعلين الثقافيين والمبدعين الذين صاغوا عروضا ثقافية هامة. النقطة المحورية هنا هي الاعتراف المزدوج – الاعتراف بالذات والاعتراف المجتمعي – بهؤلاء المساهمين الثقافيين والمبدعين، والذي يقف كعامل محوري في هذا المسعى. معالجة الجانب المالي، هناك دعوة لإعادة النظر في الضرائب المفروضة على المنتجات المصنوعة يدويا. هذه المراجعة ضرورية لتعزيز الدعم المقدم للمبدعين وتمكينهم من جني الأرباح من جهودهم مع ضمان التسعير العادل. يبرز جانب التسعير كتحد كبير، حيث غالبا ما تحمل بعض المنتجات المصنوعة يدويا بطاقات أسعار باهظة مما يعوق قابليتها للتسويق. القصد من ذلك هنا هو تحقيق توازن حيث يتم تسعير الإبداعات اليدوية المحلية بأسعار معقولة، مما يعزز إمكانية الوصول للمشترين دون المساومة على الجودة.

من الأمور المحورية في جهود الوزارة الدعم الملتزم للمنتجات اليدوية المحلية ومبدعيها. يمتد هذا عبر وجوه مثل خفض تكاليف المواد الخام، وتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير بشكل أكثر سلاسة، ووضع تدابير تعزز قدرة الحرفيين المحليين على جني الأرباح. يخدم هذا النهج متعدد الأوجه الغرض المزدوج المتمثل في جعل هذه الإبداعات في متناول المستهلكين مع الحفاظ على جودتها العالية. علاوة على ذلك، فإن هذا النهج محوري في مواجهة تأثير الحرف اليدوية المستوردة ذات الأسعار المنخفضة من أماكن أخرى، ولا سيما الصين، والتي يمكن أن تقوض المنتجات المصنوعة محليا. علاوة على ذلك، هناك تركيز واضح على تمكين النساء المشاركات في نطاق المنتجات الثقافية والإبداعية المصنوعة يدويا بهدف تزويدها بمنصة للنمو والاعتراف. يؤكد هذا النهج الشامل التزام الوزارة بتعزيز نظام بيئي مزدهر للمساهمات الثقافية والإبداعية وتضخيم تأثيرها وصداها داخل المجتمع.

الرموز الغير قابلة للإستبدال (إن. إف. تي)

أدى ظهور الرموز الغير قابلة للاستبدال إلى عصر تحولي حيث تقود النساء الآن أعمالا شاملة من خلال هواتفهن المحمولة، والاستفادة من التقدم التكنولوجي. لتسخير الإمكانات الكاملة لهذا التطور الرقمي، هناك حاجة ملحة للتعليم والأطر التنظيمية التي تتوافق مع هذه الخطوات التكنولوجية. لقد تغير نموذج العمل، مما جعل الوجود المادي غير ضروري، حيث يمكن أن تتكشف المعاملات والعمليات بأكملها بسلاسة في عالم الإنترنت. يؤكد هذا التحول على ضرورة اتباع نهج تطلعي يزود رائدات الأعمال بالأدوات والمعرفة والهياكل الداعمة التي يحتجنها للازدهار في هذا المشهد الرقمي الديناميكي.

الفن المرتبط بعدد من القطاعات الإبداعية والثقافية

مجال القطاعات الإبداعية والثقافية مزدهر، ويشمل مختلف التخصصات الفنية. على وجه الخصوص، في صناعة الأفلام، يحدث تحول إيجابي حيث أن التشجيع الاجتماعي، إلى جانب دعم الوالدين، يقود التعليم في هذا المجال. تمتد موجة التشجيع هذه عبر المستويات التعليمية والتي تمتد من مستويات التعليم الابتدائي إلى العالي، مما يعزز بيئة تكتسب فيها دراسة الفن وصناعة الأفلام زخما بين سن 13 و 16 عاما. وفيه أيضا يبرز الأردن الذي يتميز بجوائز الأوسكار وعددها عشرة، كنواة إقليمية لصناعة الأفلام. بالتوازي مع هذا الإحياء السينمائي، يبرز مفهوم التصميم الحضري في المقدمة، مع التركيز على الاستفادة من المناظر الطبيعية والتراث المميزين في الأردن. تستلزم هذه الرؤية صياغة مناظر المدينة التي تنسج بسلاسة بين الحداثة وإرث الماضي. يعد هذا النهج الشامل بخلق بيئة حضرية فريدة تعكس تاريخ الأردن الغني مع تبني الابتكار مما يؤكد تطلع البلاد إلى الازدهار عند مفترق طرق التعبير الفني والتميز السينمائي والإبداع الحضري.

المسرح

من المتوقع أن يصبح المسرح في الأردن جزءا حيويا من المشهد الثقافي، مع التطلع إلى استضافة العروض المسرحية والفعاليات في جميع أنحاء البلاد في نهاية كل أسبوع. هذا الطموح يجلب معه سلسلة قيمة شاملة في الإنتاج المسرحي، كاملة مع اتحاد أو قاعدة بيانات توحد المهنيين العاملين في مختلف الجوانب الفنية مثل الكتابة والإضاءة وتصميم المواقع والأزياء والمزيد. يشكل إنشاء مثل هذه الشبكة العمود الفقري للمؤسسات الفنية اللازمة لتعزيز مجتمع مسرحي مزدهر. على الصعيد التعليمي، ينظر إلى إدماج الفنون في مناهج المدارس الابتدائية الأساسية كخطوة أساسية، تضمن أن يظل الإبداع متاحا وجوهريا منذ سن مبكرة. بالتوازي مع ذلك، يتمثل الهدف الرئيسي في رعاية المنتجات والفعاليات الثقافية والإبداعية والحفاظ عليها باستمرار، وتعزيز مساحة تزدهر فيها أشكال التعبير الفني. علاوة على ذلك، فإن القوة التحويلية للصناعات الإبداعية معترف بها، مما يجعلها محفزات للتغيير الاجتماعي الإيجابي والتنمية. ومن الأمثلة على ذلك العرض في شطنا، الذي سلط الضوء على قرية نائية، مما يؤكد تأثير المساعي الإبداعية.

من الأمور المحورية في هذه الرؤية إضفاء الطابع الديمقراطي على الثقافة، وضمان ألا يقتصر الفن والثقافة على دوائر النخبة، بل أن يكونا في متناول جميع المواطنين. هذا النهج الشمولي موجه نحو جعل الثقافة كيانا عالميا وليس ترفا مخصصا لعدد قليل. تمتد هذه الشمولية إلى المجال التعليمي، حيث تؤكد المناهج على قيمة التراث الأصيل وتعترف بالمساهمين المهمين في الفن والإبداع والثقافة. ويعد التعاون مع الجامعات جزءا لا يتجزأ من توسيع نطاق هذا الوصول، وتوسيع نطاق الجهود الإبداعية والثقافية خارج عمان إلى القرى والمحافظات الأخرى. كما يتم تسليط الضوء على تقدير الأفراد الذين يقدمون مساهمات كبيرة في الثقافة والفن والإبداع ، والاحتفال بإنجازاتهم. وإدراكا للجانب الاقتصادي، فإن القوة الشرائية بين المواطنين، وخاصة الشباب العاطلين عن العمل الذين يشكلون حوالي 40٪، هي اعتبار حاسم. وهذا يسلط الضوء على التفاعل بين التنمية الثقافية والتمكين الاقتصادي. ولمواجهة تحد محدد، يتم الاعتراف بغياب الهدايا التذكارية المصنوعة محليا، حيث تطغى المنتجات المستوردة على الحرف اليدوية المحلية الأصيلة. وتثير هذه القضية دعوة لتصحيح هذا الأمر وتعزيز سوق قوي للهدايا التذكارية المصنوعة محليا، والتي يتردد صداها لدى السياح وتمثل التراث الأردني بشكل أصيل.

التوقعات والاحتياجات

الطموح الرئيسي هو تحقيق الاعتراف الوطني والعالمي والاستفادة من إمكانات التقدم التكنولوجي كقوة دافعة. ومن الأمور الأساسية في هذا الطموح التركيز المتفاني على تنمية السبل التعليمية للأجيال الشابة، ووضع الأساس للنمو المستدام. تمتد الرؤية إلى إقامة روابط عالمية وتعزيز الشعور بالترابط عبر الحدود. الدعم المالي أمر بالغ الأهمية لبث الحياة في هذه المساعي مع زيادة الوعي في الوقت نفسه حول أهميتها. يعد الحصول على الدعم من السلطات المحلية والهيئات التنظيمية أمرا محوريا، مما يضمن تحصين الصناعات الإبداعية والثقافية وتمكينها من الازدهار.

يبدأ خلق الوعي حول قيمة الصناعات الإبداعية والثقافية على المستوى التعليمي ويشمل المدارس ويستهدف أولياء الأمور أيضا. تسعى هذه الحملة إلى كشف الصور النمطية وإعادة تشكيل الصورة حول عالم الإعلانات التلفزيونية، وتعزيز منظور جديد. وفي مجال الحكم، يبرز تفضيل اللوائح الواضحة التي يسهل الوصول إليها على القوانين الصارمة، مما يؤكد الحاجة إلى مبادئ توجيهية مفهومة وقابلة للتكيف. علاوة على ذلك، فإن التوافق مع التطورات التكنولوجية جزء لا يتجزأ من الحفاظ على أهميته ورشاقته.

بدءا من التعليم، تمتد الدعوة إلى إضفاء الطابع المؤسسي على ممارسات ومفاهيم الصناعات الإبداعية والثقافية، مع رعاية عقلية محلية ووطنية تبني على الأمثلة الحالية. يشكل جوهر المجتمع – على الصعيدين الوطني والمحلي – أساسا متينا للدعوة والروابط الأعمق. إن وسائل الإعلام، باعتبارها أصحاب مصلحة مؤثرين، في وضع يمكنها من لعب دور حيوي في دعم الصناعات الإبداعية والثقافية وتقديم التحليل النقدي والبصيرة الفكرية والمعلومات الموضوعية القائمة على البيانات. تشمل الركائز الأساسية في هذه الرحلة المشاركة العامة، وأهمية قياس التأثير، والتواصل، وزيادة الوعي، وتعزيز المشاركة في مجال المناصرة وكسب التأييد. يؤكد على هذا النهج الشامل الحاجة إلى أجندة ثقافية، تعمل كأداة موحدة تجمع أصحاب المصلحة والجهود والمبادرات في إطار متماسك. تلخص هذه الرؤية متعددة الأوجه الدافع لدفع الصناعات الإبداعية والثقافية إلى الأمام مع تسليط الضوء على إمكاناتها وتأثيرها الإيجابي على المجتمعات.

سهى عياش

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *