التحيز الإعلامي في ضوء تغطية الحقيقة

التحيز الإعلامي في ضوء تغطية الحقيقة

الأخبار الكاذبة والمضللة منتشرة بشكل كبير وذلك لأسباب عديدة منها أنه أصبح مقبولا أن تكون الوسائل الاعلامية والقنوات القائمة عليها لها تحيزات وايديولوجيات خاصة بها ومعلن عنها بشكل صريح. المنصات التي تعلن أنها غير منحازة وموضوعية بغض النظر عن توجهها الفكري قليلة جدا، تقول وسائل الاعلام ان هذا ليس مشكلة بحد ذاته طالما أنها ملتزمة بأخلاقيات العمل الإعلامي وبالمصداقية. نتفق على أن التحيز بشكل عام هو غير اخلاقي، والتحيز الاعلامي بشكل خاص هو ليس من أخلاق الصحفي المعني بنقل الأخبار للعالم. لكن في بعض الأحيان يكون التحيز مفيدا في ضوء تغطية الحقيقة التي تجري عادة التعتيم عليها، وذلك يعود أو من إحدى العوامل هي صحافة المواطن التي انتشرت في الآونة الأخيرة والتي تشير الى أن الأفراد والمواطنين ينقلون الأخبار داخل مجتمعهم ومن وجهة نظرهم وبعدستهم هم وهي بالعادة تكون متحيزة للأفكار والمعتقدات السائدة بمجتمعهم ومتحيزة للأفراد التي يتشابهون معهم من حيث المنطقة الجغرافية أو المرجع الديني أو العادات والتقاليد في مجتمعهم. ربما تكون تغطيتهم للحدث ولو كانت متحيزة قد تكون معلومات وأحداث حقيقية حصرية لم يتم تغطيتها من قبل المؤسسات الاعلامية ولا الجهات الرسمية المعنية بنقل الخبر. إن الآراء ووجهات النظر هنا ستكون مختلفة عما نسمعه عادة، لأنها تكون بصوت من عاش الحدث ومن لديه معلومات لا احد يستطيع الوصول اليها او تغطيتها الا من يعيشها بالمكان نفسه، وربما تكون مشبعة بالعواطف والكلمات العشوائية فهي مختلفة عما نراه من المحطات والقنوات الاخبارية.

ان تغطية الحقيقة هو امر نسبي فيتم نقلها عادة مسقطين عليها التوجهات الايدولوجية وآرائهم الشخصية، وفي كل مرة تكون من زاوية مختلفة. السؤال هنا ما هي الحقيقة، أو ما هو تعريفها؟. تنوعت تعريفات وآراء الباحثين والصحفيين والمؤسسات حول الحقيقة التي تكون ضمن المعايير المهنية المتفق عليها والتي لابد من الالتزام بها في تغطية الحدث. فكل منهم ينظرون للحقيقة نظرة مختلفة؛ منهم من ينظرون لها أنها نقل الوقائع مباشرة اي نقل الحدث كما هو، وكما وقعت بمسرح الحدث، بدون تضليل أو إعطاء رأي وتعليق، أي بموضوعية وحياد وبدون تحيز، ويرون اصحاب هذا التوجه أن كل رأي أو تعليق يعطى عند نقل الخبر هو رأي ذاتي من وجهة نظر شخصية مشبعة باعتقادات سابقة وتقييمات بناء على منظومته الفكرية، ويناصرون فكرة الاقتصار على نقل الوقائع فقط بدون تمرير أو اسقاط عليها اي تعليق. وهناك آخرون يعتقدون أن الحقيقة في الصحافة، هي نقل الأحداث والوقائع انطلاقا من توجهها ونظرتها وتقديم دلالات واثباتات عن الحدث الذي تم نقله والذي له علاقة بالواقع الحقيقي. ويعني بتقديم معطى ملتصقا بالواقع كما حدث وكما يراه الصحفي وبتوصيف خاص له من توجهاتهم وايديولوجياتهم الذاتية، والبحث عن الحقيقية الكامنة والاثباتات التي تدعم هذا المعطى والحدث. فمهما كان تعريف الحقيقة بالنسبة الينا أو للصحفيين الاجتهاد بالبحث عنها ومحاولة الوصول اليها هي الطريقة المثلى للحصول عليها.

ينص ميثاق الشرف الصحفي عن الحقيقية بما يلي: “المادة 8: يلتـزم الصحفيون بعدم نشر المعلومات التي حصلوا عليها باعتبارها غير قابلة للنشـر (Off Record) لكنهم يستطيعون توظيفها بشكل غير مباشر من خلال الاستقصاء والتحري عن جديتها وصدقها أو عن طريق نشر مضامينها دون الإشارة إلى المصدر الذي أدلى بها. وعليهم احترام مواعيد إذاعة البيانات ونشرها في الوقت الذي عين لها من المصدر أومن زملاء المهنة”. وتنص المادة 9: على أن “رسالة الصحافة تقتضي الدقة والموضوعية وإن ممارستها تستوجب التأكد من صحة المعلومات والاخبار قبل نشرها، وفي هذا الاطار يراعي الصحفيون ما يلي: يمارسون أقصى درجات الموضوعية في “عزو” المواد التي تنشرها الصحف إلى مصادرها وأن يذكروا مصدر كل مادة صحفية أو نص يتم نشره. وعليهم أن يراعوا عدم “العزو” إلى مصادر مجهولة، إلا إذا حقق هدفا وصالحاً عاماً، أو استحال الحصول على المعلومات بغير هذه الوسيلة… التفريق في النشر بين الخبر العام والحقيقة الخاصة التي لا تهم الرأي العام ويراعون في جميع الأوقات الخصوصية الفردية ويحسنون التعامل مع الاشخاص الذين تناولهم الأخبار، إلا إذا كانت هذه الخصوصية ذات مساس بالمصلحة العامة أو الحياة السياسية داخل المجتمع”.

امكانية الاعلام اصبحت غير محدودة اليوم فيمكنك التفاعل مباشرة من قلب الحدث من ناقل الخبر عن طريق البث المباشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والانستغرام وايضا يمكنك مشاركتها على صفحتك الشخصية ليراها أصدقائك فسرعة انتقال الخبر والتفاعل مع ناقل الخبر عن طريق البث المباشر يجعل المتلقي في حالة ذهول وتصديق أعلى من رؤية المشاهد مسجلة أو تنتقل عن طريق قناة فضائية أو موقع إخباري. إما تكون من قبل المنصات الاخبارية عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي التي توكل بالأمر صحفي لينقل عن طريق البث المباشر في ميدان الحدث، أو أن يكون الاشخاص شاهدين على الحدث فينقلونه عبر صفحاتهم الشخصية بالبث المباشر. يميل الناس إلى تصديق الأخبار التي تكون أقرب لآرائهم ومعتقداتهم ويسمى ذلك “التحيز التأكيدي”، ويعني أن لديهم رؤية إدراكية مسبقة يرون بها العالم، و ان هذه نزعة سيكولوجية عند البشر ويبدو الأمر منطقيا أن تصديق ما يدعم وجهة نظرك بقضية أسهل من الناحية النفسية. أما اذا كان وجهات نظر أو خبرا مخالفا لما أراه  فذلك ينتج ما يسمى بالتنافر المعرفي وهذه نظرية خرج بها العالم فستنغر، وهي حالة غير مريحة من الشعور عند مواجهة أمر ما لا يتناسب مع معتقداتنا أو عند مواجهة حقيقة ما.

إن المثير في صفحات التواصل الاجتماعي بالإضافة للتفاعل مع الحدث المباشرة، انه تكثر الاشاعات والأخبار الكاذبة عليه ويتم التحيز لها ووضع اثباتات لها كما لو انها حقيقة، خاصة مع التدفق الهائل للأخبار والمعلومات المتناقلة والتي يتم التفاعل معها على نطاق واسع. المتلقي يكون بحاجة تغذية دائمة ومتابعة دائمة، فهذا المناخ مهيأ لنشر الأخبار الكاذبة وهي من أهم التحديات التي يواجهها الاعلام اليوم ويواجهها المتلقين أيضا. ذلك اذا تضمن بعض التحيز يكون طبيعيا لأنهم بشر لهم احتياجات وآراء وميول واهتمام وتوجهات ، فمن الطبيعي نسبيا ان يتم التحيز لجماعتهم ومعتقداتهم ونقل الخبر من وجهة نظرهم الخاصة ، فهذا جزء من طبيعتهم البشرية والانسانية ، ومن الطبيعي ان يكون الصحفي كذلك فهي ايضا طبيعته البشرية يخطأ ويصيب، ولكن مع التدريب والخبرة والالتزام بأخلاقيات ميثاق الشرف الصحفي، يسعى دائما للموضوعية ومحاولة توصيل الصورة كاملة بدون تضليل ولا تحيز. محاولة البحث عن الحقيقة الكاملة حتى لو طغى على نقل الخبر بعض التحيزات لفئته وأفكاره، وهناك سؤال يتم سؤاله عادة: “كيف يحتفظ إنسان هذا الزّمن باتّزانه وموضوعيّته في بناء مواقفه من الأحداث والقضايا والأشخاص؟”.

نظمية سعد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *