تمثل الأخبار جانبا مهما في عالم الإعلام في عالمنا المعاصر، وتبقى على الدوام السبيل الفاعل في متابعة الأحداث وتطوراتها في خضم ذلك الكم الهائل منها الذي تجاذبه وسائل الاتصال بمختلف أشكالها، يمثل الخبر عنصرا أساسيا في تلك العملية الإعلامية، سواء في مجال الصحافة أو الإذاعة او قنوات التلفزة وشبكات البث الفضائي.
إنَّ صناعة الأخبار وأساليب إعدادها وإخراجها قد شهدت تطورا كبيرا في سنوات العقد الأخير من القرن الماضي، وقد امتد هذا التطور ليشمل لغة الخبر وطريقة صياغته وتحريره وقوالبه والشكل الذي يصل به إلى المتلقي. لذلك فقد اولى الباحثون، ومازالوا، هذا الموضوع أهمية خاصة انسجاما مع تلك التطورات الكبيرة التي تشهدها الصحافة في نظرتنا إليها كعلم وفن وصناعة.[1]
لا نستطيع الانعزال عن متابعة الأخبار ومعرفة ما يستجد منها من وقائع وأحداث من حولها، خاصة بعد الانفجار الإعلامي والإلكتروني الهائل في السنواتِ العشرين الماضية، وما تلا ذلك الانفجار من تخلُّق قنواتٍ إخبارية خاصة، جاءت لتصدم المشاهد، وتعيد تركيب وعيه بعد أن ظلَّ لعشرات السنين حبيسَ الإعلامِ المحلي، بإذاعته وتلفزيونه وأخباره التي لا تخرج عن نمطٍ واحدٍ معتاد من المهد إلى اللحد. إنّ فكرة إنشاء قنوات إخبارية متخصصة ليست بالقديمة جداً، عطفاً على أمهات القنوات الإخبارية العالمية، وتحديداً قناة سي إن الأمريكية CNN التي كانت أول قناة إخبارية تبث الأخبار عبر ساعات اليوم الأربع والعشرين. كان هذا حدثاً صادماً أيضاً لوعي المجتمع الأمريكي، والذي ما يزال إلى الآن بحسب استطلاعات الرأي العالمية أحد أكثر المجتمعات المتأثرة ببروجندا الأخبار، والمنساقة بعماء لتصديقها، خاصة وأنّ غالبية عظمى من الأمريكيين لا تعبأ بمتابعة القنوات الإخبارية العالمية وأخبارها. مع كل ما سبق فإنّ التأثير الإعلامي للقنوات الإخبارية الأمريكية على وعي الجمهور قد كان كبيراً جداً، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وأحداث الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003م. [2]
بانطلاق القنوات الإخبارية العربية، والتي لم تتأخر كثيراً -زمنياً- عن القنوات الغربية، ويمكن تحديد زمن نشأتها بالعام 1996م، حين أطلت قناة الجزيرة من الدوحة، كأول قناة إخبارية عربية تبث طوال ساعات اليوم، وما صاحب القناة في بدايات بثها من قبول ورفض من فئات كثيرة في المجتمع العربي، بسبب الاختلافات السياسية والايديولوجيا، وبعض المسارات الخاصة والجديدة التي ارتأت القناة أن تسير عليها، ومع اختلاف سياسية القناة بين وقتٍ وآخر تبعاً للظروف والمصالح السياسية، ومع ذلك لم تختلف الشعارات الرئيسة للقناة.[3]
لا يزال سيلٌ هادرٌ من القنواتِ الإخبارية يقتحمُ الفضاءَ إلى لحظتنا الراهنة، وسط أزماتٍ وحروبٍ مستمرة منذ اندلاع حرب الخليج الثانية، مروراً بنشوء التنظيماتِ الجهادية، وأحداث الحادي عشر من أيلول، وغزو العراق، والحرب الإسرائيلية اللبنانية، والأزمة المالية العالمية، وثورات الربيع العربي، وما تلاها من انتكاسات، وسيلان نهر الدم السوري منذ عشر سنوات إلى اللحظة الراهنة. كل هذه الأحداث وغيرها كانت مجالاً خصباً لانتشار القنواتِ الإخبارية، مع وجودِ تباين شاسع بين قناة وأخرى، ولكنَّ الهدف السياسي والايديولوجي والطائفي واضح جداً لكل قناة، من هذه القنوات المتعددة. بعيداً عن تخصيص قناةٍ إخبارية عربية بعينها، وبمرورٍ سريع على كلِّ هذه القنوات، سواء منها تلك التي تحظى بدعمٍ حكومي من دولة المنشأ، أو تلك التي تبدو مستقلة في مواردها وأهدافها. يتضح بهذا المرور السريع أنّ هذه القنوات في الغالب لا تقدم للمتابع لها أكثر من تلك الشعارات البراقة، والتي لا تلبث أن تتحول إلى واقعٍ آخر مغايرٍ تماماً لتلك الشعارات التي تستخدمها كمصيدة للمشاهد، وبوقوعه في هذه المصيدة سيتحول إلى كائنٍ عديم الفكرِ والرأي.
يمكن وضع سلسلة من الأوهام التي تستند عليها تلك القنوات لتأطير ذاتِها بإطارٍ خلاّب، كوهم “المهنية والحياد”، ذلك الوهم الذي يتبدّى على حقيقته في المهنية الفنية الشكلية الإخراجية للخبر…إلخ. بينما لا تكاد المهنية بشقها المعنوي والأصيل تحضر إلاّ حين يكون استدعاؤها في صالح سياسة القناة، وأفضل مثال حقيقي لانعدام المهنية الحقيقية والحياد في هذه القنوات هو برامجها الحوارية والتي يتخذ فيها المذيعُ المُحاوِرُ دائماً دوراً ثانوياً، يصل أحياناً إلى الوقوف بكل فجاجة مع ضيفٍ أو رأيٍ ضد الآخر.[4]
أما فكرة الاستقلالية فهو من أكثر الأفكار التي تشترك فيها جميع القنوات الإخبارية، مع أنّ الواقع الواضح للعيان يثبت أنّ كل قناةٍ من تلك القنوات تابعةٌ بشكلٍ أو آخر لحكومةٍ أو فكرةٍ أو طائفةٍ ما. بنظرة بسيطة في أسلوب صياغة الخبر الواحد بين عددٍ من هذه القنوات يتضح البونُ الشاسع بين قناةٍ وأخرى، فمن قناة لأخرى يتبادل طرفا الخبر دور الضحية والجلاد، والجاني والمجني عليه، دون وازع من ضمير أو أخلاق، وذلك أمر طبيعي في ظل انعدام الاستقلالية، ووضوح التبعية السياسية لهذه القنوات، والمؤسف حقاً هو أن تفتقر بعض القنوات الإخبارية العالمية الناطقة بالعربية أيضاً لاستقلاليتها التي تبدو أكثر وضوحاً في القناة الناطقة باللغة الأم.[5]
إنّ الدور الحقيقي الذي تمارسه القنوات الإخبارية الآن، هو ذات الدور الذي تمارسه الطوائف، والمعتقدات، والمطامع السياسية، بحروبها الدائمة، وأوهام الاستحواذ على الآخر، وإرغامه على الخضوع، وكل هذه الدماء التي تجري في ربوع هذا العالم العربي هي حصيلة ابتدائية لهذه النزَعات والنزاعات الأيديولوجية، التي أصبحت القنوات الإخبارية العربية متبنيه لها، ومنافحةً عنها، وكأنّ صراعنا الآن هو صراعُ وجود، ولم يعد باستطاعة هذه الرقعة من الأرض أن تحتضننا جميعاً بمختلف عقائدنا وآرائنا وأفكارنا.[6]
في طرحنا لسؤال إلى أي درجة\حد بالإمكان الإعتماد على المحطات الإخبارية وصناع الخبر؟ إجابتي إلى حد ما وحد قليل جدا، حيث يتوجب علينا قراءة الخبر من أكثر من مصدر ويفضل مصدر عالمي ومصدر محلي والتفكر للوصول إلى الخبر دون أي توجيه أو تحيز، لأننا مهما أمعنا في متابعة هذه القناة الإخبارية أو تلك فلن “نعرف أكثر” مما تريد القناةُ لك أن تعرفه، وسيكونُ “الرأيُ والرأيُ الآخر” حاضراً أمامك، ولكنّك لن تخرج إلاّ بالرأي الذي تريد القناةُ إيصاله إليك، لأنّ المهم هنا هو أن تظل شعاراتُ القنواتِ فاتنةً مغرية خلاّبة، أمّا واقعها قد يكون مختلف.
فرحان الحسبان
المصادر
[1] صالح شاكر، الخبر الصحفي عنصر اساسي من عناصر العملية الإعلامية، رابط ، تاريخ اخر مشاهدة ١٢/٩/٢٠٢١
[2] عبدالله بيلا، “القنوات الإخبارية.. وصناعة الوهم”، رابط ، تاريخ أخر مشاهدة ١٣/٩/٢٠٢١.
[3]قصتنا :شبكة الجزيرة الإخبارية، رابط ، تاريخ أخر مشاهدة ١٣/٩/٢٠٢١.
[4] عبدالله بيلا، مرجع سابق.
[5]استقلالية وسائل الإعلام، تاريخ اخر مشاهدة 14/09/2021 رابط
[6] الإعلام في مصيدة الإيديولوجيا، رابط، تاريخ أخر مشاهدة ١٤/٠٩/٢٠٢١.