وسائل التواصل الإجتماعي اليوم تشكل أداة قوية في صناعة محتوى يعنى بنشر ثقافة السلام. وتستعملها المؤسسات العالمية مثل الأمم المتحدة لصنع محتوى هادف. تستخدم في ذلك الكثير من المنصات والتي لديها الملايين من المستخدمين مثل الفيسبوك والإنستغرام والتويتر. يصنع هذا المحتوى من قبل مختلف الأشخاص والجنسيات ولكننا ومع ذلك نتأثر بما يقولون وفي كثير من الأحيان نتبع مايقولون. فما الذي يجعل هذا الشيء قابلاً للحدوث ولماذا يصبح من السهل إيصال رسائل بمعاني مختلفة يوميًاُ؟ هل من الممكن أن نصنع نحن محتوى بنفس الجودة و التأثير؟ وهل خطاب المحبة هو الشيء السائد هنا؟
بداية لنتحدث عن بعض الحقائق والأرقام والتي سوف تساعدنا على فهم مدى انتشار هذه الثقافة ومدى تغطيتها. إن عدد مستخدمين منصات التواصل الإجتماعي يصل اليوم إلى 3.5 بليون شخص ويشكل ما نسبته 57% من سكان كوكب الأرض وهو في ازديادٍ في كل يوم فيما معدله مليون شخص في اليوم الواحد! خلال العام الماضي فقط ازداد عدد الأشخاص الذين اتصلوا بالإنترنت للمرة الأولى إلى 350 مليون شخص حسب دراسة أجرتها We are social لعام 2019. في الواقع إنها ليست بالنسب الصادمة وإنما الصادم بالنسبة لنا هو كيف ل 43% المتقبين من سكان العالم ما زالوا لا يستطيعون الحصول على شبكة إنترنت في القرن الواحد والعشرين!؟ بل والصادم أكثر بالنسبة لنا عند سماعنا لشخص يريد ترك منصات التواصل الإجتماعي لينعم ببعض الهدوء والسكينة! كما ونصبح في تساؤولات داخلية كيف يستطيع فعل هذا؟ وكيف من الممكن أن يستيقظ من النوم ولا يكون أول شيء يفعله هو تفقد حساباته والتواصل مع أصدقائه من حول العالم؟! أو حتى عالمه الصغير الذي بجوار منزله! والذي أصبح من النادر رؤيته وجهاً لوجه وإنما أصبح تفقد حاله على الإنترنت مهمة أسهل وأقل تعقيداً.
بالتحدث عن منصات التواصل الإجتماعي فإن عدد الساعات التي يقضيها الفرد الواحد في تصفحها يصل إلى ستة ساعات ونصف لليوم الواحد وهذه النسب هي متوسط حسابي، فمن الممكن أن يكون هذا العدد أكبر بكثير لدى العديد من الأشخاص حول العالم. ما هو المحتوى الذي نراه يومياً وما دورنا كأفراد في إثراءه أو إنكاره؟ هل إن كنّا غير راضيين عنه وتفاعلنا معه وأسهبنا في الحديث عنه فقط لنعبر عن رفضنا له يعتبر بالشيء الصحيح؟ أم أننا نزيد من مدى انتشاره ونعمل على إيصاله لشريحة أكبر مختلفة الآراء والتي من الممكن أن تقع معنا في صدام ونقاش حاد نحن في غنى عنها؟
إنه لمن السهل اليوم أن تثير أي قضية مهما كانت في مدى السخف أو مدى الجدية. إن حصلت على الحشد المناسب من الناس وإن كنت مترداً في طرحه في الحياة الواقعية فمن السهل جدا أن تقول ما لا تستطيع قوله بلسانك. بضع كلامات هنا وهناك، وبضع استعطافات ومشاركات… نعم أصبحت الآن موضوعاً متداولاً، لا تستطيع حتى إيقافه وإن أردت ذلك. بل ومن الممكن أن تغير قضيتك أفكارا ومبادئ وحتى قرارات وقوانين دولية، كل ما تريده لفعل ذلك ذكاء في التعامل مع الإنترنت وطريقة طرح مميزة، فقد تتبنى قضيتك مؤسسات ومنظمات عالمية، وتحرك من خلالك مصالحها و تطلعاتها.
دعوني أقول بأننا اليوم على الإنترنت شرائح مستهدفة، إن كان في المحتوى الذي يظهر لنا، أو حتى في طريقة ردودِ أفعالنا عليه. هل سنبقى مكتوفي الأيدي أمام هذه الحقيقة الغير قابلة للإنكار؟ أم سنصنع نحن المحتوى الذي نريد ونطمح إليه؟ إن واجبنا كأفراد ومجتمعات مع توفر هذا النوع من التسويق المجاني على حد التعبير، وأن نتكاثف في صناعة محتوى يخدم حياتنا ويغيرها إلى ما هو خير لنا ونثير القضايا التي تؤثر بنا ونجد حلولاً مشتركة ننادي بها ونتعاون من أجلها.
لكننا في البداية قبل كل هذا، هذا سهل وبسيط من منظوري الشخص؛ لأنه لا يحتاج سوى لخطوات مدروسة ويستمر وحده دون بذل أي مجهود. إنما الجهود الحقيقة التي نحتاج أن نبذلها هنا هي في محاولة تغير منظورنا الشخصي، بل ومنظورنا في الأسرة الواحدة اتجاه المجتمع والتي تبنى عليها تربية أبنائنا وتنشأتهم. أن نغير منظورهم اتجاه الإختلاف ونعلّمهم ما الذي يعنيه مفهوم التقبل وكيف نسعى له ونحاول تحقيقه؟ كيف هي طرق إحترام الآخرين؟ ومن ثم كيف نطلب وندعو الآخرين لاحترامنا، وأن نساعد الفئات المهمشة في المجتمع والتي من الممكن أن لا تستطيع إيصال أصواتها سواء إن كان خوفا أو حتى إن كانت تواجه صعوبات في إيصال أصواتها من خلال استخدامها لهذه المنصات، أو حتى إن كانت هذه الصعوبات بسبب العجز الجسدي أو العجز الذهني لنتعلم أن لا نكون أنانين في الطرح وأن ندافع عن الجميع وللجميع حتى نستطيع الحصول على التعاون والتشارك في المقابل. أيضا، أن نعرف مدى قوة الكلمة ومدى قوة الدمعة والنظرة الصادقة والمعاناة الحاصلة ومدى قوة الحقيقة وإيصالها بالطريقة السلمية الخالية من مظاهر الكراهية هنا فقط سننعم بالسلام الذي ليس من الممكن أن يصل له الحرب.
إن الأدوات التي نستعمل والشريحة التي نستهدف، من الممكن أن تكون وسيلتنا الوحيدة والمثلى للنجاة من جميع مظاهر الظلم والحقد الموجودة في العالم. كما وتوفر لنا مساحة آمنه وواسعة الأفق لتبادل الخبرات والمعرفة إن استعملناها بالطريقة الصحيحة و وجدنا الحشد المناسب واستطعنا ايصال أفكارنا في السياق الأنسب. جميع ما نحتاج هو ما بين يدينا الآن وكل ما علينا فعله هو استغلاله لنحقق مصالحنا ونبرز هويتنا وندافع عن كل ما هو مهم بالنسبة لنا! فنحن خُلقنا لنبني ونرسم السلام في شتى أنحاء المعمورة.
إسراء منصور