التحيز الإعلامي من هنا وهناك

التحيز الإعلامي من هنا وهناك

مؤخرا، ومع تفشي ظاهرة كورونا والتحول الكبير الذي حصل للعالم وذلك بالتوجه نحو الانترنت والاعتماد الكبير على الهواتف النقالة والأجهزة المحوسبة للاتصال مع العالم وخاصة عندما تم تطبيق سياسة الحظر الشامل لمواجهة تفشي وباء كورونا. كانت  الأخبار عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي تتصدر المشهد واستخدامها من قبل العالم أجمع وللأسف تنتشر الشائعات بشكل كبير في هذا الصدد لأنه لا يوجد سبيل الا تناقل وترقب الاحداث التي سوف يؤول اليها العالم ومعرفة مصيرنا إلى أين؟. لا تستطيع تمييز الأخبار الزائفة من الحقيقية وهل هناك تضليل في الخبر أم هو حقيقي، لا سيما التفنن في التضليل للحصول على إعجابات وتفاعلات على الخبر أو الحدث المنشور.

إن وجودنا بين الجدران وعدم خروجنا إلى الشارع أو العمل أو التسوق كانت بالنسبة الينا فكرة مرعبة وربما مضحكة أحيانا. إذ أنه يشبه وجودك بسجن وروتين خانق لا تفعل شيئا أكثر من تلبية متطلباتك الأساسية للبقاء على قيد الحياة، وامتلاكك هاتف محمول يجعلك تراقب الأحداث ومحاولة شق طريق الأمل لانتهاء هذه الاخبار ورجوع الحياة الى طبيعتها. أصبحت البشرية كلها سواسية مجتمعين على هدف واحد ألا وهو التخلص من الوباء. لإي هذه الأثناء كانت القنوات والدول تلعب الكرة بالشعوب وبدأت بإلقاء اللوم على بعضها البعض واتهام بعضهم بالتصنيع للوباء والتسبب به لتدمير العالم والسيطرة عليه. البعض سماها الحرب البيولوجية، وهناك قنوات وشعوب كانت تؤمن بنظرية المؤامرة التي تفترض أن الفايروس غير موجود وأن هناك حيلة من بقائنا داخل بيوتنا ومنعنا من الخروج. مثل هذه الأخبار هناك أشخاص مهووسين بهذه النظريات التي لا تمت للواقع بصلة، والتي أدت إلى عدم تصديق حقيقة وجود الفايروس وعدم اتباع أساليب السلامة والوقاية الصحية لتجنب الإصابة بالفايروس. مما أدى إلى زيادة أرقام الناس المصابة بأعداد هائلة. ما يجعل من هذه الأخبار الصدى الكبير والانتشار بشكل سريع هو التعتيم الاعلامي والتحيز وانتشار الشائعات وعدم الوثوق بالسلطات والأخبار المعلنة، وذلك يجعل الأفراد والشعوب في حيرة من أمرهم، ما هي الصورة الصحيحة لما يحدث؟

كانت تنشر الولايات المتحدة أن فايروس كورونا المستجد تم تصنعيه عن قصد لتسيطر على العالم. بينما كانت الصين تنشر على القنوات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي أن تم تصنيع الفايروس من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتم زرعه بالصين ليتم القضاء على شعبها وحكومتها. ذلك اصبح جدالا مطولا وتحيزات كثيرة في الإعلام عن أصل الفايروس، ويشعل هذا التضليل الكراهية والعنف والتمييز الطائفي بين الشعوب، وهو ما حصل في تلك الفترة. تشير الحكومات إلى التهديدات التي تشكلها المعلومات المضللة من أجل تنظيم المحتوى على الإنترنت. في العديد من البلدان، تطبق السلطات قوانين لتجريم المعلومات المضللة. على سبيل المثال، تستخدم تايلاند قانون الجرائم الحاسوبية بعد حدوث أي تضليل للمعلومات.

نرجع للوراء قليلا لتوضيح الإعلام في الصين وطبيعته؛ حيث الإعلام الصيني يخضع لإشراف الحزب الحاكم والدولة ويعتبر جزءاً أساسيا لاتباع نظام الحكم في البلاد والذي ينبثق من الحزب الشيوعي. ووضع الدولة في فقاعة للسيطرة على الحكم وذلك من منع أي أحد من التدخل بشؤونها الداخلية، وذلك بحظر كلمات ومواقع معينة عبر الانترنت والمراقبة المستمرة للشعب. وممارسة التشدد الكبير على الصحفيين الصينيين إذا كان هناك أي خروج عن النص من ناحية النشر والتقارير والأخبار.

حيث حظرت موقع البي بي سي وموقع وورلد نيوز من الصين باتهامها انتهاك قواعد البث، أي أن الصينيين لا يستطيعون رؤية هذه المواقع، حيث أنها انتقدت الصين هذه المواقع بسبب تقاريرها بما يتعلق فايروس كورونا ومسلمين الايغور في الصين. وكان رد البي بي سي أنها تشعر بخيبة أمل لأنها تعتبر الأكثر ثقة ونزاهة، كما انتقدت وزارة الخارجية الأمريكية هذا القرار والذي اعتبرته حملة لقمع وسائل الإعلام في الصين. تضع الصين مئات الاف المواطنين للدفاع عن الصين والتأثير على الرأي العام وتدفع الدولة لهم مقابل كل منشور يتم نشره. ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي مئات الحسابات الالكترونية الصينية التي هدفها الأساسي الدفاع عن الصين بشراسة ومحاولة حمايتها بصورتها الخارجية أمام البلاد الأخرى. وعندما يتم التغريد أو النشر باللغة الانجليزية تكون الرسائل موجهة للجمهور الغربي.

بالنسبة للقارئ غير المتفحص تبدو أنهم مواطنين عاديين يتصرفون بشكل طبيعي، لكنهم يتلقون توجيهات من السلطة الصينية. وأوضحت ذلك فيس بوك وتويتر بعد اجراء تحقيقات وتتبع لهؤلاء الأشخاص. في المقابل يتم سجن أي مواطن أو صحفي بتهم عدة إحداها “السعي لإحداث بلبلة وإثارة المتاعب” الذي سجنت فيها الصحفية زانغ زان وذلك لتغطيتهم أحداث كورونا وأحداث أخرى لا تريد السلطات الصينية تغطيتها للعالم. بذلك يفتقر الإعلام في الصين إلى الحرية والتعبير عن الرأي وتبرز محاولات القمع والتضليل الإعلامي فيها. نذكر أيضا الطبيب الصيني لي وينليانغ الذي حذر من انتشار فايروس كورونا الخطير في مستشفى ووهان في الصين في بدايته والتي قمعته وهددته الشرطة حينها ليصمت، إلى أن توفي جراء إصابته بهذا الفايروس.

إن مثل هذه المعلومات تعتبر صادمة لنا بخضم التطور الهائل للتكنولوجيا وحرية التعبير عن الرأي ومحاولة اكتشاف معلومات جديدة. كيف يمكن قمع طبيب لاكتشافه فايروس خطير وعدم تصديقه واتهامه “بالإدلاء بتعليقات غير صحيحة” ترتب عليها “إخلالا جسيما بالنظام العام”!. ذلك يعني أنه ينشر الشائعات غير صحيحة دون التفحص و التأكد من دقة المعلومات من قبل الدولة والذي يترتب عليه زعزعة الحكومة والسلطات الصينية كما يزعمون، لتحيزهم الشديد للسلطة ولطبيعة الحكم فيها.

لاسيما الصدى الإعلامي الذي حدث عن مسلمي الإيغور بالصين، من حملات الاعتقال الجماعية التي حدث، وكانت مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أكدت تلقيها الكثير من التقارير الموثوقة حول احتجاز نحو مليون شخص من أقلية الايغور في “مراكز مكافحة التطرف”، وتم التثبت من ذلك عبر الأقمار الصناعية. دأبت الصين على نفي قيامها بسجن المسلمين دون محاكمة، وكانت تتهم الصين من تصفهم بالمتشددين الإسلاميين بإثارة الاضطرابات في الإقليم وأنه يتم إعادة تثقيفهم وأنهم هم من يأتون إلى هذا المكان باختيارهم. بالإضافة لردها على الانتقادات الدولية بالتأكيد على هذا الوصف أنه مكان تعليم، حيث يظهر على التلفاز صفوف نظيفة ومعدة بعناية وطلاب مندمجين. بالاضافة لاستخدامهم اساليب عنيفة للتعامل مع المسلمين، كان يتم إجبارهم على العمل بمحاقل القطن، واجبار نسائهم على الاجهاض. بالتأكيد يتم تعتيمها لكل ما يحدث بداخل هذه المدينة ومنع أي أحد من الوصول إليها أو نقل الأخبار بصورتها الصحيحة.

نتيجة لذلك فقد ينتج عن كل هذه الممارسات الكراهية والعنف وعدم الإنسانية أو التفكير بمصلحة العامة، الذي وصل بنا هذا التحيز والتعتيم الإعلامي إلى انتشار وباء عالمي لم يكن بالحسبان. مما يخلق نزعات وصراعات داخلية وخارجية وانقسامات عديدة بين الدول والشعوب.

نظمية سعد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *