هل يوجد تغطية إعلامية محايدة (غير متحيزة)؟ خاصة في السياسة؟

هل يوجد تغطية إعلامية محايدة (غير متحيزة)؟ خاصة في السياسة؟

قواعد لتغطية إعلامية محايدة

هل توجد تغطية إعلامية محايدة (غير متحيزة)؟ خاصة في السياسة؟ يبدو السؤال مريب وإجابته بكل تأكيد لا. لكن، أسمحوا لي أن أجيب أنه يحتمل إجابتين، الأولى لا بكل سهولة ومبررات ذلك أن هناك انحياز إعلامي لإحدى الجهات حيث أن كل وسيلة إعلامية لها ميول وتحيز خاص بها لا تستطيع التخلص منه. الحل هو في السعي نحو أكبر قدر من الموضوعية، ودعم ذلك بمزيد من الشفافية والنزاهة في العمل الصحفي. الإجابة الثانية نعم هناك تغطية إعلامية محايدة من خلال عكس ما يحدث وتوثيقه كحالة مثلى والتعلم منها مستقبلا.

قبل البدء بالتغطية الإعلامية وقواعدها، دعونا نتحدث عن حساسية وأهمية الإعلام في السياسة. يعتبر الاعلام السياسي احد فروع الاعلام الذي يتميز بقدرته على التأثير والتغيير والاقناع ويهتم بتغطية الموضوعات السياسية وهو يسعى ايضا لتحقيق أهداف سياسية وهو يعتبر من الادوات الفعالة التي يعتمد عليها اي نظام سياسي لتحقيق استراتيجياته المختلفة. هناك علاقة وطيدة بين الاعلام السياسي والعملية السياسية، حيث تعتبر وسائل الاعلام حلقة الوصل بين الجمهور والنظام الحاكم صانع القرارات. هذه الوسائل هي التي تسهم بدرجة كبيرة في إنجاح أو فشل النظام السياسي من خلال الوظائف والأنشطة السياسية التي تقوم بها. تشكل المشاركة السياسية للأفراد من خلال النشاطات السياسية التي يساهم بمقتضاها أفراد المجتمع في اختيار حكامهم وفي صياغة السياسة العامة بشكل مباشر أو غير مباشر إطارا مهما في العمل السياسي خاصة في تقليد المناصب السياسية، او العضوية في الاحزاب أو الترشح في الانتخابات، والتصويت ومناقشة الامور العامة، والاشتراك في المظاهرات. من دون الاعلام لا يمكن لهذه النخب السياسية ان تمارس دورا قويا وفاعلا، لذلك المشاركة السياسية تعني في اوسع معانيها، حق المواطن في أن يؤدي دورا معينا في عملية صنع القرارات السياسية، والاشتراك في مختلف مستويات النظام السياسي. يهدف الاعلام السياسي إلى التأثير في الرأي العام، حيث يستهدف تحقيق أهداف معينة على المستويين الوطني والدولي.[1]

نعود للتغطية الإعلامية المحايدة في السياسة فهناك قواعد عديدة؛ يجب أن تتلاءم مع السياق الديمقراطي أولا وأخيرا، أي ينبغي أن يكون الهدف العام للتغطية الإعلامية خلال الحملات الانتخابية. في نهاية المطاف، نشر معلومات عادلة ونزيهة من خلال التوزيع المتساوي لوقت البث بين جميع المرشحين المشاركين في الانتخابات، فضلاً عن تحليل موضوعي وناقد من خطابات المرشحين مع تجنب معاملة تفضيلية لمرشح على حساب الآخرين.[2]

تمثل القواعد السابقة الحالة المثلى للحياد في التغطية الإعلامية السياسية، لكن مدى توائمها مع الواقع يرجع إلى الأحداث نفسها، مثلا، الانتخابات الرئاسية في فرنسا عام 2007. بدلاً من أن تميل التغطية الإعلامية لحملات المرشحين، ركزت على الفضائح السياسية والقضايا الهامشية، مثل أسعار ملابس وساعات فرانسوا فيون، أو الهوس اليومي بالسيناريوهات المحتملة بشأن الجولة الثانية من الانتخابات، ووصلت الأمور إلى تعظيم البعض وتقزيم البعض الأخر. على سبيل المثال حظي المرشح المستقل إيمانويل ماكرون وقتها، الذي لم يسبق أن تم اختباره في صندوق الاقتراع، باهتمام إعلامي ملحوظ، إذ أطلقت عليه ألقاب عدة، مثل «مرشح التجديد» و«منقذ فرنسا»، ويتمتع بتغطية إعلامية غير مسبوقة في فرنسا، في المقابل، أشار استطلاع أجرته مؤسسة «فوندابول»، إلى أن أكثر من نصف الفرنسيين يعتقدون أن وسائل الإعلام تعامل مرشحة اليمين المتطرف بسلبية. كما ادعى مرشح يمين الوسط فرانسوا فيون أنه كان ضحية «إعدام إعلامي»، وأنه واجه حملة صحافية عنيفة بشكل غير مسبوقة.[3]

كان دور الإعلام في الانتخابات ليس بصفته محايداً، ولكن بصفته طرفاً وخصماً. صحيح أن العديد من الصحف تحسب على هذا التيار أو ذاك، لكن هذا لا يعني الخروج عن المهنية، وتسليط الضوء على عيوب الآخرين، واستخدام مهنة الصحافة بطريقة غير مشروعة. لكن، في حال عكس المثال السابق ستكون لدينا تغطية إعلامية سياسية محايدة غير متحيزة لأي طرف. من خلال المثال السابق يمكن لنا وضع اخلاقيات أو مسار للتغطيات الإعلامية المحايدة المتعلقة بالسياسة على سبيل المثال، ونستطيع تطبيقها في مواضيع أخرى. لنبدأ من أنه يتحتم على المؤسسات الإعلامية الإلتزام بالمعايير والمواثيق المحلية والدولية في هذا الإطار وتطبيق الحد الأدنى من تلك المعايير التي أذكر منها على سبيل المثال:[4]

  •  إتاحة الفرصة لجميع المرشحين من خلال مساحات ومعالجات عادلة
  • العمل على وصول وجهة نظر كل مرشح بشكل متوازن
  • العرض الأمين للأحداث الانتخابية وبرامج المرشحين
  • التحقق من مصداقية أية معلومات للمصادر قبل نشرها
  • الفصل بين التحرير والإعلان بشكل واضح
  •  التصدي لأية محاولات من شأنها إثارة الفتن أو تعزيز النعرات الطائفية
  •  نشر ثقافة الانتخابات والديمقراطية للمواطنين
  • توفير جميع المعلومات للجمهور عن العملية الانتخابية ومتابعتها
  • مراقبة العملية الانتخابية في جميع مراحلها ونقد أي سلبيات تشوبها بشكل موضوعي
  • الالتزام بآداب المهنة وأخلاقها وعدم التعرض لخصوصيات أي مرشح أو المساهمة في تشويه سمعته لحساب مرشح آخر
  •  الالتزام بالجوانب القانونية للعمل الإعلامي والصحفي.

في حال طبقت تلك المعايير، ستكون هناك تغطية إعلامية محايدة (غير متحيزة) أو أقرب للحياد، لأنه الواجب الحقيقي للصحفيين عدم التلاعب بالمعلومات، لأن دورهم هو الكشف عن المعلومات وإعدادها ومن ثم عرضها لصالح الجمهور، لا التلفيق أو التلاعب أو إخضاع أحد، هم موجودون لكشف الحقائق لا لضياعها.

فرحان الحسبان 

المراجع:

[1] د. ماجد جبارة، توظيف الإعلام السياسي في تأثير الرأي العام – صحيفة الرأي: تاريخ أخر مشاهد ٨-٨-٢٠٢١.

[2] مكي معمري، تغطية إعلامية غير محايدة في الحملة الانتخابية الفرنسية، منشورة على الموقع الإلكتروني: تاريخ أخر مشاهدة: ٩/٨/٢٠٢١.

[3] مكي معمري، مرجع سابق.

[4] إسماعيل معمر، نحو تغطية إعلامية محايدة، منشور على الموقع الإلكتروني:  تاريخ اخر مشاهدة:١٠-٨-٢٠٢١

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *