إن كثرة المنصات الاخبارية وتنوعها وظهور صحافة المواطن جعلت حولنا الكثير من الأخبار والمصادر بحيث نسمع كل دقيقة تمر بخبر جديد بغض النظر عن مدى صحة الخبر ووثوقه. يتم نشر وتناقل العديد من الأخبار على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وبالتحديد تطبيق الواتساب، بحيث اذا كنت منقطعا عن العالم تأتيك الأخبار أو الشائعات برسالة على هاتفك والسماح لها بالتداول دون التأكد من صحتها. تنوعت القنوات الإخبارية وطبيعة الحدث المنقول ونوع الخبر الذي يتم نشره على المنصات فأصبحت قنوات تبث الاخبار الرياضية فقط على سبيل المثال. وهناك منصات متخصصة فقط لنشر الشائعات التي لا تحمل أساس من الصحة ، فالسؤال هنا إلى أي درجة يمكن الاعتماد على المحطات الاخبارية؟ إن الأشخاص الذين ينشرون الأخبار يتم تسميتهم بصناع الخبر، لأنهم تناقلوا وتداولوا بينهم الاخبار، ولكن إلى أي مدى يتم الوثوق بهم؟.
بالتأكيد هناك أساسيات يتم اتباعها واسباب للوصول الى أن هذه المنصة الإخبارية موثوقة، ويتم الاعتماد عليها للحصول على الخبر. لكن هل يعني ذلك أن يتم الاعتماد عليها الى حد كبير والوثوق بها بشكل قطعي؟ يفضل ان تكون إجابتك لا، لأنه مهما حاولت القنوات والمنصات الاخبارية ان تكون حيادية إلا أن القائمين عليها هم بشر ولهم وجهات نظر وآراء معينة يميلون للتحيز لمعتقداتهم وبلادهم لها بشكل فطري. تعود للمعايير التي يعتمد عليها في التغطية الاخبارية حيث تختلف المعايير والعناصر والقيم التي تعتمدها القنوات الاخبارية باختلاف النظام الاعلامي التي تستند إليه. كذلك اذا تم تسليط الضوء على صناع الخبر الحقيقيون، فهم الأفراد الذين يمتهنون مهنة الصحافة والذي يكون من الواجب عليهم اتباع ميثاق الشرف المهني للصحافة الذي يستند على أخلاقيات المهنة. وهم الذين علينا أن نعتمد عليهم في صناعة الخبر وتلقي الأخبار والتي تكون أقرب للمصداقية، ومحاولاتهم لصناعة الخبر بموضوعية وأقرب للحيادية دونا عن غيرهم ممن يتناقلون الأخبار فقط بدون استراتيجية واضحة وبدون حمل مسؤولية ما يتم نشره. ولا ننس خلفياتهم الثقافية والحزبية ذلك لأنهم يكونون أكثر ميلا لها بطبيعتهم الانسانية، فالاعتماد عليهم الى حد ما يضفي على قارئ الخبر النظر بزاوية أخرى لما يحدث وقدرة على التمحيص وعدم التصديق بشكل اتوماتيكي لكل ما يتم نقله سواء من صانع الخبر أو المحطات الاخبارية. الإنتقائية والتحليل هي التي تجعلك أكثر قدرة على أخذ قرار أي من المحطات الإخبارية والمنصات الإعلامية وصناع الخبر يستحقون الاعتماد عليهم في تلقي الأخبار. لا سيما تدريب و خبرة الصحفي في ممارسة المهنة ومدى الاحترافية التي يكون عليها تعتبر عامل مهم أيضا.
بناء على ذلك انبثقت نظرية المسؤولية الاجتماعية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية بعد الانتقادات الكثيرة التي وجهت لنظرية الحرية، فهي فرضت واقعا مهنيا عصريا لمفهوم حرية الاعلام أثبتت أن الحرية غير المرتبط بالمسؤولية تؤدي إلى الفوضى. وجود قواعد وقوانين تجعل الرأي العام رقيبا على هذه المهنة ويجعلها منظمة ومهنية وتحد من الشائعات التي تخلق الفوضى والرعب. كذلك المحطات الاخبارية، إذا سيتم النظر في مدى اعتماديتنا عليها بتلقي الأخبار نحتاج أن نقرأ أكثر عن مصادر الأخبار التي تنقلها للعالم وتاريخها في صناعة الخبر وإلى أي مدى كانت تنقل الخبر بصورته الصحيحة؟ هل تنشر شائعات؟ كم مرة نشرتها؟ هل أخبارها جميعها متحيزة؟ ما هي المعايير والقيم التي تستند عليها؟ هل هي تعقد شراكة مع دولة ما أو حزب ما؟ اذا كان هناك طرفي نزاع، هل يتم تغطية الروايتين من كل جهة أم غطت رواية واحدة على حساب الأخرى؟ ما هي رواياتها السابقة وآراءها حول قضية ما؟ كل هذه الأسئلة وغيرها وجمع العديد من المعلومات عن المنصة والمحطة الاخبارية يجعلك تفهم بشكل أفضل عنها وعن طبيعة الأخبار المتداولة فيها.
عليها أيضا أن تتبع مواثيق شرف خاصة بها وتستند عليها بكل أخبارها فمثلا قناة الجزيرة تضع مجموعة من المبادئ والقيم التي تسعى لأن تطبقها: كالحياد والدقة والمصادر الاخبارية الموثوقة. بالإضافة للمحطات وصناع الخبر، على الخبر نفسه أن يتسم بمجموعة من الخصائص التي تجعله خبرا يمكن نشره. مثل أن يكون غير مشحون بالكراهية والعنف وأن يكون محمولا بالقيم والمبادئ المجتمعية وغير متحيزا على الرغم من صعوبة ذلك لتأثير الأيديولوجيات الفكرية والسياسية والاقتصادية على الخبر، وبالأخص الجانب الاقتصادي الذي يحول دون تحقيق العدل بنقل الأخبار لاعتماد الشبكات الإخبارية على الأرباح التي تجنيها. لذا القيمة الإخبارية هي المرتكز الأساس في العملية الاعلامية وهي أول ما يسأل الصحفي نفسه عندما يحصل على مادة الخبر، فإن توافرت بعض القيم وهي العناصر التي يجب توافرها بعضها أو كلها ليعدّه خبرا يستمر في جمع مادة الخبر من ثم يقدمه للمسؤول عنه في الوسيلة التي يعمل بها.
القيمة أثارت اهتمام الباحثين في جميع العلوم الانسانية وحازت على تعريفات عديدة في كل منها، فهي تمتلك بعدا متغيرا فمفهومها يتحدد بحسب المنفعة العامة والحاجة والاهتمام الانساني ولها اعتبارات كالاعتبار الأخلاقي والاعتبار الاقتصادي والاعتبار الاجتماعي والاعتبار السايكولوجي والاعتبار الجمالي. حتى عملية نشر الخبر على المنصات و وسائل الاعلام لها أسس تحددها وسائل الاعلام هل الخبر صالح للنشر أم لا؟. مؤخرا أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منصات يعتمد عليها البعض في تداول وصناعة الأخبار وحتى المنصات الاخبارية والإعلاميين ينشؤون حسابات عليها ويتم مشاركة الأخبار على صفحاتهم الشخصية وصفحة القناة الخاصة. الكثير من الناس يعتمد عليها لتلقي الأخبار كمنصات أولية لمتابعة الأحداث. ربما يكون جيدا اذا كانت الصفحات موثقة وتنقل أخبار حقيقية ذات مصادر موثوقة. ولكن في حالات – وهذه الظاهرة منتشرة جدا – يتم عمل حسابات وهمية تحمل نفس الاسم والصورة والوصف التي تحمله المنصات الحقيقية ثم تنشر الشائعات والأخبار التي تريد وذلك بهدف الربح او نشر افكار معينة أو أيا كان هدفها تنتحل شخصيات ومحطات إخبارية. هنا يجب التنبه من الصفحات الرسمية والصفحات المزيفة قبل التورط بتصديق ونشر الشائعات، ودعت الحاجة لوضع قوانين وعقوبات لمن ينشر الشائعات ويقوم بعمل الحسابات المزيفة ليحد من هذه الظاهرة ومحاولة ضبطها.
أعتقد أن علينا أن نكون انتقائيين باختيار المحطات والمنصات الإعلامية التي نعتمد عليها حتى لا نقع بفخ التأثير علينا بمتلقيين سذج تستثار مشاعرنا بمجرد ورود وسماع الخبر فتنجح المنصات التي تريد ذلك وتصل إلى الهدف. الأمر اذا كان مقتصرا على التأثير على الانفعالات ربما يكون هينا، فيمكن أن يتعدى إلى أبعد من ذلك من تأثير على الأفكار ومحاولة إقناع متابعيها بمعلومات واعتقادات خاطئة تجعل أصحابها بداخل فقاعة مغلقو العقل غير مبالين بما يحدث ومتمسكين بمعتقدهم الذي بنته بداخلهم هذه المنصات.
نظمية سعد