في البداية سأتحدث حول الشرعية، ففي علم الاجتماع والسياسة والقانون والدين، تعتبر الشرعية وصف يمنح لفعل أو شخص على أنه ضمن إطار القانون أو الشرع المأخوذ به[1]، ومن المعروف أن التحيز الإعلامي أمر غير شرعي وغير قانوني وهذا ما سأوضحه في هذا المقال. عالميا، المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، تناولت حرية الرأي والتعبير ” لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير،… وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود”[2]. أما المادة 19 العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، تناولت، حرية الرأي والتعبير وعدم التحيز الإعلامي أيضا “… لكل إنسان حق في حرية التعبير. يشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود…”. وتم تناول أنواع حرية التعبير التي تُحظر بموجب القانون، في المادة 20 من هذا العهد: “تحظر بالقانون أية دعاية للحرب وتحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف”[3].
أما بالنسبة للقرارات مجلس الأمن فهي كثيرة وأهمها:[4]
– القرار رقم 59 لسنة 1946، الذي يعلن “أن حرية تداول المعلومات حق من حقوق الإنسان الأساسية، وهي المعيار الذي تقاس به جميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة جهودها لها، وأن أحد العناصر التي لا غني عنها في حرية الإعلام هو توافر الإرادة والقدرة على عدم إساءة استعمالها”.
– القرار رقم 110 لسنة 1947، والذي يدين “الدعاية التي تستهدف إثارة أو تشجيع، أو يحتمل أن تثير أو تشجع، أي تهديد للسلم أو خرق للسلم تعتبر عمل من أعمال العدوان”.
أما جهود منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة – اليونسكو، فقد أصدرت اليونسكو عدة إعلانات وقرارات تدعم حرية الصحافة وعدم التحيز الإعلامي استنادا إلى ميثاق تأسيسها الذي ينص على إيمان الدول الأطراف بـ ” … التماس الحقيقة الموضوعية دونما قيود، وحرية تبادل الأفكار والمعارف،… سعيا وراء التفاهم المتبادل وطلبا لوقوف كل منها، بصورة أصدق وأكمل، على أنماط حياة الشعوب الأخرى”. ومن قرارات وإعلانات اليونسكو:
– القرار الذي اعتمده مؤتمرها العام المنعقد في سنة 1970 حول “إسهام وسائل إعلام الجماهير في تعزيز التفاهم والتعاون على الصعيد الدولي، خدمة للسلام ولرفاهية البشر، وفي مناهضة الدعاية المؤيدة للحرب والعنصرية والفصل العنصري والكراهية بين الأمم.. “.
– وإعلانها الصادر عن مؤتمرها العام، المنعقد سنة 1978، بشأن “المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب”.
– إعلان ويندهوك عاصمة ناميبيا، الصادر في مايو 1993، والذي اتخذ فيه قرار الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من مايو كل عام، وقد تضمن ذلك الإعلان “المبادئ الأساسية لحرية الصحافة” التي وضعها الصحفيون الأفارقة، واعتمدها المؤتمر العام لليونسكو، وتدعو الوثيقة “لوسائل إعلام مستقلة وحرة وقائمة على التعددية في جميع أنحاد العالم”، معتبرة أن الصحافة الحرة أمر لا غني عنه لتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان في أي دولة، كما حث الإعلان البلدان الأفريقية على سن تشريعات تكفل وجود نقابات للصحفيين تكفل لهم ممارسة واجباتهم في الدفاع عن حرية الصحافة.[5]
وطنيا، الفقرة 1 من المادة 15 من الدستور الأردني، تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني ان يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ان لا يتجاوز حدود القانون، كما تنص المادة السابعة من الدستور ذاته، على أن الحرية الشخصية مصونة وأنّ كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة، أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون [6]. أما المبادئ الأخلاقية التي تحكم سلوك الصحفيين والمؤسسة الإعلامية، فتكاد تكون متماثلة حول العالم، وهي تشمل:[7]
- الدقة في نقل المعلومة في الخبر والرأي، واللغة المباشر والواضحة، والصورة.
المصداقية في الالتزام بجميع المبادئ المهنية والدقة والموضوعية في مواجهة السلطة بالوقائع ومطالبتها بكشف الحقيقة.
الحياد والتجرد من الانحياز أو تأثير الأفكار المسبقة.
النزاهة والاحترام الاستقلالية وعدم التحيز ركائز مهمة في تقديم المعلومات دون محاباة أو خوف
الموضوعية الالتزام بالموضوع، والوزن السليم للأدلة والوقائع والفرص المتكافئة للأطراف.
مبدأ عدم التمييز، مراعاته بصفة دائمة لأن الإنسان كونه إنسان يظل هو المحور بغض النظر عن دينه، أو لونه، أو لغته، أو عرقه، أو جنسه، او رأيه السياسي، أو غير السياسي أو أصله الاجتماعي أو وطنه، أو مركز والديه.
والتوازن في تقديم وعرض المحتوى بما يكفل الحق للرأي والرأي المخالف.
خلاصة القول، إن ما أوردناه من أمثلة تشرع حرية الرأي وتمنع التحيز الإعلامي، يعمل على تعزيز من مسؤوليات وواجبات الدول في كفالة التمتع بالحق في حرية الصحافة وممارستها، وعدم التدخل في انتقاصها، أو انتهاكها، وعدم التحيز الإعلامي. وقد حددت غاياتها بأن تحقق مقاصد الأمم المتحدة في احترام مبادئ ومعايير حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية المتأصلة في كل فرد دون تميز، ويفرض كذلك التزامات قانونية وأخلاقية تجب مراعاتها من قبل وسائل الإعلام والصحفيين. يبقى السؤال، هل التحيز الإعلامي يفقد القضايا المهمة للشارع وللعامة شرعيتها؟ ويحتمل السؤال عدة إجابات لها علاقة بالمنظور الذي يملكه صاحب الإجابة، فمثلا إجابتي تعتمد على المتلقى للخبر،فإذا كان المتلقى مثقف إعلاميا وقانونيا ستكون إجابتي لا يفقدها شرعيتها، فبالرغم من مساوئ التحيز الإعلامي، لكن هذا برأيي يأثر بشكل أكبر على القضايا ويعطي لها اهتمام ، وسأبين ذلك من خلال الأمثلة، لكن إذا كان المتلقي للخبر غير مثقف للأسف سيؤثر على شرعيتها بمنظوره.
مثالي على لا، في 6 أيلول/سبتمبر من عام 2015، أوضحت وسيلة الإعلام المحلية Nord Littoral بأن الإطفاءين تدخلوا لإخماد حريق في غابة بإحدى غابات كاليه، حيث أقام فيها بعض اللاجئين الخيام في منطقة كاليه بعد أن وزعت بعض الجمعيات عليهم الملابس. في اليوم التالي، نشر موقع Fdesouche خبر الحادثة والصورة بعنوان “الجمعيات تعطي اللاجئين المهاجرين الملابس وهم يحرقونها”، وهذا استنتاج متسرع من أجل إثارة المتلقي والذي يعد إحدى أنوع التحيز الإعلامي. أيضاً، موقع Riposte Laique تحدث عن أن اللاجئين يرفضون الأطعمة غير الحلال، واستندوا إلى فيديو صور عند الحدود بين مقدونيا واليونان، وتوضح المقالة أن المهاجرين رفضوا الطعام لأن الطرود الغذائية تحمل رمز الصليب الأحمر. لكن، إذا كان الفيديو صحيحا، إن هذه المعلومات كاذبة، وإن التعميم وعدم كفاية الأدلة يعد إحدى أنواع التحيز الإعلامي، وتبين بعد ذلك ان هذا تحيز إعلامي وتعاطف الشعب مع اللاجئيين ولم يفقد شرعيتها.
في النهاية، المطلوب أولا وأخيرا هو تحقيق الصالح العام، الذي لن يحصل إذا انعدمت الحرية اللازمة والكافية لاحترام وتطبيق هذه المبادئ من قبل الصحفيين والقيادات الإعلامية في المؤسسة مع إتاحة حق النقد والرد والتصحيح. على الرغم من تباين تعريف ماهية الصالح العام من بلد إلى آخر، فإن الجمهور وبمختلف فئاته يعرفون أن الصالح العام يتمثل في اهتمام الإعلام بالمعلومات والقضايا التي تشغلهم، وتؤثر على حياتهم اليومية. سواء تعلقت بقرارات الحكومة، أو ما يجيزه البرلمان من موازنات توضح الموارد المرصودة لتوفير الخدمات والحقوق الأساسية وحماية الحريات العامة، ومكافحة الفساد، ومنع إفلات مرتكبيه من العقاب، وإقامة المساءلة، وتعزيز سيادة حكم القانون وكشف الحقائق، ومنع تضليل الرأي العام لأجل تمكين الناس من الحصول على محتوى ومضمون إعلامي دقيق وصادق.
فرحان الحسبان
المراجع:
[1] الشرعية، تاريخ اخر مشاهدة ٢٤-٨-٢٠٢١، الموقع الالكتروني: رابط
[2] المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أعتمد في 10 ديسمبر/كانون الأول 1948.
[3] المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أعتمد في 16 ديسمبر/كانون الأول 1966.
[4] قرارات الأمم المتحدة، رابط ، تاريخ أخر مشاهدة: ٢٤-٨-٢٠٢١.
[5] منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة – اليونسكو، رابط ، تاريخ أخر مشاهدة: ٢٤-٨-٢٠٢١.
[6] المادة ٧ و١٥ من الدستور الأردني.
[7] د. حسن المجمر، أخلاقيات الإعلام، موقع الجزيرة، تاريخ اخر مشاهدة ٢٥-٨-٢٠٢١، رابط