الاعلام البديل/ المحايد
عندما اصبح الاعلام المتحيز واضحا كالشمس وظاهراً على السطح في القنوات الاخبارية والمواقع الالكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، عمل بعض النشطاء الصحفيين والمدونين على اقامة اعلام بديل يستطيعون التعبير به عما يحدث بشكل حقيقي وبشكل يلمس الواقع خلافا على ما يظهر في الاعلام التقليدي المتحيز. في الوقت الحالي ربما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي إعلام بديل للمجتمع والشباب للتعبير عما يجري حقيقة، بغض النظر كانت أخبار مهمة أم لا، أو شخصية مجتمعية سياسية، خاصة مع تزايد استخدامها لنشر الاخبار والمعلومات واليوميات وحتى المذكرات. بالإضافة إلى أنه يسمح لعرض وجهات نظر مغايرة غير تقليدية ويسمح للمجتمعات المهمشة التعبير عن معاناتها وتعاطف باقي المجتمعات معهم والنظر فيها من ثم تحويل قضاياهم إلى قضايا رأي عام. تُظهر الأبحاث بوضوح أن وسائل الإعلام العامة المستقلة والقوية تفيد الديمقراطية من خلال مجموعة واسعة من الأخبار وصحافة المصلحة العامة. من خلال تشجيع المواطنين على الانخراط بشكل أكبر في السياسة والمجتمع ككل. يجب الاصرار على فكرة أن المواطنين والمجتمع الديمقراطي يستفيدون من سماع حقيقة مشتركة في وسائل الإعلام الإخبارية المشتركة، حيث نسمع ونتشارك آراء الآخرين، حتى لو لم نتفق معهم.
الاعلام غير المتحيز أو ما يسمى بالإعلام البديل أو الإعلام المستقل، هو اعلام يقدم معلومات تختلف عن الاعلام السائد المتحيز الذي يكون مدعوما من الحكومات والمؤسسات التجارية. حيث يقدم محتوى وأساليب غير موجودة في الاعلام السائد ويهدف إلى تمثيل الجماعات المهمشة وتقديم وجهة نظر بديلة وتفسيرات وربما معلومات غير مذكورة في الاعلام التقليدي. على الرغم انه لا يوجد صحفي يستطيع تغطية الواقع بكل أبعاده إلا أن محاولة ان يكون الشخص محايدا وموضوعيا قدر المستطاع هو أمر مطلوب وأخلاقي، لا سيما ان طبيعة الانسان التحيز ومن الصعوبة تحقيق الحياد في كل المعلومات والقصص التي تكون واردة. لذا، لا يوجد اعلام محايد بحد ذاته كل اعلام منحاز لفئة معينة ولكن بنسب مختلفة، كما ويسعى المجتمع والاعلاميون للوصول اليها، وقد لا تتحقق بنسبة 100% لأن الكمال غير موجود بشكل عام.
علينا التمييز بين الحياد والموضوعية وعدم الخلط؛ الحياد يعني أن تنقل الصورة كما هي، بدون اتخاذك أي موقف ولا شعور ولا رأي، وان تنقل الحدث من جميع الاطراف بدون نقد أو تعاطف. حيث يكون الاعلام ناقلا للخبر فقط بدون اي دور ايجابي لنصرة المظلومين ودعم الحق والعدالة، وهو شيء صعب لأننا لسنا روبوتات لنقل الأحداث فقط. عندما تحدث جريمة قتل مثلا تطبيقا لمصطلح الحيادية ذلك أنه كما الاعلامي سيستضيف الضحايا، عليه أن يستضيف أيضا المجرم ويسمع منه أهدافه ودوافعه التي جعلته يرتكب هذه الجريمة، وربما سيستدرج الجمهور للتعاطف معه. مثال اخر في الحرب لا يجب أن توصف المعتدي بأنه عدو، ذلك يجعل من غير المقبول التطبيق الحرفي لكلمة حيادية. “أما الموضوعية، فهي شيء آخر تماما، إنها ببساطة التأصيلِ المنهجي بطرقٍ إدارية بحتة”، وهي مطلوبة في الاعلام. الالتزام بالقواعد المهنية والاخلاقية حتى لو انحاز الاعلام لطرف معين، هي ليست فقط جمع الأخبار وكتابة التقارير الصحفية والتثبت من الحقائق من مصادر متنوعة، هي موازنة وجهات النظر وتتضمن دورا مؤسسيا للصحفيين فإن أي خبر يتم نقله يخضع للتحرير لدى القناة لتكوين تصور ووجهة نظر معينة.
في العصر الرقمي، أصبحت الموضوعية أكثر تعقيداً لأن المنصات اصبحت أكثر قدرة على التحكم فيما ينشر على منصاته عبر الخوارزميات وتقنيات الذكاء الاصطناعي. خاصة في فترة الحرب على غزة، حيث تم وصف النقل للأحداث الحقيقية الفعلية لما يحدث على منصة الانستغرام والفيس بوك وتويتر على انه خطابا للكراهية وتم منعها من النشر والتهديد بإغلاق الحسابات التي تستخدم بعض العبارات وتنشر تلك الأخبار، على عكس المحتوى الذي ينقل من الجهة الإحتلال الإسرائيلي. لا يوجد توازن في سياسات محاربة خطاب الكراهية والعنف، ولا يوجد معايير عادلة وشفافة تطبق على جميع الأطراف تنقل الصورة بموضوعية لمختلف المناطق الجغرافية، كل منصة تنحاز للجهة التي تمولها والجهة المعاونة معها.
وفي دراسة بمجلة ال أي بي أي الأمريكية، تشير ثلاثة استطلاعات رئيسة للصحفيين المحترفين في أعوام 1976 و 1986 و 1996، إلى أن الغالبية العظمى يعتبرون انفسهم مراقبين محايدين وموضوعيين ومتوازنين يتمثل دورهم في مجرد توفير المعلومات. وخرجت بأن وسائل الإعلام تساعد في وضع أجندة من خلال الترويج لأحداث وقصص معينة سواء في السراء أو الضراء، وتؤثر وسائل الاعلام على تصور الجمهور للمخاطر، والتأكيد على العواقب السلبية المحتملة على النتائج الإيجابية المحتملة. وأيضا، تأثير وسائل الاعلام على الانتخابات ونتائجها، بالإضافة إلى، تؤثر وسائل الاعلام على الشركات والسلع التي تنتجها.
عندما نرى ذلك يظهر لنا بشكل قاطع أن وسائل الاعلام ليست محايدة، هو يغير تصور الجمهور للواقع. كما نرى في الإعلام الغربي، ظهرت خرافة الإعلام المحايد والإعلام الأمريكي، وسقطت في الانتخابات الامريكية الذي خرج عن تقاليد الصحافة والاعلام وضرب به بعرض الحائط. قد تم إعلان اسم الرئيس الفائز قبل الاعلان الرسمي كما جرت العادة عن إعلان اسم الرئيس الفائز في أمريكا حيث تم إعلان فوز الرئيس بايدن من قبل السي ان ان ولم تنتظر صدور الاعلان الرسمي لنتائج الانتخابات من الجهة المخولة لها بذلك. كما وتبعتها كل وسائل الاعلام من صحافة وتلفاز ومواقع تواصل؛ ذلك يعني اسطورة الحيادية الغربية والحديث عنها بشكل مثالي هو شيء أقرب للخيال وأصبحت كلمة الاعلام المحايد هي أكذوبة يصطنعها ويدعي تمثيلها كل من يريد ذلك.
أريد التنويه هنا أن الاعلام الذي يتحدث عن السياسة وينقل الأخبار المتعلقة بالسياسة هو خاضع للحكومة ومتحيز بالدرجة الاولى، ولا يمكنه أن يكون أقرب للموضوعية مهما بين الموقع الاخباري ذلك. كل دولة أو مؤسسة تسعى لتلميع صورتها لمصلحتها المادية والمجتمعية والدولية وعدم حدوث الانقلابات من شعبها. أيضا، الصحفيين الذين ينقلون تلك الاخبار يكونون مجبورون على نقل الصورة كما تريد الدولة أو القناة أو المؤسسة لأسباب معينة متعلقة بلقمة عيشهم أو اعتقالهم. لسوء الحظ ، من غير الواقعي توقع مشاركة الغالبية العظمى من المواطنين مع مجموعة متنوعة من مصادر الأخبار من وجهات نظر مختلفة حول مجموعة متنوعة من قضايا السياسة. لا يقضي الشخص العادي ببساطة قدرًا كافيًا من وقته لمشاهدة الأخبار، وخاصة الأخبار السياسية. لذا، لا نرى موضوعية كافية بالقضايا السياسية. بالإضافة إلى أن بعض الدول تمارس الضغوط على شعوبها لكل من يعبر رأيه السياسي واتباع سياسة تكميم الأفواه فيتم تهديده بالحبس أو الإعتقال لمجرد مشاركة رأيه على صفحته الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي، مما يعني أن حتى الفضاء الرقمي أو المنصات البديلة للإعلام ربما تسلب الحق للموطن لتكوين صورة كاملة والوصول للموضوعية المطلوبة.
نظمية سعد