فهم التحيز الاعلامي

فهم التحيز الاعلامي

من الواضح أن تغطية وسائل الإعلام ليست موضوعية دائما وتحيز وسائل الاعلام موجود  في كل مكان وليس من السهل القيام بالكشف عنه. وسائل الإعلام المختلفة، تتمتع بقوة هائلة في وضع المبادئ التوجيهية الثقافية وتشكيل الخطاب السياسي والتأثير في الأفراد والمجتمعات. من ناحية أخرى، تتطور مصادر الأخبار العالمية بشكل متزايد في منطق وسائل الإعلام (فن “الإقناع” والتلاعب)، يمكنهم ذلك من خلق هالة من الموضوعية و”الصدق” في القصص الإخبارية التي يؤلفونها. هناك أقلية صغيرة فقط من المواطنين ماهرة في التعرف على التحيز والدعاية في الأخبار التي تُنشر في بلادهم. لكن، في الوقت الحاضر الغالبية  العظمى من الناس في العالم غير مدربين على النقد والفحص في وسائل الإعلام. بالإضافة إلى ظاهرة عرفت بالذباب الالكتروني وهي مجموعة من الحسابات الوهمية التي تنشطُ على مواقع التواصل الإجتماعي تعمل على توجيه أو تغيير قناعات أو آراء الناس وغالباً ما يكون هدفها سياسي بحت.

من أول خطوات معرفة ما إذا كان هناك تحيزا في الخبر أو في المادة الإعلامية أم لا، معرفة أن هناك طرقا كثيرة يمكن سلكها للتضليل والتحيز الاعلامي. علينا تذكير أنفسنا باستمرار بها مثل، ما هي الأخبار التي وضعها تحت عنوان “عاجل” أو أخبار الصفحة الأولى أو أطول تغطية على شاشة التلفزيون؟. أيضا، التحيز باستخدام اللغة، والتحيز في الصور، والتحيز في المصادر، والتحيز في العناوين الزائفة، والتحيز في الأرقام والإحصاءات المطروحة، والتحيز عن طريق التكرار حيث يعتقد الناس أنها حقيقية وواسعة الانتشار وغيرها من الأشكال. اقتناع الصحفيين أو المتلقين بأن أي شيء موجود في البيئة الرقمية قابل لأن يكون مادة للتضليل والتلاعب والإدراك أن ثمة نطاقا واسعا من الأفراد والهيئات لديها الدافع للقيام بذلك.

التحقق في البيئة الرقمية يعني عدم التعاطي مع اي شيء بحسب ما يظهر في “دليل التحقق من عمليات التضليل والتلاعب الإعلامي”. كما أن العناصر القابلة للإحصاء ومرتبطة بالبيانات هي أيضاً عناصر يمكن التلاعب فيها بسهولة مثل عدد الإعجابات والمشاركات وإعادة التغريد والزيارات للموقع. من المفيد دائما القيام بمقارنة عدة مصادر للمعلومات وعدم تصديق جميع ما نقرأ ونسمع، أي تعطيل الثقة التلقائية بكل ما نتعرض له، حتى لا تكون فريسة سهلة الإصطياد للتحيز الإعلامي. فيما يلي، بعض الإستراتيجيات التي تجعلك قادرا على فحص ما اذا كان الخبر أو المعلومة أو القصة متحيزة أم لا؛ اسأل نفسك هذه الأسئلة:

  • أي نوع من المعلومات هذه؟ أخبار؟ رأي؟ هل تروق لعواطفك أم تجعلك تفكر؟
  • من وما هي المصادر المذكورة ولماذا تصدقها؟
    هل المصدر معطى؟ هل المصدر مرتبط بحزب سياسي أو جماعة ذات مصالح خاصة؟ ما هو الدليل وكيف تم فحصه؟
  • هل المصادر وثيقة؟ شاهد عيان؟ أم أنها إشاعات وتخمينات؟ هل المغزى الأساسي من القطعة يثبت بالدليل؟
  • هل المصادر المقدمة تبرر الاستنتاج أو النقطة الرئيسية للقصة؟
  • ما هو المفقود؟ هل كان هناك جانب أو نقطة لم تتم تغطيتها أو من غير الواضح أنك تركت تتساءل عنها؟

فكر بعقلية الخصم، كل خدمة رقمية أو سمة جديدة يمكن استغلالها بكل الطرق الممكنة. إن وضع نفسك مكان الشخص الذي يحاول التلاعب وفهم عقليته يساعدك في الكشف عن ما اذا كان تحيزا أم لا؛ عندما تقرأ خبرا أو تنظر إلى محتوى، فكر في الدوافع التي أدت إلى انشاء وترويج هذا المحتوى ولكن حذار من التسرع لكي لا تخرج باستنتاجات خاطئة. كن على معرفة بالمصادر المستخدمة في القصة أو الخبر، وبمقارنة عدة مصادر للمعلومات وحساب عدد المصادر المؤسسية والحكومية. من أجل تصوير القضايا بشكل عادل ودقيق، يجب على وسائل الإعلام توسيع نطاق مصادرها، وإلا فإنهم يعملون كمجرد مكبرات صوت لمن هم في السلطة.

النقص في التنوع؛ هل هناك تنوع عرقي وجنساني في المنصة الاخبارية التي تشاهدها مقارنة بالمجتمعات التي تخدمها هذه المنصات؟، ما هو عدد المنتجين والمحررين أو صانعي القرار في المؤسسة الإعلامية أو المنصة الاعلامية من النساء أو الملونين أو التنوع في الديانات والثقافات؟. من أجل تمثيل المجتمعات بشكل يراعي التعددية الثقافية، يجب أن يكون أعضاء من تلك المجتمعات في مواقع صنع القرار في المؤسسة الإعلامية. حيث أنه غالبا ما يتم تغطية القضية من وجهة نظر واحدة دون الإطلاع على الأشخاص المتأثرين بهذه القضية. مثلا تركز التغطية السياسية على كيفية تأثير القضايا على السياسيين أو المديرين التنفيذيين للشركات بدلاً من أولئك المتأثرين بشكل مباشر بالقضية، اطلب من المتأثرين بالمشكلة أن يكون لهم صوت في التغطية ليكون منصفاً وغير متحيزاً على حساب المتأثرين بالقضية.

كما أن المعايير المزدوجة والصورة النمطية تحرف الخبر والقضية وتصورها بطريقة غير حقيقية. تستطيع الكشف عن المعايير المزدوجة من خلال الخروج بمثال موازٍ أو الإستشهاد بقصص مماثلة تمت تغطيتها بشكل مختلف. بالإضافة للصور النمطية التي تحرف التغطية، والتي يمكن الكشف عنها بالرجوع لثقافة المجتمعات وما هي الصور النمطية التي تتبناها. كثير من الغرب لديهم صورة نمطية عن العرب على أنهم إرهابيون ولا يضعون اعتبارًا لقوانين أو اخلاق أو أديان وسببه السينما الأمريكية وما ينقله الاعلام عن العرب والمسلمين. هناك حلقة من برنامج “على السينما” سلطت الضوء على الصورة النمطية للعرب في هوليود وضحت تفصيلياً كيف تم تكوين هذه الصورة النمطية. يجب التوعية حول المفاهيم الخاطئة التي تنطوي عليها الصور النمطية وحول كيفية تمييز القوالب النمطية للأفراد والمجتمعات بشكل غير عادل.

انتبه إلى اللغة، هل اللغة محملة أو مشحونة؟ هل يوجد في السياق خطاب كراهية؟ أكثر ما يبرز ذلك بظهور الحسابات الوهمية على منصات وسائل التواصل الإجتماعي أو الذباب الالكتروني بظهورها على “الترند”، ويكون هدفها غالباً تغيير أو تشكيل الرأي العام، أو إثارة الجدل وتغيير وجهات النظر والتأثير على المعارضين. يمكن أن نقع ضحية لبعض المؤشرات الرقمية مثل حجم الزخم الذي يحظى به المنشور أو الفيديو أو الصورة من أعداد مشاهدات وإعادة تغريدات أو إعجابات أو عبر المساعي التي تبذل للتلاعب بها. ويمكن أيضا بخطوات بسيطة خلق مؤشرات مضللة مثل وضع تعريف شخصي مختصر على تويتر أو انستغرام، أو لقطة شاشة من رسالة بريد الكتروني تدعم محتوى أو خبر ما.هذه عناصر تساعد على سرعة انتشارها كإثباتات حقيقة، وكلما زاد عدد الاعجابات والمشاركات أو إعادة التغريد فإنها ستكون أكثر إغراءً للآخرين بأن محتواها حقيقي. إذا كنت تفترض أن حسابات تويتر التي تعمل على إعادة التغريد مقطع فيديو مثلا جميعها تقوم بذلك بشكل عفوي فأنت لا شك ستقع ضحية للتلاعب. أو أن التقييمات الموضوعة على منتج ما وتفترض أنها جميعها من عملاء حقيقين غالبا ستخسر نقودك. لو كنت تثق بأن كل مقطع فيديو أو مقال تطلع عليه يمثل عرضا محايدا تماما لما يلزمك معرفته عن خبر ما أو قضية ما فستكون عرضة لاستهلاك معلومات مضللة.

نظمية سعد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *