في خضم كل ما يحدث من نزاعات تحيطنا، ومع سرعة تطور العالم واستخدام الأساليب التقنية ليُعززها في كافة مجالاته سواء التعليمية أو الاقتصادية أو الإعلامية. مع تطور الأدوات الإعلامية وطرق نقل الأخبار بوجود مفهوم التحيز الإعلامي، من الطبيعي ألا تكون جميع ما تنقله لنا الوسائل الإعلامية من معلومات أو أحداث موثوقة بالشكل الذي يجعلنا نأخذ كل ما تتناقله هذه الوسائل الإعلامية كأنه موثوق بشكل كامل. انتشار الأخبار الغير موثوقة مرتبط بأهداف تخدم التحيز الإعلامي، الأمر ليس بالجديد حيث أن نشر الأخبار الغير موثوقة “والغير موثوق هو الأقرب للزائف. ليس وليد اليوم، بل يرتبط تاريخه بتاريخ نشأة الأخبار نفسها؛ منذ أن بدأ مفهوم الأخبار بالانتشار انتشرت معه مفاهيم تؤرق صحة هذه الأخبار وأبرزها الصحافة الصفراء حيث أنها كانت في فترة من الفترات أحد أبرز المخاوف التي تهدد المجتمعات بعد تناقلها لأنها كانت مرتكزة على العديد من الأمور التي تُفقد صحة الخبر مثل تضخيم الخبر بشكل مبالغ فيه أو تحريف الحدث المنقول وكل ذلك من أجل تحقيق أهداف سلطوية أو تحقيق غايات سياسية من خلال عرضها على المجتمع. ما يثير الأمر أكثر ويجعله محل اهتمام المفكرين والباحثين هو أن تناقل الأخبار الغير موثوقة دائماً ما يكون الأكثر انتشاراً حيث أن صناع هذه الأخبار يعتمدون في صياغة الخبر على أن يكون مدهش أو صادم للمشاهد مما يجعل مشاركته والتفاعل معه أمر سريع الحدوث حيث أن عامل الصدمة يسرع من عملية اتخاذ القرار بنشر الشيء أو التفاعل معه.
نتسائل بأن كيف يمكننا معرفة الخبر الموثوق من الغير موثوق؟ من أجل الإجابة على هذا السؤال، نحتاج إلى بعض الخطوات المعتمدة على مدى أهمية تلقيك للخبر الموثوق أو بالأحرى، مدى اهتمامك بمعرفة حقيقة الشيء. بوجود هذه الأدوات المتطورة والسريعة واستغلالها لمفهوم التحيز الإعلامي ونشر الأخبار الزائفة، لا تضمن أن تكون الحقيقة أمامك ومن السهل أن تعرفها لأن معرفة الحقيقة حول أمر ما قد يصل إلى تهديد مجتمعات بأسرها ولذلك يتم تزييف الأخبار وتضليلها وعدم اسنادها بالمصادر التي تؤكدها.
إن أردنا معرفة أساس عملية صناعة الخبر، علينا أن نعرف بأنه يبدأ بجمع البيانات وعملية جمع البيانات تعد من أهم الركائز التي من خلالها يوّثق الخبر بمصدره. لهذه العملية آلية واسعة لضمان توثيق الخبر أو المعلومة أو أي شيء تريد أن تطرحه ويحتاج منك جمع للبيانات. من أبرز أدوات جمع البيانات هي الأدوات المكانية والحوارية والزمنية وهي التي تكسب المعلومة أو الخبر الدقة الكاملة التي لا تجعل هنالك أي شكوك حولها. حيث أن كل أداة مرتبطة بالأخرى ولكل أداة اجراءات بحثية مستقلة تقود بالنهاية إلى استخراج معلومة أو خبر من مصدر موثوق، وهذه الأدوات دائماً ما تستخدم في عمليات البحث ويوضح كيفية استخدامها للقارئ للحفاظ على دقة البحث أو المعلومة المنقولة لتكون موّثقة وتظهر الحقيقة بشكل كامل ولا يوجد فيها أي رأي شخصي بل إنها عبارة عن لوحة مرسوم عليها الحقيقة بأدوات بحثية صحيحة وسليمة.
قد نتساءل في خضم تسارع الأحداث من حولنا وتسابق المؤسسات الإعلامية لتكون هي الظاهرة في السبق الصحفي لتكسب من خلاله المشاهدات التي تدر لها الأموال، هل من الممكن أن كل الأخبار المنقولة من وسائل الإعلام ومن العامة جميعها اندرجت تحت أدوات عملية جمع البيانات؟. لا سيّما أن شريحة كبيرة من العامة تصنف نفسها على أنها هاوية في الإعلام وهي لا تستند إلى المعايير الإعلامية والأعراف الإعلامية. هؤلاء، ومن خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الإجتماعي التي يتابعها الآلاف بل هنالك من يتابعهم الملايين، ينشرون يومياً كماً هائلاً من الأخبار التي يتلقاها المشاهد منهم وهذه معضلة كبيرة حيث أنه ليس هنالك أي دليل يوضح بأن هذه الأخبار موثوقة. هنا أتى السبب الذي دفعني لكتابة المقال وهو توضيح أنواع الأخبار الغير الموثوقة وكيفية التأكد من مصادرها لنغدوا قادرين على معرفة الحقيقة بشكل أكبر ومن خلال الحقيقة نستطيع اتخاذ المواقف التي تستند لآراء شُكلت من خلال معرفتنا للحقيقة.
