السلام بوسائل سلمية الجزء الرابع

السلام بوسائل سلمية الجزء الرابع

التنمية

في الأجزاء الأولى لهذه المقالة تحدثنا عن مناقشة الكاتب لمفهوم السلام والسلام الإيجابي ومفاهيم العنف المباشر والعنف الهيكلي والنزاع. إلا أن مناقشته للسلام-العنف هي مناقشة تبقى في الجانب السلبي. لذا، قرر الكاتب في الفصل الثالث التحدث عن التنمية كدراسة لا تنفك عن دراسات السلام في مفهوم السلام على الجانب الإيجابي فوضع 15 نظرية مختلفة عن التنمية في هذا الفصل وهي:

الأطروحة الأولى: إن التنمية هي إنتشار الحضارة وتحقيق رمز هذه الحضارة وعلم الكونيات الخاص بها. شرح الكاتب في هذه الأطروحة أنه حتى في سياق فرض حضارة ما تعريفها للتنمية على الحضارات الأخرى فإن هذا يعتبر عنفا ثقافيا أي أن مفهوم التنمية يرتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة الحضارة، بل إن الحضارة تزرع كبذرة وتخضع لعملية تنمية بظروف معينة،, بمعنى أن التنمية هي الضمانة لاستمرار الحضارة وإرثها.

الأطروحة الثانية: “التنمية هي الرضى التدريجي عن الإحتياجات الطبيعة البشرية و غير البشرية بدءا من الأشخاص الأقل حاجة”. البشر لهم احتياجات أساسية معينة وإن انتُقِصَ من هذه الحاجات انتُقِصَ من كينونة الإنسان وكرامته. فإذا لم تلبى الحاجات المادية\الجسدية يتحول الإنسان إلى شيء ليس على قيد الحياة، واذا انتُقِصَ من الحاجات الروحية أو النفسية تنتفي صفة الإنسانية منه. احتياجات الإنسان الأساسية تتمثل:

  • سلامة الجسم البشري.
  • مدخلات (نظيفة) الهواء والماء والتغذية.
  • مدخلات (ممتعة) مثل المنبهات، بصرية، سمعية، وحاسة الشم.
  • الناتج من النفايات والإفرازات.
  • درجة الحرارة والرطوبة والتحكم في الرياح.
  • النوم والراحة.
  • الحركة.
  • الجنس.
  • التكاثر.

الحرمان من الإحتياجات الأساسية يمثل المعاناة وكلما زاد إحتياج الإنسان لهذه الحاجات زادت المعاناة، وإن أعرف أحد بالمعاناة هم المسجونون الذين تسلب منهم هذه الحاجات كأسلوب تعذيب. ثم برر الكاتب لما جعل التنمية هي إرضاء للحاجات الإنسانية في شرح بسيط مع إعطاء أمثلة على ذلك.

الأطروحة الثالثة: التنمية هي النمو الإقتصادي، لكن ليس على حساب أحدأخذ الكاتب الإعتبار في هذه الأطروحة جانب التنمية على أنه الزيادة في الناتج القومي للفرد الواحد حيث يعكس الناتج القومي النشاطات المتعلقة بالتجارة والصناعة والزراعة والتبادلات الحاصلة بين عناصر الإقتصاد وتأثير هذه التبالات والعناصر على البيئة المحيطة بالإنسان. ذكّرني هذا التعريف بتنميات واستغلالات كثيرة قامت على سرقة موارد الآخرين وأراضيهم.

الأطروحة الرابعة: كلمة “التنمية” يمكن فهمها على أنها التطورات في سياق الجمع وليس في سياق المفرد. هذه الأطروحة تتبع الأطروحة الأولى فهناك عدة ثقافات وحضارات وذلك يعني وجود تطورات مختلفة وتعاريف مختلفة للتنمية بشكل مختلف. التنمية تكون في بيئات مختلفة تماما من حضارة إلى أخرى، فقد تكون التنمية بسبب تعاليم دينية أو تعصبات عرقية مثلا أو غيرها من العوامل المشكلة للحضارات. كما تحدث الكاتب في ما بعد عن الحضارات والفرض الثقافي للمفاهيم ومن ضمنها مفهوم التنمية.

الأطروحة الخامسة: لا يمكن فهم عملية التنمية إلا على أنها تفاعلية ومتبادلة أو انعكاسية وليس على أنها أفعال فردية. التنمية هي في الأساس تطوير الذات والآخرون لا يمكنهم أن يكونوا متسببين في التنمية لنا من دون الإضرار في استقلالية الذات الخاصة بنا حيث أن الجميع يساهمون في تنمية بعضهم البعض. جلب الكاتب مثالا حيا على ذلك، تنمية الطفل الصغير حيث ينمو في بيئة ما ويكبر ويستقل ليساهم في بناء شخص آخر أو عدة أشخاص. كذلك هي دورة الحياة للمجتمع بين فترات النمو وفترة الذروة وفترة العجز.

الأطروحة السادسة: الحضارة الغربية تعتبر نفسها بأنها الحضارة العالمية.

  • التنمية = التنمية الغربية = الحداثة
  • التنمية = النمو = النمو الاقتصادي = الناتج القومي الإجمالي

حتى نكون عادلين في هذا الصدد، الكاتب كان صادقا فيما قال على الأقل في الوقت الراهن لكن أيا من الحضارات فيما لو كانت سائدة وقوية فإنها ستكون رائدة التنمية الأولى في العالم. كانت الحضارة الفرعونية سابقا سائدة لأن التنمية فيها كانت كبيرة وغير مسبوقة وكذلك الحضارة الإسلامية كانت في مراحل القوة الخاصة بها رائدة التنمية وصراع الحضارات يرتبط ارتباطًا وثيقا بالتنمية وبأسبابها.

الأطروحة السابعة: الشروط الأساسية لنمو الإقتصاد هو العمل الجاد والإستثمار والإنقاذ والتعطش والمجازفة. يمر النمو الإقتصادي في مرحلة الإنتاج الصناعي والتجاري وأيضا مرحلة التسويق والتجارة. هناك ثلاثة عوامل تتعلق بتحقيق النمو الإقتصادي وهي: الوصول لأعلى جودة بأقل سعر، أعلى درجة من معالجة المواد الخام، وتوازن جيد بين الإقتصاد المالي والإقتصاد الحقيقي.

الأطروحة الثامنة: الناقلون الأساسيون لعدم الإهتمام وعدم المراعاة هم الذكور البروتستانت الإقتصاديون. إذا اجتمعت هذه الصفات برجل واحد أصبح غير مراعٍ. هذه الأطروحة تعبر أنه حتى كاتب في مجال السلام يمكن أن يدعم فكرة السلام في كتابه بذكر الأمثلة الواقعية والتي قد تكون صورا نمطية صحيحة أو غير صحيحة عن فئة من الناس لكن الحق يقال بأن الكاتب لم ينحاز الى دين أو عرق، إلا أنه يكتب بنمط الأمثلة والتي يمكن أن تتهم أحدا ب “الطرف السيء”.

الأطروحة التاسعة: هناك قوتان رئيسيتان للنمو الإقتصادي في العالم؛ اليهودية والمسيحية بالإضافة للكنفوشية قديما، بما يتمثل في الجشع والعمل الشاق والإدخار والإستثمار. ناقش الكاتب علاقة الأديان بعمليات التنمية الإقتصادية وذلك في شروط الإستثمار و التوفير والعمل الجاد. كما ذكرت سابقا، لا يمكن للكاتب أن يصل إلى مراده دون ذكر الأمثلة عن أديان أو أعراق مختلفة حتى في شرح هذه الأطروحة ذكر أن الإسلام والمسيحية دينان يعتبران أنهما دينان سائدان لكل البشرية وهذا يدل أن الكاتب لم ينحاز لكنه يكتب عن التنمية والسلام والحرب في الوقت الراهن.

الأطروحة العاشرة: إن حالة الراحة في العالم تأتي تبعا للاعتبارات الظاهرة لنظام النمو الإقتصادي. تحدث الكاتب في هذه الأطروحة أن هناك عوامل اقتصادية مخّفية وظاهرة لأي بلد. هذه العوامل أو مقدار امتلاك المال والقوة قد يظهر عند أي نقطة انعطاف. ذكر مثالا على هذا، الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا إضافة لذلك المقاطعة الهندية للمنتوجات البريطانية إبان فترة تولي غاندي الحكم, وأشار أيضا إلى أن امتلاك القوة التنموية الإقتصادية كالإدخار والعمل الجاد لهو السبب في بقاء بعض “الشعوب الأصلية” على حد قوله.

الأطروحة الحادية عشر: المساعدة التنموية هي النسل الشرعي للإمبريالية الغربية والمسيحية التبشيرية والنتيجة تحمل صفاتهما معا. المساعدة الإنمائية المبذولة من قبل الإمبريالية والمسيحية هي من أجل عمليات التوسع في العالم. ناقش الكاتب في هذا السياق استخدام الدين أو المشاعر أو الروحانية في تحقيق أهداف التوسع الإستعماري الثقافي أو العسكري في العالم وبهذا تسود الثقافة المُبشر بها على حساب ضحايا ممن تراجعت ثقافتهم وإرثهم.

الأطروحة الثانية عشر: المساعدة الإنمائية تشكل سوقا تنافسية عالمية بحيث تقوم الدول المانحة بتقديم العطاء المادي تحت غطاء مشاريع التنمية ومشاريع تنمية البنى التحتية و تطوير المجتمعات المشاركة واستبدال الصادرات والواردات وتوفير الإحتياجات الأساسية للفئات الأكثر فقرا في الدول الأكثر فقرا. هناك نظام بيروقراطي في تقديم هذه المنح الإنمائية ترتكز على الكمية لا النوعية كل ذلك من أجل تمرير بعض التعاونات الأخرى على المستوى السياسي أو على المستويات الأخرى ويستثنى من ذلك جميع الجهات من الخلفيات الخيرية الصحيحة والطيبة ذات الأهداف النبيلة.

الأطروحة الثالثة عشر: يمكن للمساعدة الإنمائية ان تهدف لإزالة الواقع-الهيكل “العوائق على حد قول الكاتب” الأساسي لطرف ما واستبدالها بهيكل أو واقع سطحي جديد بالإضافة لطرح مطالب صعبة مع هذا الهيكل السطحي الجديد. أوضح الكاتب أن المساعدات التنموية ما هي إلا محاولة تنمية الآخر بينما المفهوم الصحيح للتنمية هو أنه يجب على الآخر تنمية نفسه بنفسه ثم سأل الكاتب من الذي يأخذ بزمام التنمية عندما يتعلق الأمر بالتطوير على الأصعدة المحلية؛ أهم الخبرات المحلية أم الخبرات الأجنبية؟.

الأطروحة الرابعة عشر: جوهر المساعدة الإنمائية هو تبادل المنفعة بين المانح والممنوح تحت مبدأ أنا أقدم لك أنت تقدم لي شيئا في المقابل. مثال على ذلك كيف للدول الأكثر فقرا أن تصبح مانحة للمشورة التنموية للبلدان الأكثر تقدما من دول العالم الأول وذلك يكون عن طريق الإستفادة من الموارد البشرية واكتشافها وبذل الجهود الحثيثة لاستقبالها وتنميتها في ظروف جيدة.

الأطروحة الخامسة عشر: إن مقدمي المساعدة الانمائية على الأغلب هم من منظمات تطوعية “غير ربحية” ينخرطون في بوتقة الحوار من شخص لشخص بعيدا عن نموذج الحوار الخاص بين الخبراء. بمعنى أن هذه المنظمات تعمل بالقرب من الناس وخصوصا المنظمات التي تعمل في مجال النسوية وحقوق النساء. أيضاـ يكون نشاطها بين الناس الفقراء على المستوى البسيط وذلك من خلال تقديم المساعدة المادية والمعنوية لهم كمساعدات الصحة والتغذية.

ايمان ابومقرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *