ماهي النماذج المطروحة مع إلقاء وعمل نظرة تحليلية عليها
هناك العديد من الدراسات التي تحاول تبيان أبعاد العلاقة بين مفهوم الأمن الإنساني ومنظومة حقوق الإنسان، وهذا على اعتبار أن مفهوم الأمن الإنساني ومفهوم حقوق الإنسان يعملان كمثير ومحرك للكثير من المشكلات، وعلى وجه الخصوص عندما نقوم باستخدام هاذان المصطلحان في الدراسات السياسية على وجه الإختصاص. كما يمثل مصطلح الأمن الإنساني أحد النماذج المستخدمة في توضيح العلاقة بين الجزء والكل؛ وذلك من خلال كون حقوق الإنسان الجزء الأكثر شمولية وعموماً مقارنة بمفهوم الأمن المجتمعي، ويعتبر حق الإنسان في الأمن المجتمعي واحد من أهم وأكبر الحقوق التي يجب أن يتمتع بها.
يعتبر وجود كل من مفهومي الأمن المجتمعي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم حقوق الإنسان تطور بحد ذاته ويعتبر ذلك من أهم التطورات التي انعكست على الدراسات السياسية بشكل عام، وعلى الدراسات الاستراتيجية بشكل خاص. يرجع ذلك إلى أن الإنسان هو اللبنة الأساسية لبناء هيكل الدولة، ومن المفروض أن يكون الإنسان هو الهدف النهائي لكافة السياسات العامة التي يتم تطبيقها في إطار الدولة أو في دائرة المجامع الدولية. من المفترض إعادة تقدير الإنسان بحد ذاته لأنه هو نفسه يمثل المركز الأساسي لمبدأ عمل السياسات الأمنية، والتي لا نستطيع ذكر بعض وترك البعض الآخر، فيعتبر شعور الأمن عند الإنسان الإشارة الفصل التي تقيّم من خلالها السياسة الأمنية وكذلك تقييم نتائج هذه السياسات ومن ثم عمل تحليل ودراسة لها والخروج بنتائج مفيدة.
كما أن العلاقة بين السياسة الأمنية في ظل مصطلح الأمن الإنساني وبين حقوق الإنسان علاقة في غاية الأهمية لأن ما يدعو إليه المصطلحين هو دراسة وتوضيح علاقة المواطن مع الدولة، ويعتبر هذا موضوع ملح وهام في ظل مجموعة من النقاط المهمة ألا وهي:
أولاً: حاجة الكثير من السياسات الحاكمة إلى ضمان حقوقها بشكل أساسي، واختزال مصطلح الأمن في الأمن الخاص بالدولة أو من خلال نظام الحكم وذلك ضمن نظرة مستقبلية سياسية محصورة البعد لدرجة أصبح المواطن لديه إحساس بأن السياسة الأمنية للدولة موجهة ضده، وليس من أجل المواطن ومن أجل إشعاره بالأمان، حتى أصبحت السياسات هذه عبئ على كاهل المواطن بدلاً من أن تكون عكس ذلك.
ثانياً: عدم التوازن في حالة الإنفاق العالمية بين تخصيص مبالغ مالية خاصة بالتنمية، وبين تخصيص مبالغ مالية بهدف تسليح جيش الدولة. كذلك ما يتبع الحرب والإستعدادات للحرب بدون وجود خطر حقيقي للدولة. ويعتبر سبب وجود هذا الحال بسبب عدم وجود تناسق عندما يتم اقتراح الموازنات الداخلية، وبالأخص في الدول الجنوبية أو في الدول التي تكون لديها المؤشرات التنموية قليلة نسبياً، حيث تعتبر الأزمات المجتمعية التي يعاني منها المجتمع مثل أزمات غلاء المعيشة وأزمات ارتفاع الأسعار سنة 2008، وأيضاً الضعف التنموي وعدم وجود سياسات للإنفاق تتسم بالحكمة والدقة، كل ذلك يشكل مسائل تستحق الدراسة.
ثالثاً: حدوث الكثير من الأمراض والكوارث التي تدوي في دول عدة، وتؤدي هذه الحوادث والكوارث إلى تزايد أعداد الوفيات بشكل عالمي، والضعف الموجود ضد مواجهة مثل هذه الكوارث بشكل عالمي ومحلي.