سنطرح أبرز أنواع الأخبار الغير موثوقة لنسقط الأمثلة عليها ونستطيع بعد ذلك معرفة ما إن كان الخبر موثوق أو غير موثوق من خلال تطابقه مع النوع. في هذه المقال لسنا معنيين بكيفية التأكد من الخبر بقدر ما نحن معنيين بعرض أنواع الخبر الغير موثوق من خلال أسلوب كتابته وسرده:
- التضليل المتعمد: هناك أخبار مزيفة مكتوبة للربح ومن ثم يتم مشاركتها على وسائل التواصل الإجتماعي بين مجموعات مستهدفة لأشخاص يعتقد أنهم يرغبوا بتصديق أن هذا صحيح. الهدف هو نشر الأخبار المزيفة دون أن يأخذ القراء الوقت الكافي للتحقق من ذلك بشكل صحيح.
- المصادر المزيفة: تستخدم هذه المصادر عناوين شائعة أو زائفة بهدف إحداث غضب أو صدمة أو الإساءة إلى أشخاص على الشبكات الإجتماعية لتشجيع الإعجابات أو المشاركات وهي تفتقر إلى المصادر الموثوقة التي تؤكد الخبر وأيضاً تفتقر إلى معايير المهنية الإعلامية التي دائماً ما تكون بارزة وواضحة في طريقة الكتابة والسرد والنقل.
- عناوين كاذبة للأخبار: يرتبط هذا النوع من الأخبار الغير موثوقة بهدف تحقيق الربح, حيث أنه شائع على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف أن يعرض صور مثيرة للجدل تستهدف شعور الصدمة الذي ذكرناه في بداية المقال ليدفع المشاهد إلى النقر وهذا ما يعرف على شبكة الانترنت بمصلطح ال clickbait، وهو يعني النقر على الرابط الذي يزيد من عدد المشاهدات بالرغم من أنه قد يكون الخبر داخل الموقع صحيح ولكنه مضلل.
- المصدر هو الإسم: شاهدنا الكثير من الأخبار والمعلومات التي نشرت وتم توثيقها بأنها عائدة للمصدر الفلاني وتم عرض الإسم فقط. هذا النوع يعد غير موثوق لأن توثيق الخبر أو المعلومة ليس مرتبط بذكر جهة المصدر فقط، بل لأجل أن يكون الأمر واضحاً وسهل الوصول إليه يجب اتباع الطرق العلمية في التوثيق وهي ما تزيد من دقة الخبر والمعلومة المنقولة وتزيل الشك حول عدم مصداقيتها.
هذه أبرز أنواع الأخبار الغير موثوقة والتي دائماً ما تكون الأكثر انتشاراً عبر وسائط الإعلام. هذا ما يدفعنا لنقول، لا تصدق كل شيء منقول. علينا أن نعرف بأن الأخبار الغير موثوقة والتي تفتقر إلى المصادر والحقيقة جزء كبير منها يتم طمسه عمداً من أجل أغراض سياسية أو مالية بحتة. من الأمثلة عليها هو ازدهار بثها خلال الحروب والكوارث وشاهدنا ذلك خلال أزمة سوريا وحرب العراق والكم الهائل من الأخبار الزائفة التي لها مآرب سياسية وجميعها غير موثوقة. المدهش في ذلك أنه تم تناقلها عبر مؤسسات إعلامية عُرفت بالمصداقية والوضوح. لكن، كما أكدنا ونؤكد دائماً بأن القطاع الإعلامي من الصعب أن يكون غير منحاز وانحيازه هذا أنتج له أدوات متطورة لتخدم الجهة المنحاز لها وليحقق منها أهدافه التي غالباً ما تكون سياسية من خلال التأثير أو مالية. لست أثق بأن العملية الإعلامية ستتطور في المستقبل القريب تزامناً مع ابتكار وسائل اجتماعية تقنية أكثر وأحدث وتجعل التواصل أسرع وبحيز أكبر من العالم. حيثما وجدت هذه المساحة، وجدت الأهداف التي تؤثر على مرتاديها ليكون ضحايا الألعاب السياسية والقطيع الذي لا يحرك إلا بوجود الراعي على فرض بأن الراعي في عالمنا الحديث هو الإعلام.
عبدالله المساعيد