“الله يهدي النفوس و حنا شعب واحد” كلماتٌ ترددت على لسان الكثير من شعوب خمس دول عربية إثرَ خلافٍ سياسي!. هذا الخلاف الذي دفع أربع دول لفرض حصار مطبق على دولة صغيرة في المساحة وغنية في المشتقات النفطية وخاصة الغاز. أسماه البعض حصاراً و أسماه البعض الآخر مقاطعة، ولكن ما فائدة القيل والقال طالما أن النتيجة واحدة؟! شعبٌ تجمَّع في دولة حدودها مغلقة بشكل كامل مع الدول المحيطة بها ولم يبقى لهم سوى منفذ بحري كمتنفس وحيد من أجل الصمود ومقاومة مافرض عليه. “مارح نرضخ للحصار ولشروطهم” هذا كان الرأي الغالب داخل المجتمع المحاصَر، التفاف شعبي قوي حول قيادة عملت جاهدة خلال سنين كثيرة ماضية على النهوض بالمستوى الإقتصادي وقد احتلت هذه الدولة بحسب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المرتبة الأولى عالميا من حيث حصة الأفراد من الناتج القومي والذي بلغ 129 ألف دولار لكل فرد. قيادة سعت لإنشاء مجتمع واعٍ ومثقف ومتعلم على جميع الأصعدة مما دفع هذا الشعب نفسه للوقوف يدا بيد إلى جانب حكومة بلده التي أكيلت لها الآلاف من التهم عبر أشهر وسائل الإعلام العربية والعالمية منها حتى.
إزرع خيراً تحصد خيراً، بهذه الكلمات يمكن تلخيص قصة تعامل تلك الحكومة مع شعبها على مرِّ سنوات كثيرة والتي ساهمت بالنهاية إل خلق ما يمكن تسميته بالأمن المجتمعي والذي يمكن تعريفه بأنه القدرة المستمرة لمجتمعٍ ما على إستثمار جميع الموارد المتاحة له سواء أكانت ثقافية، أخلاقية، دينية أو ماكان يرتبط منها بالحياة المادية مثل الطاقة، الاتصالات، النقل، الغذاء الخ. واستخدامها في مجابهة التحديات والضغوطات وبالتالي مقاومتها والتعافي منها (مثل حدوث أزمة اقتصادية خانقة أو حتى حدوث كارثة طبيعية) وهذا ما يعطي أفضلية للمجتمع بالنمو والتكيف بعد وقوع تلك الكارثة. من هنا، فإن مفهوم الأمن المجتمعي يدور حول توفير حالة من الأمن والاستقرار والشعور بالطمأنينة في ذلك المجتمع بحيث يكون بإستطاعة الأفراد التفرغ التام لجميع أعمالهم الإعتيادية واليومية، وفي حال غياب ذلك الأمن فإن ذلك سيجعل المجتمع في حالة من الشلل والتوقف، فإنطلاق الفكر و الإبداع لا يزدهران إلا في حالتي السلام والإستقرار.
من ناحيةٍ أخرى، يعتبر الأمن المجتمعي لبنةً أساسية في بناء مجتمع حديث وعاملا أساسيا في حماية منجزاته والسبيل لرقيه وتقدمه لأنه يؤمن بيئة آمنة للعمل والبناء والإبداع ويبعث الراحة في النفوس ويشكل حافزاً لتحقيق ذلك والإنطلاق إلى المستقبل. يتحقق الأمن من خلال وجود توافق وإيمان بالثوابت الوطنية التي توّحد أفراد المجتمع على إختلافهم وبالتالي فإنه من السهولة في هذه الحالة إستثمار الطاقات للوصول إلى الأهداف المنشودة والتي تقع تحت عباءة القيم والمثل العليا وتحقيق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وتكامل الأدوار. بالتأكيد فإن وجود الأمن يساهم في الإندماج الإجتماعي الذي يسهم في تثبيت قواعد العدل والمساواة في الحقوق والواجبات دون النظر إلى الدين والعرق والمذهب مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية لكل الأفراد.
ينطوي الأمن الإجتماعي على أبعاد مختلفة تساهم في تشكيل حياة مستقرة للمجتمعات ويعتبر أول هذه الأبعاد هو البعد السياسي الذي يتجسد في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة وحماية مصالحها واحترام جميع رموزها الوطنية والثوابت التي تم الإجماع عليها من قبل أفراد الشعب وعدم الذهاب لطلب الرعاية من جهات خارجية تعمل وفق أجندات غير وطنية مهما تنوعت المبررات لذلك وفتح المجال لحرية التعبير تبعا للقوانين والأنظمة التي تكفل ذلك بالطرق السلمية التي تأخذ بالحسبان أمن الوطن و استقراره. أما البعد الإقتصادي فهو البعد الذي يطمح لتوفير أسباب العيش الكريم والإحتياجات الأساسية ورفع مستوى الخدمات مع العمل في آن واحد على تحسين ظروف المعيشة ورفع الدخل السنوي للأفراد وخلق فرص عمل من أجل تقليل نسبة البطالة في ذلك المجتمع والعمل في آن واحد على تطوير برامج التعليم والتأهيل والتدريب ومواكبة روح العصر ومتطلبات الحياة الراهنة.
أمّا بعد الأمن المجتمعي فهو ذلك البعد الذي يسعى إلى توفير الأمن لأفراد المجتمع بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالولاء واللإنتماء والعمل بشكل حثيث على زيادة قدرة مؤسسات التوجيه الوطني لنشر الروح المعنوية وزيادة الإحساس الوطني بالإنجازات الوطنية واستثمار المناسبات الوطنية التي تهدف إلى تعميق الإنتماء والعمل على إنشاء مؤسسات مدنية تساهم في توجيه الطاقات واكتشاف المواهب وتدعيم فكرة الأعمال التطوعية لتكون قادرة على رفع قدراتها للقيام بواجباتها كمساند وداعم للمؤسسات الحكومية في كافة المجالات.
يواجه الأمن المجتمعي تهديدات وتحديات تسعى إلى نقص دعائمه ومن تلك التحديات الإنحراف والذي يسعى للإبتعاد عن المسار المحدد واتخاذ الطريق الخطأ مثل الجرائم والإعتداء على الأنفس والممتلكات، أو تلك التي تستهدف المنظومة الإجتماعية مثل الحرابة والاحتكار. أما المخدرات فإنها تعتبر من أفتك الآفات التي تقلق وتهدد المجتمع لما تبقيه من آثار سلبية على صحة النفسية والعقلية والجسدية وتبديد للطاقات والثروات ولما تتركه من كسل وا استهتار تخرب معه العلاقات الإجتماعية وتشكل نافذة لإرتكاب جرائم أخرى كالتحرش والإغتصاب والسرقة.
من الناحية الأخرى، يمتلك المجتمع مكونات أساسية تساهم في الضبط الإجتماعي ومعالجة الإختلالات الناشئة من خلال دراسة الظواهر الإجتماعية السلبية والوصول إلى أسبابها ورسم خطط ناجحة لحل تلك الأسباب حيث تتولى المؤسسات الرسمية في الدولة مهمة مواجهة تلك الأخطار ورسم صورة مستقبلية تسعى لتحسين الأوضاع المعيشية. الخطط التنمموية تكشف الدخل المعيشي للأفراد وتسعى لزيادته. كما تقوم المؤسسات التربوية بإنشاء جيل واع ومثقف ذو معرفة ليكون جيشا للمستقبل. أما تلك الأمور التي تتعلق بالجرائم فإن الدولة بما تملك من أجهزة أمنية وقضائية واستخباراتية تعتبر قادرة على تجفيف منابع الجريمة إضافة إلى الدعم الذي تقدمه مؤسسات المجتمع المدني منها والشبابية وغيرها ومن هن يبرز الدور الهام لدور العبادة والجمعيات الخيرية في الحث على المكارم وتهذيب الأخلاق والتحذير من الفتن. يبقى الأمن المجتمعي الموضوع الشاغل لجميع مكونات المجتمع الحكومية منها والمدنية، تلك المكونات التي تسعى كل منها بقدم وساق لتعزيزه وترسيخه بشتى الوسائل والطرق مما يعني أن المسؤولية مرتبطة حتى بنا كأفراد للمساهمة في ذلك.
عبدالمعين دبدوب