“جبت المركز الأول عالصف يمه، خلي أبوي يشتريلي تلفون زي ما وعدني” بهذه الكلمات عبّر الشاب سامي، 17 عاما، عن فرحته بالتفوق وانتظاره لهديته الموعود بها قبل 8 أشهر. أحضر له والده هاتفا جديدا وكان السرور يعمّ جميع تفاصيل جسمه الممتلئ . أيام قليلة مضت وقد بدا على وجه هذا الشاب التعلق بهاتفه يوما فأكثر بسبب ارتباط ذلك الهاتف مع عالم الانترنت اللامحدود حتى أنه يصبح يمضي أكثر من نصف وقته عليه. “صار كتير نحيف وبطل ياكل ويشرب زي الناس، وما كان يقبل يطلع معنا أي مشوار ويضل بغرفتو، صار شارد الذهن وبطلو عندو أي مسؤولية، حتى صار ينعزل عن اخوانوا ويضلو وحيد” هكذا قالت أم سامي عن طفلها بعد مرور شهرين على اقتناءه للهاتف المحمول، حالة من الضياع يعيشها الأهل في التعامل مع إبنهم بعد أن اقتحم ذلك الجهاز الصغير حياة طفلهم المدلل و أصبح أقرب إليه منهم.
ماهو الإنتباه؟ وماهي أنواعه؟ وماهو إقتصاد الإنتباه؟ وكيف يستخدم عالميا؟
يعرّف الإنتباه بالقدرة على استخدام حاسة أو أكثر في التركيز مع مثير داخلي كفكرة أو إحساس أو مع مثير خارجي كالتركيز مع شخص أو صورة. ويقسم الإنتباه من حيث منبهاته إلى ثلاثة أقسام وهي الإنتباه الإرادي والإنتباه اللاإرادي و الإنتباه الإعتيادي. لا يعني هذا بالضرورة أنه يمكن فصل كل قسم عن الآخر وإنما لا توجد فواصل بين هذه الأنواع الثلاثة من الإنتباه حيث أنه من المحتمل أن تتداخل ببعضها البعض أحيانا.
يحدث الإنتباه الإرادي حيث نركز إرادتنا على توجيه الإنتباه نحو شيء معين مما يتطلب مجهودا ذهنيا مثل إنتباه الطالب إلى دكتوره في المحاضرة أو إلى حديث جاف يدعو إلى الملل. يتوقف مقدار الجهد المبذول على قوة الدافع أو وضوح الهدف من الإنتباه وهذا النوع من الإنتباه لا يشمل الأطفال عادة حيث أنهم لا يملكون قوة إرادية أو صبرأ أو قدرةً على بذل الجهد. أمّا الإنتباه اللاإرادي أو ما يسمى بالقسري فيه يتجه الإنتباه إلى المثير على الرغم من إرادة الفرد كالإنتباه إلى ألم أو وخز مفاجئ في بعض أجزاء الجسم فيفرض المثير نفسه دون إذن فيرغمنا على إختياره دون سائره من المؤثرات. يتجه الإنتباه التلقائي (الفردي) إلى ما يهتم به ويميل إليه الأفراد، وهو إنتباه لا يبذل الفرد في سبيله جهدا، بل يمضي سهلا يسيرا.
ترتبط عملية إدمان الهاتف و الإنترنت بحالة من “التبعية” التي تصبح عند استخدام مواد تودي للإدمان مثل المخدرات والكحول وغيرها. وعلى الرغم من أنّ الثورة الرقمية والمعلوماتية ساهمت بشكل كبير في ازدياد نمو الاقتصاد العالمي على مرّ السنوات الماضية إلّا أنّها أصبحت تشكل عقبة كبيرةّ أمام مواصلة نمو وازدهار الإقتصاد العالمي بشكل مطرد. فقد أصبح “إقتصاد الإنتباه ” سلعة نادرة حيث أنها تعتمد بشكل رئيسي على التركيز الأمر الذي نملك الكثير منه. يمكن تشبيه الإنتباه بعين الإعصار في فوضى المشاعر والحواس فتمثل عين الإعصار النقطة الثابتة في المنتصف والمعزولة عن المحيط المتحرك من حولها.
كان أول من تبنى مفهوم “إقصتاد الإنتباه” هو هربرت الكسندر سايمون عام 1973م وهو عالم سياسي واقتصادي أمريكي حيث وضّح أن التدفق الهائل للعلومات ينتج عنه بشكل تلقائي ضعف في الإنتباه يستدعي إلى تحديد أفكار المخ من الأشد أهمية إلى الأقل وبالتالي التركيز على معلومة بحد ذاتها. من خلال هذا الكسل المنتشر عند البشر فإننا نميل إلى إحتضان هذا الطوفان المعلوماتي على أساس أنه الأداة السحرية لإشباع رغبتنا. أكد آمون بعقوب عالم الإجتماع المتخصص في الإدمان أنه خلال السنوات العشر الماضية قد تضاعفت ثلاث مرات الأوقات الضائعة على الشاشات ويقسّم هذا الوقت بين أجهزة الهاتف المحمول أو الكمبيوتر المتصلة بالإنترنت في أغلب الأوقات. بهذا أصبح الإنسان لصيبح إنسانا رقميا في خطوات أدت في نهاية المطاف إلى إرتفاع نسبة إضطراب إدمان الإنترنت.
هذا الإدمان كان نتاجا للتكنولوجيا الحديثة عن طريق استخدام الخوارزميات كما تفعل المحركات البحثية والشبكات الإجتماعية في العالم الإفتراضي. قد يتم إستغلال إقتصاد الإنتباه في أمور سياسية أيضا كما تحدث الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” في لقاء مع المذيع ديفيد ليترمان إلى استخدام الإدارة الأمريكية لإقتصاد الإنتباه من أجل جذب الناخبين أو جمع تأييد شعبوي مع حزبه ضد حزب آخر أو دولة ضد دولة أخرى، وهو مايحدث بطريقة تجعل المستخدم بالظن بأنه صاحب رأي حر ومستقل خلال لجوءه إلى التصفح الإلكتروني. لكن الحقيقة التي تحدث على أرض الواقع هو وجود شركات تكون على معرفة مسبقة بإهتمامات الآخرين المختلفة من خلال المضي بتحليل بيانات الملايين وربما مئات الملايين من المستخدمين وهي تستخدم ذلك كله من أجل جذب إنتباههم إلى قضايا معينة أو تثبيتا لقواعد وأفكار محددة في عقولهم. المستهلك الأمريكي مثلا تبعا لدراسة أجراها أحد المراكز يستقبل 254 نص دعائي كل 24 ساعة والأمر الوحيد الذي تسعى هذه الرسائل للوصول إليه هو الإنتباه.
يرى جون هاغل المستشار الإداراي، بأن تأثير التكنولوجيا الرقمية الحديثة وتزايد طلب الشركات للحصول على الإنتباه كان واضحا مع الهبوط الحاد في إنخفاض متوسط فترة التركيز من 12 ثانية إلى 8 ثوان في السنوات ال20الماضية. أما على المستوى الشخصي، فيتجه ملايين من الناس لأن يثيروا إنتباه الآخرين من خلال نشرهم لكتاباتهم وقصصهم وغيرها من الأمور وحتى لا يتم محوهم أيضا بدلا من أن يكون لديهم أطفالا وأحفادا فنحن نعرض شخصياتنا الإفتراضية للأجيال القادمة.
أخيرا، يبقى المستقبل مليئا بأزمات إداراة الإنتباه، مما يفرض علينا أن نكون مدركين وواعين بما فيه الكفاية لأهمية توزيع إنتباهنا لجميع الأشياء من حولنا. التقنية المسببة لهذه المشكلة لن تكون حلاً في تنقية الإنتباه ومعرفة المهم من غير المهم بالنسبة لنا وسنبقى في وضع إجباري للتضحية بقسم من الوقت في سبيل تصنيف الرسائل والتخلص من غير الرغوب فيها. على الجانب الآخر، ستتضاعف الرسائل الإعلانية والتسويقية شراسة في محاولة منها للسيطرة على تركيزنا ومعها سيتم إبتكار وإختراع أدوات جديدة لفعل ذلك، فهل سوف نصل إلى مرحلة نعي أهمية إدارة الإنتباه؟
عبدالمعين دبدوب