أحيانا يخطر على البال بأن صانعي الإعلانات يريدون ملاحقة العقول حتى في أحلامنا وباستخدام كل الوسائل الممكنة ضاربين بعُرض الحائط ما قد يمر على الإنسان من ظروف ومشاعر. أليس واردًا أن يعتنق الإنسان مبدأ كل مفروض مرفوض حتى ولو كان صالحًا؟ ربما نغمض أعيننا لكيلا تُفرض علينا مشاهدة إعلان مثلا! ورغم أننا أصبحنا الآن أكثر حرية فيما يتعلق باختياراتنا لما نشاهده إلا أن كل الذين لهم مصالح مادية أو معنوية تعنى بالإحاطة بعقولنا وباختياراتنا يدخلون إلى دوائرنا الرقمية الجديدة والتي ما هي إلا منفذا لهمومنا وأعباء يومنا.
كل ما يريده طرف صنّاع الإعلانات والمسوقون هو جلب المال، ولديهم نظريات ومبادئ مختبرة ومطبقة وناجحة. لذلك، هنالك إصرار على إهدار الوقت والمال فهم يعرفون أن 90% من الناس يتخطون إعلانهم لأنه يقيد حريتهم فنشاهد هذه الإعلانات عنوة عنا غير مخيرين على الغالب. إن حاجة الُمنتٍج لنفاذ سلعته في السوق أضحت علمًا كاملًا، علم التسويق بنظرياته واحصائياته. بشكل عام يتفق المنتجون والمسوقون على ثلاث مبادئ متبعة أثناء عملية الإعلان عن المنتج أو الخدمة وهي:
المبدأ الأول: شراء القيمة والتوقف عن إهدار المال
للمفارقة، في حين انخفض الإهتمام بإعلانات التلفاز لدى المشاهد بنسبة 80% منذ التسعينات إلى الوقت الحالي، ارتفعت مبيعات الإعلانات المتلفزة على مدى العشرين عامًا الماضية ولا تزال اقسام التسويق تستخدم الوسائل التقليدية في الإعلان عن منتجاتها وتبعًا للتطور الحاصل تحوّلت الإعلانات إلى المنصات الرقمية التي يرتادها الناس مثل فيسبوك. في هذه الحالة عندما تواكب عملية الإعلان الوسائل الحديثة فإن التعريف بالماركة أو بالمنتج يصبح موصوفا بالدقة والقوة وسرعة الوصول. مبدأ اشتر القيمة من الجهة المعلنة يقابلها تمرير هذه الإعلان للمشاهد وبالتالي، فإن كلا الجهتان المؤسسة المنتجة والمستهلك المحتمل يقومان بالدفع للجهة المعلنة بطريقة أو أخرى، فتبادلات الأموال في هذا المجال ضخمة جدا وهي صناعة قائمة بحد ذاتها والخاسر الوحيد فيها هو المشاهد، فهو يدفع ويستهلك ما يحتاجه وما لا يحتاجه.
المبدأ الثاني: قم بزيادة الإنتباه من خلال استخدام طرق إبداعية متعددة
عند تصميم تجربة الإعلان والإستخدام، تقوم الجهة المسوقة للمنتج بسؤال الأسئلة التالية: من هو المستهلك المحتمل؟ ما فئته العمرية؟ هل هو ذكر أم أنثى؟ ما هي خلفيته العملية والتعليمية؟ بماذا يفكر المستهلك المحتمل؟ ما الذي يشعر به؟ ما الذي يحتاجه؟ من الذي ينافس على جلب اهتمامه من الإعلانات الأخرى؟ كيف يمكنني أن أصمم إعلانا مبدعا؟ ما الذي يجعل المستهلك المحتمل ينتبه للمنتج؟ كيف أجعله يصرف دقيقة من وقته الثمين على مشاهدة المنتج الخاص بنا؟! كل هذه الأسئلة التصميمية المُتبعّة في تصميم الإعلان تخضع للدراسة المفصلة والإحصاءات الدقيقة. كما وتخضع للتحليلات النفسية فيؤخذ في الإعتبار محتويات الإعلان وتصميم الألوان والحركة وتصميم توقيت الإعلان والمكان الخاص بالتصوير واستخدام الوجوه المألوفة كالممثلين والمشاهير أو وجوه جميلة أو مواقف غريبة ومبتكرة.
ايجي بنك كمثال؛ إنه إعلان مُبتكر وجذاب والمشاهد فعليا يستمتع بإضاعة الوقت لمشاهدة إعلان مشابه لأنه يمس واقعه ويرفه عنه وتجعله يضحك غير أنه لم يدرك قيمة الوقت الذي أضاعه في مشاهدة هذه الإعلانات. الجدير بالذكر أن هناك استراتيجيات عدّة يتبعها المسوقون مثل:
- استخدام استراتيجية التكرار وذلك لخلق نوع من الأُلفة لدى الأشخاص بشأن الخدمة أو المنتج.
- استخدام شخصيات المختصين والخبراء في صناعة الدعاية وكمثال على هذا إعلان معجون الأسنان فالمختص في هذه الحالة هو طبيب أسنان يوصي بالمنتج وبهذه الطريقة يبني الإعلان الثقة بين المنتجين والمستهلكين المحتملين.
- الدعاية التي تحتوي على جمل رنانة تألفها الأذن وتصبح هذه الجمل فيما بعد موضة يتحدث بها المستخدمون في كل مكان حتى في مواقفهم الحياتية العادية وبالتالي فإن المنتج يرتبط بهذه الجملة بمجرد ذكرها في أي موقف.
- يستخدم المعلنون أيضا الأساليب المثيرة لطبيعة الإنسان والتي تختص بشهواته مثل الإستخدام الغير اخلاقي وبطريقة مبتذلة للنساء في الإعلانات او حتى استخدام صورة الطعام المدروسة لتعزيز غريزة الجوع.
- استخدام أسلوب التماهي؛ ذلك بإبراز المنتج أو الخدمة على أنها الأفضل وعلى أنها رائجة وبالتالي فإن المستهلكين المحتملين سوف يقومون بالإصطفاف في طوابير طويلة لشراء المنتج بكل سهولة.
ماذا لو استخدمت هذه الوسائل الإعلانية في الترويج السياسي؟ فإن هذه الحملات تكون ذات أثر كبير في نتائج الإنتخابات بحيث يبدأ تصميم الحملات الإنتخابية وفقا لاحتياجات الناس ومرورا بتنفيذ الإعلان الذي يتضمن تغيير المسميات واستخدام الدهاليز السياسية كاستخدام مصطلح “حماية المصالح” عوضا عن مصطلحات الإتجار بأرواح البشر وسلب الحقوق. المرحلة الأخيرة هي قياس مدى التأثير، وهذا الأهم في تقييم العملية الإعلانية السياسية.
المبدأ الثالث: زيادة اهتمام المستهلك على المدى الطويل
من خلال التدرج في تصميم الإعلان كوقت وكأفكار إبداعية، فإذا أرادت الشركة إعلانًا عن المُنتج أو الخدمة الخاصة بها تبدأ بتصميمه بحيث يكون وقته قليلا نسبيا كما أن فكرته تكون بسيطة بحيث لا يستاء المتلقي من الإعلان ومن المُنتَج، بل يكون أشبه بشخص لطيف تعرفت عليه للمرة الأولى ولم يأخذ من وقتك كثيرا لكنه أمتعك بحديث بسيط ومشوق. بعد ذلك يتدرج في تعقيد الفكرة وزيادة وقت الإعلان في كل مرة فبالتالي يمكن للشركة لاحقا صناعة إعلانات سنيمائية ذات وقت كبير أو حتى يمكنهم تقسيم الإعلان الى أجزاء أصغر بحيث ينتظر المشاهد أجزاء الإعلان وهنا تكون الشركة قد بدأت بتكوين الأثر الايجابي والأهم من ذلك معرفتها بأن الناس يتقبلون منتجها بشكل كبير في كل مرة لهو أمر فائق الأهمية.
حتى أن أقسام التسويق تستخدم المنتجات وتدرج صورها في الأفلام والمسلسلات ضمنيا ودون أن يشعر المشاهد بذلك. فقد تشاهد البطل يشرب مشروبا غازيًا مثلا أو يأكل في مطعم برغر مشهور أو يضعون ألوان الشعار الخاص بالمنتج أو فكرة الشعار ضمنيا داخل المشاهد وبأساليب توحي بالحاجة للمنتج نفسه. كل ذلك في سعي للمرور بعملية الحدّ من إزعاج المشاهد والتدخل في اختياراته بطريقة ملتوية وجعله يظن بأنه يختار وحده. لذلك فإن الوقت الذي نقضيه في مشاهدة الشاشات الكبيرة والمصغرة فعليا هو عبارة عن مال متدفق وربما أغلب المشاهدين لا يأخذوا في حسبانهم الدقائق أو الثواني التي قضوها في هذه المشاهدة، بيد أن الدقيقة مع الدقيقة تُشكل سنوات من عمر البشرية والسنوات هي وقت يشكل اقتصاد شركة ما ويبني ثروتها.
إيمان أبو مقرب