صناعة الأمل

صناعة الأمل

“حلمي أمشي بالشارع وما أشوف اي قطعة بلاستيك مرمية على الأرض “هذا ما قالته الشابة يارا أبو روزة، 23 سنة، والتي تحمل شهادة الدبلوم في مجال “التصميم الجرافيكي”. التي تأمل في تحويل حلمها إلى حقيقة. تتلخص فكرة الشابة في المرحلة الأولية بالتخلص من الملاعق وأدوات المطبخ البلاستيكية وتحويلها إلى مواد خشبية من خلال إنشاء “مقلمة طعام” وحقائب وغيرها. “ما واجهت أي مشاكل مع المحيط من حولي بخصوص تعلم مهنة النجارة، بس الصعوبة كانت بمدى استمرارية هيك مشروع لان شغلنا كان يدوي، الأمر اللي بياخد وقت كتير وتكلفة مادية كبيرة نوعا ما” بهذه الكلمات عبَّرت أبو روزة عن مخاوفها والتهديدات التي تلاحق تحقيق حلمها. ومن خلال المشروع الذي أطلقته منظمة “أنا أتجرأ” قبل أقل من عام والذي يحمل إسم “C-Hub“ فقد استطاعت الشابة يارا أن تضع أول خطوة لها في هذا الطريق.

أطلقت المنظمة المرحلة الثانية من مشروع C-Hub والذي يهدف إلى خلق فضاء للتعلم عن طريق انضمام 36 شباب وشابة لمشروعهم، ومنحهم الفرصة لتحسين كفاءاتهم في ريادة الأعمال ضمن الصناعات الإبداعية من تلك التي يختارها الشباب أنفسهم وإتاحة المجال لتحقيق مردود مادي منها. تمتد المرحلة الثانية من المشروع إلى ما يقارب 6 أشهر، ويتخلل هذا المشروع تدريبات متنوعة، منها تدريب ريادة الإقتصاد الإبداعي، الذي تناقش فيه مواضيع مختلفة واسئلة نقاشية مفتوحة، مثل ريادة الأعمال وخصائص ريادة الأعمال، ودور رواد الأعمال بالإضافة إلى مميّزات ريادة الأعمال، وزيارة مشاريع ريادية من اجل التعرف عن قرب على قصص نجاح لأناس بدأت بإمكانيات بسيطة ومتواضعة.

أمّا ساجدة ملكاوي، 28 سنة، فإنها تأمل من انضمامها للمرحلة الثانية من المشروع إلى توفير فرصة تعليمية جديدة لها من أجل مساعدتها في تخفيض تكلفة مشروعها الذي يحمل اسم “كبريت”، والذي يتمحور حول تغليف المنتجات المصنعة يدويا وبالتالي التقليل من سعر بيعها وزيادة الطلب عليها. كما يعتبر هذا المشروع من المشاريع الصديقة للبيئة من خلال إعادة تدوير مخلفات المصانع. “من بداية المشروع مافي يوم إلا وأستفيد شغلة جديدة، حاليا أنا ما بلشت بالتدريب العملي بس كمية المصطلحات وفهمي العميق للمصطلح بالزبط متل إبداع وريادة وإبتكار، وكيفية الإنتقال بين هالمراحل الثلاث، وعرفت هللاء أنا بأي مرحلة بالزبط”. بهذه الكلمات عبّرت ملكاوي عن رأيها بالمشروع الذي انطلق قبل أربع أيام، وتقول مضيفة “يمكن ما أقدر أصنع الآلة اللي براسي، بس يمكن أعرف أشياء شبيهة الها ومصادرها وكيف أقدر احصلها بنهاية الموضوع، وكمان بركز على بناء شبكة علاقات عامة قوية مع المتدربين واللي بيفتح فرصة لنتشارك بأي عمل مستقبلي”.

يعاني المجتمع الأردني من زيادة كبيرة في نسبة البطالة، والتي تعرّف بأنها اللفظ الذي يصف حالة الشخص الذي يعيش دونما عمل مع محاولته الدائمة في البحث عن عمل. كما أنها تعرف بوجود مجموعة من الأفراد داخل المجتمع والقادرين على العمل واتخذوا طرقا متعددة للبحث عن عمل ما ولكنهم لم يحصلوا على فرصة تناسبهم. في دراسة أجرتها دائرة الإحصائات العامة فقد اظهرت النسب أنَّ معدل البطالة خلال الربع الأول من عام 2019 قد بلغ 19.0% بارتفاع وقدره 0.6% عن الربع الأول من عام 2018. في التفاصيل، بلغ معدل البطالة للذكور خلال نفس الفترة 16.4% مقابل 28.9% للإناث. بارتفاع وقدره 0.4% للذكور و1.1% للإناث مقارنة بعام 2018.

على الجهة الأخرى، تعرف ريادة الأعمال بأنها الإستعداد والجهوزية التامة لإدارة وتنظيم وتطوير المشروعات مزامنة مع التأثر بالمخاطر بهدف تحقيق الأرباح. تتركز ريادة الأعمال باعتمادها بشكل رئيسي على المبادرة بإنشاء أعمال جديدة من خلال استثمار الموارد المتاحة بأفضل شكل ممكن. وقد ظهر مصطلح ريادة الأعمال لأول مرة في مطلع القرن 16 حيث عبَّر آنذاك عن مفهوم المخاطرة والصبر وتحمل الصعاب الذي رافق الحملات الإستشكافية العسكرية للدولة الفرنسية. قد دخل هذا المفهوم إلى عالم الإقتصاد في طلع القرن 18 من قبل ريتشارد كانتلون الذي قام بوصف التاجر الذي يشتري بضاعة بثمن محدد من أجل بيعها مستقبلا بسعر لا يعرفه بأنه ريادي بشكل أو بآخر. ترتبط ريادة الأعمال بالبطالة بشكل قوي ومتين، فعلي سبيل المثال، عند حدوث أي أزمة اقتصادية فإنها تؤدي إلى قلة الشواغر والفرص الوظيفية في سوق العمل، لذلك فإن كثيرا من الشباب ما يتجه في تلك الحالة إلى تأسيس مشاريع خاصة سواء بشكل فردي أو بشكل شراكات مع بعضهم البعض من أجل تأمين دخل يستطيعون العيش به، ولا يعني ذلك بالضرورة أن لديهم أفكارا مبتكرة و أنهم يمتلكون شغف العمل الحر كما هو الحال لدى العديد من رواد الأعمال.

كما استحوذ مفهوم الريادة على مكانة هامة في التنمية الإقتصادية. فالمتحكمين بالقرارات الحكومية الإقتصادية حول العالم، يرون أن الريادة المؤسساتية هي المفتاح السحري من أجل خلق وظائف جديدة للوصول إلى النمو الإقتصادي. تشكل مثل هذه التدريبات المقدمة أنموذجا مثاليا في طرق دعم العاطلين عن العمل معنويا ورياديا وماليا، الأمرالذي يساهم في حثِّ الجهات التدريبية المتعددة على صعيد القطاعين العام والخاص والأجهزة المالية ومؤسسات التنمية الاقتصادية والبشرية لتمكين الطلاب من اكتساب فنونو مهارات عقلية يمكن استثمارها لتحقيق أعمال خاصة بهم ليصبحوا قادة الأعمال والزج بهم بفكر جديد داخل المجتمع وفي سوق العمل. بالتالي، خلق توجه حكومي وشعبي جديد يدعو إلى استثمار الأشخاص وتنميتهم وتأهيلهم ودعمهم ماليا من أجل تكوين رجل أعمال قادر على توظيف نفسه أولا وتوظيف الآخرين ثانيا.

دعم غير محدود تقدمه “أنا أتجرأ” للشباب في إطار فتح المجال لهم للإبداع والإبتكار من أجل زجهم بشكل حقيقي في بناء المجتمع الذي يطمحون له. لكن، على الجانب الآخر، يبقى العديد من الشباب منتظرين دورهم للحصول على مثل هذه الفرص خاصة في ظل عدم وجود دعم حكومي كاف لتغطية إبداعاتهم، ولسان حالهم يقول لا يأس مع الأمل ولابدَّ أن يشرق ضوء في نهاية النفق.

عبدالمعين دبدوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *