كيفية معرفة التحيز الإعلامي

كيفية معرفة التحيز الإعلامي

يعرف التحيز على أنه ميل العقل إلى جانب ما، ويعتقد المتخصصون في مجال الدراسات النفسية أن سبب التحيز يرجع إلى حدوث ما يسمى بظاهرة التنافر المعرفي، وأن التحيز ليس مجرد إشكالية معرفية، ولكن له جوانب معرفية وعاطفية وسلوكية، وهو ليس قاصراً على الأفراد قد يشمل المؤسسات أو الجماعات[1]يعرف التحيز في وسائل الإعلام، بأنه قيام الإعلامي أو المؤسسة الإعلامية بوضع رأي ذاتي داخل ما يعد أنه تقرير يقوم على الحقائق، كما إن التحيز يتضمن أيضا سمتين آخرين، أولهما نقص التوازن بين وجهات النظر المتعارضة في تغطية وسائل الإعلام، وثانيهما تشويه الواقع بشكل مقصود نتيجة لتأييد الإعلامي أو المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها لطرف معين، وبأنه الميل إلى تفضيل أحد جانبي الصراع، ومن خلال تفضيل وجهة نظر معينة مع عرض الأدلة على صحتها، وعرض الحقائق والتعليقات بشكل مقصود، ولكن بدون بيان يوضح تفضيل وجهة نظر على أخرى، واستخدام اللغة بشكل يؤدي إلى تلوين الحقائق، وإصدار حكم معين على أحد أطراف المناقشة أو الصراع.

قد يقع المرء في التحيز دون أن يدرك ذلك، الإعتياد على شيء والتآلف معه قد يجعله يتحيز له وينكر ما عدا.، لكنه يكتشف تحيّزاته حينما يجد ما يُشبهها عند غيره من الأمم والشعوب، إذ أن تحيزات عدد من الأمم إلى لغاتهم، ما يجعل القارئ يُدرك أن ما تحفل به ثقافتنا من تحيزات لغوية لها ما يشبهها عند الأمم. وبقدر ما يكشف تكرّر تلك التحيزات عن نمط فكري متشابه، فإنه كذلك يبين عن زيف تلك التحيزات، وعليه فأن التحيز هو ظاهرة إنسانية منتشرة بصورة واسعة وتشمل كل مناحي الحياة اليومية، وليست مقتصرة على الجانب العلمي أو الفكري فقط، وهو ما يجعل منه مفهوما متعدد الأوجه متشابك التفسيرات[2].

مصطلح التحيز نفسيا يمثل التعصب المطلق أي التسليم المطلق بالمقولات والمفاهيم والمناهج الغربية والانسياق الأعمى في محاكاتها وكأنها قد أنزلت في كتاب مقدس. لا يقتصر التحيز على الأوساط الإعلامية، إنما هو أمر قد طال جميع أوجه حياتنا، في التشريع والاقتصاد ومناهج التربية والتعليم وحتى سلوكنا ولغة حديثنا اليومية شواهد عديدة لا تخطئها عين عاقل على التحيز الذي أقام علينا حجراً نفسيا عقليا وعامل ادبي معنوي قد ننكر أصله ونغالط في حقيقته ولكن آثاره وتراكماته هي الشاهد والبرهان عليه. وعليه، القطاعات المنتمية إلى حضارات ذابلة أو كامنة تقل في تابعيها روح المغامرة والجسارة والإقدام، وتسود فيها وتنتشر روح التسليم بالأمر الواقع ومن هنا يخفت فيها روح الشعور بالتغيير وخصوصا في الجوانب الإيجابية. نشعر بأمان مزيف من خلال الالتزام بما التزم به جمهور الناس أسهل من مغامرة غير معروفة النتائج وفقا للمعيار السائد، وغالبا الإعلام خادم لتيارات فكرية سائدة في قطاع ما، وإذ أن التيارات الفكرية يغلب عليها التقليد، فليس غريبا ان يكون الاعلام مرتهن بذلك[3].

يرتبط التحيز ارتباطا وثيقا بمفاهيم أخرى، وهي استخدام المعايير المزدوجة واستخدام الصور النمطية، أو إنتاج هذه الصورة وتحريف المعلومات أو تشويهها، واستخدام اللغة بشكل يؤدي إلى إصدار أحكام معينة بإدانة أطراف معينة في صراع أو جدل. كل هذه المفاهيم مرتبطة بتفكير سلبي سائد وجميعها تؤدي وتحرض إلى العنف في المجتمع. التحيز الادراكي، ونقصد في الادراك أنه عملية معرفية تمكن الأفراد من فهم العالم الخارجي المحيط بهم والتكيف معه من خلال الأنماط السلوكية المناسبة في ضوء المعاني والتفسيرات التي يتم تكوينها للأشياء وهو بمثابة عملية تجميع الانطباعات الحسية المختلفة عن العالم الخارجي وتفسيرها وتنظيمها في تمثيلات عقلية معينة ليتم تشكيل خبرات منها تخزن في الذاكرة بحيث تمثل نقطة مرجعية للسلوك أو النشاط يتم اللجوء إليها خلال عمليات التفاعل مع العالم الخارجي. تشترك غالبية تعريفات الإدراك على اعتباره عملية تحويل الانطباعات الحسية إلى تمثيلات عقلية معينة من خلال تفسيرها وإعطاءها المعاني الخاصة بها، إذا أن تفسير الانطباعات الحسية يعتمد على الخبرات المخزنة في الذاكرة. أما العوامل التي تؤثر في الإدراك فهناك عدة عوامل، أهمها ما يرتبط بخصائص الأفراد والبعض الآخر يرتبط بخصائص الأشياء، أو المواقف التي تحدث فيها، ومنهم المثيرات والمواقف المألوفة، والتوقعات المسبقة، ومستوى الدافعية، والحالة الانفعالية والميول وغيرها [4]

بناءً على ذلك، يعرف التحيز الإدراكي بأنه انتقاء الفرد للمعلومات التي تصادف هواه وتتوقف مع أهداف ومعتقداته السابقة. يذهب بعض الباحثين إلى أن التحيز الإدراكي هو الفكرة العامة عما هو الشيء المقصود، أو الأسلوب الذي نفهم به ماهية الأشياء. يتوظف التحيز الإدراكي في الاتصال الجماهيري، يقصد به رسائل تنقل عبر وسيلة جماهيرية إلى مجموعة من الناس، وهذه العملية تتم باستخدام وسائل الإعلام الجماهيرية، ويتميز بقدرته على توصيل الرسائل إلى جمهور عريض متباين الاتجاهات والمستويات. أي لأفردا غير معروفين للقائم بالاتصال، تصلهم في نفس اللحظة وبسرعة عالية، مع القدرة على خلق رأي عام، وعلى تنمية اتجاهات وأنماط من السلوك غير موجودة أصلاً، والقدرة على نقل الأفكار والمعارف والترفيه[5].

البعض يرى أن التحيز جزء من الطبيعة الإنسانية، ربط المفكر عبد الوهاب المسيري التحيز ببنية عقل الإنسان ذاته، والذي يصعب عليه أن يكون أمينا في نقل الوقائع التي يواجها على خلاف ما تفعله الآلة الصماء، وربطها المسيري باللغة الإنسانية. بالرغم من أن مبدأ “عدم التحيز” موجود في أغلب تشريعات العالم، والذي يمكن أن يكون وسيلة لحماية استقلالية الوسيلة الإعلامية، إلا أن أغلب الوسائل الإعلامية لا تزال غير ملتزمة بهذا المبدأ وتضع له استثناءات وفقا لمصالحها[6]يتوضح لنا في النهاية أن التحيز ظاهرة إنسانية، لكونها منتشرة في حياتنا بدرجة أكبر ما يمكن أن يتصورها أحد، ولا يوجد قواعد ثابتة لنعرف هذا تحيز أم لا حيث أن هذه الأمور نسبية وهناك تحيز داخلي فينا قد لا ندركه إلا بعد فوات الأوان، إلا أن بعض الباحثين حاولوا وضع قواعد أساسية تساعد على فهم التحيز وتمييزه. القاعدة الأولى، هي التحيز الحتمي وذلك بسبب معطيات منها أنه مرتبط بالعقل وصميم المعطى الإنساني أي قواعد الطبيعة وهنا علينا التفكر وسؤال نفسنا حول ذلك قبل إصدار أي تفاعل مع العالم الخارجي. والقاعدة الثانية التحيز الحتمي ولكن غير نهائي وهنا التحيز ليس عيب، بل على العكس يمكن أن يجرد من معانيه السلبية ويصبح هو حتمية التفرّد والاختيار الإنساني. أخيرا، من خلال دراستي للتحيز الإعلامي، أقترح حلولا لتجاوز التحيز، وهي أن هناك تحيزا في المصطلحات وإن المصطلح لا يعبر عن الحقيقة والحياد، وأنه يتوجب علينا أن نتعلم سياقة مصطلحات جديدة، وتحويل المصطلحات إلى لغة إيجابية لا تدعو إلى أي اتجاه.

فرحان الحسبان

 

المصادر:

[1]  د. سهام حسن على الشجيري، التحيز في التناول الإعلامي، ص٣٨+٣٩، سنة النشر، دار النشر.

[2] د. سليمان صالح، كيف نواجه تحيز وسائل الإعلام الغربية ضد الإسلام؟، القاهرة، مقال منشور في موقع nosra.islammemo.cc/onenew.aspx?newid , تاريخ اخر مشاهدة ٢٥/٧/٢٠٢١.

[3]  د. محمد عبدالله الغبشاوي، التحيز الإعلامي، رابطة إسلام المعرفة، ج١ نيسان، ٢٠٠٦م.

[4]  د.ربيعة علاونة، الاتصال والإدراك، الملتقى الدولي حول سيكولوجية الاتصال والعلاقات الإنسانية، ٢٠٠٥، منشور على الموقع الإلكتروني : wwwwwwwww

[5] د. أحمد حامد، الصورة الصحفية في منظور مهني

[6] د. عبد الوهاب المسيري، إشكالية التحيز، المجلد(١)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ونقابة المهندسين، مصر، ١٩٩٥.ص١٨.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *