مدى التحيز الإعلامي في الصين من خلال أحداث فبراير 2021

مدى التحيز الإعلامي في الصين من خلال أحداث فبراير 2021

حسب وسائل إعلامية صينية، أعلنت الإدارة الوطنية الصينية للإذاعة والتلفزيون (NRTA) تعليق بث “بي بي سي وورلد نيوز”، نظرا لأن بعض تقارير الشبكة عن الصين تنتهك مبادئ المصداقية والحياد في الإعلام. قال مراقبون صينيون إن “بي بي سي” تحولت إلى “طاحونة إشاعات” تتعمد إلقاء الوحل على الصين، وأن قرار تعليق بثها يبعث رسالة واضحة مفادها أن الصين لا تقبل الأخبار الكاذبة. صرح وانغ سيكسين أستاذ القانون في جامعة الاتصالات الصينية، بأن تعليق بث “بي بي سي وورلد نيوز” يعني أنه لا يمكن استقبالها في أي مكان في البر الرئيسي الصيني بعد الآن، وأضاف أن الإعلان عن ذلك عشية رأس السنة الصينية الجديدة، هو إظهار موقف الصين وجذب المزيد من انتباه الجمهور. وأكد أن “بي بي سي” لا تكلف نفسها عناء إخفاء خطابها المناهض للصين، وكلفت ما يسمى بـ”خبير” مناهض للصين بالبحث واستخدام مواد ملفقة للتشهير… “لقد استحقت مثل هذه العقوبة”.[1]

حسب “بي بي سي وولرلد نيور” في 11 شباط/ فبراير حظرت السلطات الصينية بث “بي بي سي وورلد نيوز”، متهمة إياها بانتهاك قواعد البث “بشكل خطير”. انتقدت الصين “بي بي سي” بسبب تقاريرها عن تفشي فيروس كورونا واضطهاد أقلية الإيغور. وأعربت “بي بي سي” عن خيبة أملها من قرار السلطات الصينية، الذي جاء ذلك عقب قيام هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية “أوفكوم” بإلغاء ترخيص بث شبكة تلفزيون الصين الدولية في المملكة المتحدة، وقالت إدارة الأفلام والتلفزيون والإذاعة الحكومية الصينية في قرارها، إن تقارير “بي بي سي وورلد نيوز” حول الصين تبين أنها “تنتهك بشكل خطير” إرشادات البث، بما في ذلك “شرط أن تكون الأخبار صادقة وعادلة” وألا “تضر بالمصالح الوطنية للصين”، وقالت إن طلب “بي بي سي” للبث لمدة عام آخر لن يتم قبوله.[2]

تعد “بي بي سي” هيئة البث الإخبارية الدولية الأكثر ثقة، وهي تقدم تقارير من جميع أنحاء العالم بشكل عادل ونزيه ودون خوف أو محاباة”. تبثّ قناة “بي بي سي وورلد نيوز” باللغة الإنجليزية، ولا يسمح ببثّها في الصين إلا في الفنادق العالمية وفي بعض المجمعات الدبلوماسية، أي أن معظم الصينيين لا يستطيعون مشاهدتها. وصف وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب الخطوة بأنها “تقييد غير مقبول لحرية الإعلام”، كما انتقدت وزارة الخارجية الأمريكية القرار الصيني، قائلة إنه جزء من حملة أوسع لقمع وسائل الإعلام في الصين.[3]

قالت محطة “أر تي أتش كاي” (تلفزيون وإذاعة هونغ كونغ)، الممولة من القطاع العام، إنها ستعلّق بثّ خدمة “بي بي سي” العالمية. وكانت تبثّ في السابق يومياً من الساعة الحادية عشرة ليلاً إلى الساعة السابعة صباحاً. ومع ذلك، لا تزال برامج قناة “بي بي سي وورلد نيوز” متاحة في هونغ كونغ، ومن المتوقع أن تحتفظ هونغ كونغ – المستعمرة البريطانية السابقة – ببعض الحقوق والحريات، ومن ضمنها حرية الصحافة حتى عام 2047، كجزء من اتفاق التسليم بين الصين وبريطانيا.[4]

قال رئيس جمعية الصحافيين في هونغ كونغ كريس يونف كين-هينغ إنّ القرار بشأن خدمة بي بي سي “مزعج ومقلق”. كما وصف اتحاد العاملين في “تلفزيون وإذاعة هونغ كونغ” القرار بأنه “مؤسف للغاية”، وأضاف “تحت سياسة بلد واحد ونظامين، لم نشاهد مطلقاً هونغ كونغ مطالبة باتباع قرارات إدارة الإذاعة والتلفزيون والسينما الصينية الرسمية من قبل”، وقالت متحدثة باسم “بي بي سي”: “ندين هذا القرار من قبل السلطات الصينية، الوصول إلى أخبار دقيقة ومحايدة هو حق أساسي من حقوق الإنسان ولا ينبغي حرمان سكان هونغ كونغ والبر الرئيسي للصين منه، حيث يعتمد الملايين منهم على بي بي سي نيوز كل أسبوع”. رفضت بي بي سي الاتهامات بالتحيز، وقالت إنها ستبذل قصارى جهدها لنقل الأخبار إلى جمهورها الذي “سيظل قادرا على إيجاد طرق للوصول إلى بي بي سي”. تأتي خطوة منع البث في الصين وفي هونغ كونغ بعد قيام هيئة تنظيم الاتصالات في بريطانيا (أوفكوم) بإلغاء ترخيص شبكة تلفزيون الصين الدولية إثر اكتشاف أن الترخيص تملكه شركة “ستار تشاينا ميديا” بصورة غير قانونية.[5]

شهدت العلاقات بين الصين والمملكة المتحدة تدهوراً خطيراً في الأشهر الأخيرة بسبب هونغ كونغ، حيث أصدرت بكين قانوناً أمنياً جديداً مثيراً للجدل بعد احتجاجات واسعة مؤيدة للديمقراطية. في يناير/كانون الثاني 2021، استحدثت المملكة المتحدة تأشيرة جديدة تمنح 5.4 مليون من سكان هونغ كونغ الحق في العيش في المملكة المتحدة وأن يصبحوا مواطنين في النهاية لأنها تعتقد أن الصين تقوّض حقوق وحريات الإقليم, وفي العامين الماضيين، كانت الصين تحظر بشكل منهجي وسائل الإعلام الأجنبية، بما في ذلك طردها لصحفيين يعملون لصالح ثلاث صحف أمريكية في عام 2020.[6]

في فبراير/شباط 2021، نشرت “بي بي سي” تقريراً يتضمن مقابلات مع نساء من الإيغور قلن إنهن تعرضن للاغتصاب والاعتداء الجنسي والتعذيب بشكل منهجي في معسكرات “إعادة التأهيل” في الصين. اتهمت وزارة الخارجية الصينية “بي بي سي” حينها بتقديم “تقرير كاذب”، وقالت الولايات المتحدة في حينها إن الصين ارتكبت “إبادة جماعية” في قمعها للإيغور وغيرهم من الإقليات المسلمة. وفقاً للتقديرات، احتجز أكثر من مليون شخص من الإيغور والأقليات الأخرى في معسكرات في الصين، وتنفي الصين اضطهاد الإيغور، وقال سفير الصين في المملكة المتحدة ليو شياومينغ لمراسل “بي بي سي” أندرو مار العام الماضي، إنّ التقارير عن معسكرات الاعتقال “مزيفة”، مشيرا إلى أنّ الإيغور حصلوا على المعاملة نفسها بموجب القانون، مثل الجماعات العرقية الأخرى في البلاد.[7]

أخيرا، يتبين لنا مدى التحيز الإعلامي في الصين وتقييد الحريات فيها، ويرجع ذلك إلى أسباب كثيرة أهمها الأسباب السياسية حيث إن طبيعة النظام السياسي في الصين معقدة، بحكم رغبة السلطة في السيطرة على الشعب، وأسباب لها علاقة بعدد السكان وبرغبة السلطة في حفظ النظام والأمن على حسب تعبيرهم.

فرحان الحسبان

المصادر:

[1] الصين تحظر بث “بي بي سي وورلد نيوز”، رابط ، تاريخ أخر مشاهدة ٥/٩/٢٠٢١.

[2] الصين تحظر بث “بي بي سي وورلد نيوز”، رابط ، تاريخ أخر مشاهدة ٥/٩/٢٠٢١.

[3] الصين تحظر بث “بي بي سي” وبريطانيا: انتهاك غير مقبول لحرية الإعلام، رابط ، تاريخ أخر مشاهدة ٧/٩/٢٠٢١.

[4]  تلفزيون وإذاعة هونغ كونغ ، رابط ، تاريخ أخر مشاهدة ٦/٩/٢٠٢١.

[5] “بي بي سي”، مرجع سابق.

[6] “بي بي سي”، مرجع سابق.

[7] مسؤول للجزيرة: نساء من الإيغور تعرضّن للاغتصاب، رابط ، تاريخ أخر مشاهدة: ٧/٩/٢٠٢١.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *