يقولُ من ادعى الإنسانية، في إجابةٍ عن هذا السؤال؟ أَتتركهُ خلفَ الحدودِ يموت بينَ أيدي الضلالينَ والقتلة؟ أرجوكَ أجره بحقِ القومية، بحقِ الدين، بحقِ الانسانية؟ صديقي أينَ نحنُ منهم يا صديق… نحنُ أهلُ السياراتِ و والطياراتِ وشواهقِ العماراتْ… وأولادنا أهلُ التفحيطاتِ والهَيزَعيْاتِ والأغنياتِ والتفاهاتْ. البنينَ منهم والبنات، أموالنا مُكدَسَةٌ في الخزّنات، إن شئت قَدمنا إمداداتٍ وتبرعات للغريبين وللغريبات حتى وإن استهزئوا بنا المُستغلّون منهم والمُستغلّات. أو إن شئتَ صنعنا للخير هيئات كل شيءٍ لدينا يُشترى بالمال حتى العلمُ والشهاداتْ، المؤتمرات وحتى براءاتُ الاختراعات… هه اختراعات أقصد اكبر صحون المقبلات. لمَ أضْطَرُ لاستقبالهِ هنا! وأنا أكل وأتنفس وأترفه من غير مُنافِس يَسُدُ عليَّ المَنَافِسْ؟ لا يجب أَن يُسْتَقبل، وإِن استقبلناه يَجِبُ أَن يُذل.
يقول عربي من الماضي: في زمني كانَ العربيُّ إن وَقَعَ عليهِ الظلمُ استجار، لمْ يُسْمَع أنَ المُجيرَ في دخالتهِ استخار، فالدخالةُ فَخَرٌ وعزٌ وفي تركها خزيٌّ وعار. عيونُ العربيِّ دومًا لراحةَ الدخيل فهو لديهِ ضيف وإِن جاءوا بظلم عليهِ وعلى دخليهِ خرج عليهم بالسيف. فالحقُ يَظهَرُ موازيا لشدة العربْ فهم ملجأ كل من حالهُ اضطربْ، عرفوا الحقوقَ بغيرِ دستورْ وتَجلى ذلكَ في كُل الأُمورْ. لكن يبدو أن جيل الدخالةِ انقرض أو ولّى وبعنا العدل لمن على الحقوقِ استولى واشترينا بسعر العدل شيئا من نوعيةِ اللاشيء وبتنا نفتخر بالفارغِ وبالبذيء.
الخزيُّ والعارُ لكلِ من لم يُجر ملهوفا واصطفَ كما يصطفُ المتفرجونَ مُوقوفًا. دعِ الغرباءَ يستقبلونَ أبناءَ جلدتنا ونحن أبناءُ العمومةِ أَليست تلكَ قضيتنا!. أيا أيها الأخوالُ أأورثتمونا صفاتِ الردى فغيرتنا؟ أم أننا بالأصل كذلكَ متخاذلون وزيادة على ذلك ولَّى عَهدُنا؟ هذه أرضُ الله واسعةّ ملكيةُ الله لا ملكيتنا. الأمر انهزاميٌّ بحق الإنهزامُ على قدم وساق، وبينما هو انتهازيةٌ ووصوليةٌ لكل مُتشدّق يا ليته يَتشدَقُ لصالحٍ عام، أو يكون رائيهُ غير مسموع على الدوام. ولمثل هذه الخطبِ الجللِ تُؤرق عيونُ الكرام حالهم ليسَ على خيرِ حال، فحالهم موصوفٌ بالشقاء ممزوجًا بذلةٍ وهوانٍ وزيادة أعباء. النفسُ والمالُ والعرضُ والدينُ أيذهب جميعًا هباء، أينَ نحنُ منهم وأين هُم منا.
أَيا من ادعيتَ الانسانية: دَعهم بالمخيماتْ أقصدُ بالسجون الكبيرةِ على ضفاف الغرباء أو دعهم يموتون في ليالٍ ظلماء. دعهم في مهجرهم هم ومآقيهمْ واحلامهم دعهم بين آلامهم وجوعهم ولا تلتفت إِليهم. لا بل قُم بزيادةِ هَمهم وأَظهر على الشاشات وانتقص منهم، قلُ لهم لمَ خرجتم من أرضكم؟ اهذه مسؤوليتنا أن نُؤييكم ونحميكم؟ أَهل من مسؤوليتنا أن نشعر بكم؟.
يقول اللاجئ في غربتهِ: الحالُ على ما قَضتِ الحرب موتٌ وإذلالٌ أينَ المَفَرُ قولوا لي؟ أَعندكم جواب ما المأساةُ التي تلي؟ المأكلُ والمشربُ يكفي بالكاد والخيام آه من الخيام يرافقها مُتزَعزِعُ الأوتاد والغبارُ والبردُ والهجيرُ من كُلِّ واد، الدواءُ أيكفي لكلِ هذه الأعداد! هل الأَزمةُ في ازديادْ؟ متى نعودُ متى الحق يستعادْ؟ عيوني على أبنائي ومستقبلهم بل شعورهم بانتمائهم وبحقوقهم، استقلالهم و أمانهم، تَقبُلهم كما هم، التحاقهم بتعليمهم، لا مَخوفينَ ولا مَقهورينَ ولا في تعاسة.
بينما البغاةُ في وطني يرتعونَ ويلعبون، في بيتنا وفي حيّنا ومدينتنا الدمارَ يَصنعون وبين هذا وذاكَ ضاعت لِحانا وأعمارُنا. كلٌ ينتفُ في وطني من جهة؛ الأنظمةُ من جهة والمعارضونَ من جهة والأحزابُ من جهة ومُدعوا التَديُنِ من جهة والقتلةُ والسفاحونَ من جهة، أَلهم كُلُّ الجهاتِ ونحنُ لا جهةَ لنا؟ ليس لنا إلّا صدورنا العارية أمام نيرانِ بنادقهم ودويِّ قنابلهم، بينهم وبين الحقِّ والرحمةِ باع ووطني يباعُ وبه تَصنعُ الأطماع والمتآمرونَ في كلِ مُعتركٍ لَهم متاع عند أي قاضٍ أعرضُ مسألتي فَينصَفَني باستماع؟!
هي أَرضي المطرُ فيها لُه شجن. كل شيء فيها الشجرُ والحجرُ والزهرُ لهُ لحنْ. فَيا عاذلي فيها عن حبها لا تَسْألن، الحبُ هناك له أثر، حبُ أمي وحبُ أبي وحبُ الأخوة والأصدقاء وحبُ الحبيبة، آه من الحبيبة التي لا تعرفني ولا أعرفها، من يحبني أنا؟! أنا فقط يحبني القهر. هنا في مُخيمي يعتريني شعورُ الأسر، بقيت روحي هناك في أسر تلك الارض وجسمي أيضا هنا في أَسر أُعاتبُ ذاكرتي على قُوتِها، وأعاتبها لأنَ في ترابِ تلك الأرضِ تَجذُرها.
بينما يقولُ الحقوقيونَ وعاملوا منظماتِ اللجوء:
نَضعُ الجهودَ المستحيلةْ والحيلَ الكثيرة والقليلة لاستعادة الحقوقِ الجليّة ونَعرفُ الظالمَ والمحقوق ومن يصف نفسه بصفاتِ الالوهية. لكننا وبسياسة، نجلسُ في مجالس الرياسة ونحاورُ هذا وذاك بالقانون ونحاول إنصافَ المظلوم والمحزون. نجمعُ التبرعاتْ ونشتري المساعداتِ والخيم والوجباتْ. نأتي بالخيراتِ التي لا تكفي للجوء شعبٍ يا سادةُ و يا سيدات، نحن نبني تعاوناتٍ ومؤسسات. يقولونَ بأننا تجّار القضايا والحروب، نبكي على أطلالِ الخرابِ والخطوب لكن لا، فبرامجنا مأهوله بالعاملين وخبرات في أوصاف الموظفين تتعدى ملايين السنين!. هم من ذوي الكفاءاتِ الخيالية ومن مالكي الخبراتِ المتعاليه! الوساطاتُ والعلاقاتُ والتخويلاتْ والمتابعاتُ والتقييمات جميعها لتحقيق الاهدافِ والإلتزامات ورغم هذا كله يشتكي اللاجئ من ضيق الحال!.
أمّا أصحابُ الحربِ يقولونْ: الأَرضُ هي الأَهم. الجاهُ والمال ُوالأَسهم لا قيمةَ لمن يُقتل، عن اسمهِ لا نسأل، مُتفجرا أو بطلقةٍ بشظيةٍ والسفاحُ بالأمرِ يُوّكَل. ولَيخْرجَنَ منها الأَعزُ الأَذل، لنا وجهانِ مظلمانِ أحدهما مُعتاد وآخر مذهل. المعتاد منا أَن نُجَيشَ كُلَ من ليسَ لهُ قلب، كلُ من هبَّ ودبّْ، أمّا المذهل، فسجاداتٍ حمراء وحراساتٍ أشداء ومصاحبةٍ للرؤساءِ والأُمراء وشيوخٌ ورهبانٌ ودعاء وتليمعٌ للصفاتِ والأسماء. نحنُ مُستبدون عن الديموقراطيةِ مُبتعِدون، نقمعُ ونزورُ وعلى الفسادِ قائمون، قضاةٌ بلا عدل وشعبٌ بلا أمل، حزبٌ واحدٌ وبلا بدل ولا رحمة للعبادِ والعزَّل.
أما من ليسَ لهم حيلةٌ ولا حولٌ يقولون: أَيا جيراننا هناك، أَتُرى كيفَ حالكم؟ أَأَنتم في بردٍ قارص؟ أم الحرُ في حَيكُم يَختصْ، أَأَنتم أصحاءُ؟ أم المرض ينتمي لكم انتماء؟ الجوع كيف الجوع قولوا لنا؟ أهوَ بِكم يُكَّنَى؟ بالله عليكم وأنتم بكم العزة تَتغنى، ما تعبتم من الوقوف أمامَ مراكز المؤن وأنتم الأعَلى والأَغنى؟. أَمَّا نحنُ قَلَّ سُؤالنا عن جيراننا بما لا يتلاءمُ مع إنسانيتنا وعاداتنا وتقاليدنا. خدرٌ عامٌ أصاب مجتمعاتنا وهموم فوق الهمومِ أثقلتنا. يا ليتَ اللقمةَ نصفٌ لكم ونصفٌ لنا، فلقمتنا هي نصفُ النصفِ ونحفظ بها أمننا ونسدُ بها جوعنا. أَأَعيينُنُا جودي بكاءً على جارنا وقولي له عسى أن يغفر لنا!
ايمان ابو مقرب