رابعاً: الزيادة المضطردة في عدد الحروب والشقاقات الداخلية في الدول، وبالأخص الزيادة في مشاكل فئات مستضعفة وغير متمكنة في المجتمع مثل المرأة وفئة الأطفال. حيث يشكل المرأة والطفل ضحية كبرى بالرغم من أنهم ليسو طرف مشارك في هذه النزاعات،ومن المتوقع أن تتزايد هذه النزاعات في السنوات الآتية وذلك بسبب الخطئ في هيكلة السياسات العامة للدول والتقسيم غير العادل للحكم والثروة، ومن أبرز الأمثلة على هذه الحالات الصراعات في الصومال وفي السودان وأيضاً في العراق.
رابعاً: زيادة عدد ما يدعى بالدول الفاشلة، وهذه الدول تعرف بأنها الدول التي لا تملك القدرة على حفظ وصون حق المواطن وتوفير الإحتياجات الأساسية لهم، وفشل الدولة في حمايتهم من الذعر والخوف والصراعات، أيضاً عدم وجود تدخل من قبل منظمات دولية تبعا لاتفاقيات سياسية تمنعها من ذلك، وينتج عن ذلك اختراقات مزمنة لحقوق الإنسان وديمومة حالة عدم الإستقرار الأمني.
خامساً: النشاط السياسي القائم في شأن درء العدوان المتطرف ودعم الأمن الإنساني، حيث تقوم الدول بإصدار قوانين خاصة بها، وبالوقت نفسه ترى منظمات حقوق الإنسان أن هذه القوانين ليست إلا تقييد لحقوق الإنسان بل معنية بحماية أنظمة الحكم للدول نفسها.
من النقاط التي قمت بذكرها أعلاه يمكننا الآن إعادة النظر في مفهوم الأمن الإنساني، وذلك عبر التجارب الدولية المتنوعة من حولنا في هذا العالم. كما أننا بحاجة إلى تعزيز مفهوم أحدث ومجدد للأمن الإنساني، يكون هذا المفهوم في اتجاه تطوير المفاهيم الأمنية.
ماهي أبعاد مفهوم الأمن الإنساني ؟
يعتبر مفهوم الأمن الإنساني، المحور الأساسي في تغيير اتجاه عجلة الدراسات الأمنية، ويكون ذلك عبر انتقال الأمن الدولي وحدود الدولة وأرضها إلى أن يصبح أمن الأفراد اللذين يعيشون على هذه الأرض وضمن حدود هذه الأرض، حيث نعود من خلال مفهوم الأمن الإنساني إلى الأمن الخاص في كل فرد والذي يمثل اللبنة الأسياسية في بناء وتكوين الدولة بشكل أساسي. من البديهي أن نعود إلى مصطلح الأمن الإنساني في الوقت الذي تجاوزت فيه معاناة الإنسان كل التوقعات، وأيضا بعدما تأكد أن أمن الإنسان لم يتحقق بتحقق سياسات أمنية للدولة نفسها. حيث أصبح هنالك حاجة إلى وجود مفهوم آخر للأمن يكون الإنسان الأولوية الأولى والأخيرة فيه، وبالأخص بعد أن أصبحت الدول تعمل على توجيه الأولوية لتأمين نفسها دولياً من خلال السلاح النووي، فأين موقع الإنسان من الإعراب في هذه الحالة؟ كما أن من أهم مسببات انتهاك حقوق الإنسان هو انتشار أوجه الحرمان الإقتصادي والاجتماعي، والتي تسبب أهم دوافع النزاعات في داخل الدولة.
ماهي محاور الأمن الإنساني؟
يواجه الأمن الإنساني الكثير من التهديدات التي تكون متركزة على تهديد أمن الإنسان في الحياة اليومية، وتكون هذه التهديدات شاملة لأكثر من جانب، ولكن يمكن تلخيصها من خلال سبع محاور أساسية ويمثل كل محور بعد من أبعاد الأمن الإنساني و من خلال كل محور يوجد تحديات نوعية.
الأمن الإقتصادي؛ تعطي الكثير من الدول اهتمام ضخم فيما يتعلق بالشأن الإقتصادي لدرجة أصبحت الأنشطة الإقتصادية محور أساسي في الصراعات بين الدول التي كانت تعتبر كتلة سياسية واحدة في السابق، وتكون معاناة الأفراد في المجتمع إقتصادياً على عدة محاور وأذكر منها النقاط التالية:
- الدخل وجوداً وكفاية: أصبحت معضلة عدم توافق الدخل المناسب عن العمل المنجز مشكلة كبرى تواجه أفراد المجتمع، وبخاصة بعد ازدياد الضغوطات الاقتصادية والمادية، والصعوبات التي تواجه الأفراد في جني لقمة العيش والسعي خلف أرزاقهم.
- البطالة وعدم الاستقرار في العمل: انتشرت مؤخراً البطالة في العالم بأكمله، فسوق العمل كل سنة يزداد بالباحثين عن فرص في السوق، فتزيد نسبة البطالة الموجودة في الأصل إلى نسبة أكبر كل سنة مع زيادة أفواج الخريجين.
- الفقر: تعد مشكلة الفقر إحدى أكبر المشاكل العالمية، إذ لا تقتصر على الدول النامية فقط بل على الدول المتقدمة كذلك الأمر، ولا يقتصر الفقر فقط على الفقر المادي بل أصبح يشمل فقر الإمكانات والقدرات.
- عدم وجود سكن: من أكثر أشكال تدهور الأمن الإقتصادي هو عدم وجود سكن، فأيضاً على مستوى الدول المتقدمة يوجد فجوة كبيرة في هذا الجانب فهنالك ربع مليون إنسان من غير مأوى بلا سكن ملائم في ولاية نيويورك في أمريكا (تقرير التنمية البشرية، 1994،ص26)، حيث يزداد الوضع سوءا في ظل زيادة الفجوة في المستوى المعيشي بين طبقات المجتمع، ولا تقتصر المشكلة على عدم وجود مسكن إلى عدم توفر أقل معايير المسكن الملائم لعيش الانسان من الناحية الصحية.
- الأمن الغذائي: الأمن الغذائي يعرف على أنه “أن يكون لدى الناس جميعاً إمكانية الحصول على الغذاء الأساسي في جميع الأوقات”(تقرير التنمية البشرية ص32) حيث تنتشر أزمة الجوع في معظم الدول النامية وتنتشر كثيراً في أفريقيا كذلك.
- الأمن الصحي: وتعني إمكانية وقدرة الجميع على الحصول على الرعاية الصحية، ويكون ذلك من خلال توفير سبل الرعاية الصحية من خلال المراكز والمؤسسات المعنية في المجال الصحي والطبي ومن خلال الحماية من الأمراض والوقاية منها.
- الأمن البيئي: يمثل الأمن البيئي أكثر المشاكل العالمية المتصدرة إخبارياً في العالم، ومن أهم المشاكل مشكلة الإحتباس الحراري، حيث هناك عناصر كثيرة مشاركة في تهديد الأمن البيئي منها تناقص النصيب الفردي من المياه العذبة والصالحة للشرب، فنجد من خلال الإحصائيات عام 1990 أن حوالي 1.3 بليون شخص في الدول النامية لا يتمكنون من الحصول على مياه نقية.
- الأمن الشخصي: ونعني به حماية الأشخاص من جميع أنواع العنف سواء كان عنف بدني، وتتمثل بتعرض الفرد لأكثر من تهديد سواء من قبل الدولة أو من قبل الدول الأخرى أو من خلال التهديد من قبل الجماعات الأخرى من الناس.
- الأمن المجتمعي: وهو شعور الفرد بانتمائه لجماعة مثل الأسرة أو منظمة، أو مجتمع محلي، حيث أن فكرة الإنتماء تدعم الفرد نفسياً وتوفر له دعم معنوي وتوفر لهم ثقافة أو هوية تشعرهم بالطمأنينة والسكينة.
- الأمن السياسي: “احترام حقوق الإنسان الأساسية” (تقرير التنمية البشرية ص47) حيث تمثل قضايا حقوق الإنسان أهم القضايا على المستوى العالمي، حيث تشمل حقوقهم الإجتماعية والثقافية، ولا يقتصر ذلك الشأن على الدول النامية بل على الدول المتقدمة كذلك الأمر وتتضمن حقوق الإنسان محاور عدة مثل محور المشاركة في الأحداث السياسية، والحق في الحصول على المعلومات عن السياسة الدولية، المساواة في الحقوق والواجبات.
روان العمد