أنماط التحيز الإعلامي

أنماط التحيز الإعلامي

لا يُعد التحيز الإعلامي نهجًا حديثًا وطارئًا، فهو يتعلق بممارسة النشاط الإعلامي بأنواعه. النشاط الإعلامي من أقدم النشاطات البشرية التي ارتبطت بالتواصل بين الجماعات وطبيعة إدارتها للعلاقات، وطالما كان هناك نشاط إعلامي؛ فإن عمليات التحيز في أساليب نقل الخبر وتداوله، تصبح جزءًا من هذا النشاط بطبيعة الحال. ومع تزايد وتيرة التحديات في المنطقة العربية في هذه الفترة، وتنامي الدور الكبير للإعلام في تحديد مسارات الصراع، وترجيح الكفة لصالح قوة أو جهة معينة على حساب الجهة الأخرى، من خلال طريقة نقل وتداول الخبر.[1]

مفهوم التحيز الإعلامي هو عرض جزء من الحقيقة أو البناء الخاطئ على حقائق واضحة وثابته وموثقة. ذلك من أجل الوصول إلى تحقق الهدف من وجود هذا البناء الخاطئ في المفاهيم أو الخلط بين مفهومين أو أكثر على اعتبار أنها مترادفات لمعنى واحد وذلك في غياب وتغييب مفهوم كل عنصر من عناصر الخليط على حده. إن كانت وسائل الإعلام قادرة على نشر المعرفة وتزويد الناس بالمعلومات والحقائق الكفيلة بتوسيع آفاقهم. أيضًا، تستطيع تزييف الحقائق، ومن ثم تستطيع أن تفرض على الناس مفاهيم وآراء هابطة مضادة لما يتطلعون إليه من أهداف وقيم اجتماعية سامية، وفي هذا المقال سيتم توضيح أنماط التحيز الإعلامي.[2]

التحيز الإعلامي يتعارض مع العناصر الواجب توافرها بالموضوعية، كضرورة توافر الدقة، وضرورة توافر الإنصاف والحيادية في المضامين الصحفية، وضرورة تحقيق التوازن وهو غير متوافر في التحيّز الإعلامي، وضرورة عدم إهمال سياق الموضوعات، وضرورة أن تكون المصادر موثوقة بحيث يتم إسنادها بشكل واضح، والشمولية، وضرورة أن يكون العمل لإبراز الحقيقة وليس لصالح أي جهة أخرى. ونشر الحقيقة حتى وإن تعارضت مع الجو العام، وضرورة أن يتم تقديم رأي الطرف الآخر، وضرورة الابتعاد عن كافة القصور التي تكون في عملية نقل آراء الأطراف الأخرى. [3]

تكمن أهمية التطرق لأنماط التحيز الإعلامي، أننا نتعرض بشكل مستمر لوسائل الإعلام، ويمثل ذلك تحدياً تربوياً، زاد في العصر الإلكتروني والرقمي وخصوصا في ظل وجود فيروس كورونا المستجد. يتوجب علينا فصل الحقيقة عن الرأي، وكذلك تقييم النص والصورة لكشف التحيز. أيضاً، بناء وتفكيك النص على أساس مبادئ المنطق، ويؤدي ذلك إلى بناء السلام المجتمعي. لذلك قد تم تطوير عدد قليل من البرامج التعليمية كجزء من التعليم الأساسي الحديث[4]. أنماط للتحيز الإعلامي كثيرة وتختلف من مدرسة إلى أخرى، سأذكرهم مع أمثلة توضيحية. أولهم أنماط الانحياز غير البنيويّة أي التي يمكن تجنبها بسهولة، ومنها الانحياز بالمحاباة ويقصد بذلك قيام الصحفي بالعمل الإعلامي لصالح طرف أو أكثر، وفي نفس الوقت يكون على حساب طرف آخر. مثلا أظهر تحليل أجراه مرصد مصداقية الاعلام الاردني “كيد” حول التحيز في المحتوى الاعلامي بشأن قضية الدجاج الفاسد، تحيزا ومحاباة لأحد الأطراف في القضية التي لاقت اهتماما اعلاميا واسعا منذ الكشف عنها في 30 أيار الماضي. تبين من التحليل الذي بلغت عينته 64 مادة صحافية بنسبة 50 ٪ من أصل 128 مادة منشورة في المواقع الإلكترونية والصحف اليومية حتى 5 حزيران 2017، أن هناك انحيازا بنسبة 75 % لأحد الأطراف في القضية، وهي شركة الدواجن والتجار المتورطون، فيما كانت نسبة عدم “الانحياز والمحاباة”هي ربع العينة 25 ٪[5].

  • الإنحياز الذي يشمل الإختيار للقصص الإخبارية، والتحيز في اختيار الصحفي للمصادر، والإنحياز الذي يكون بالإستحسان أو الإستهجان، والإنحياز بالحذف الإختياري ويقصد به التحيّز تجاه الحذف أو إخفاء بعض الحقائق، التي تكون داعمة لجهة معينة وتقديمها بالشكل الذي يمكن إضعافها بهدف تقوية آراء الطرف الآخر. التحيّز من خلال استخدام المصطلحات أو المفاهيم أو التعريفات الخاطئة من مثل كلمة إرهابي، والتحيّز الذي يختص بتقديم الرأي على اعتبار أنَّهُ خبر، والتحيّز الذي يساهم في نقص السياق، حيث يقوم الإعلامي بالإستغناء عن خلفية القصة وهو ما يجعل القصة الإخبارية ذات معنى محرّف وغير مفهوم؛ بحيث يخدم طرف على حساب طرف آخر، كل هذه الأنواع تدرج ضمن النمط الأول الإنحياز غير البينونة.[6]
  • أما النمط الثاني هو الإنحياز البنيويّة، وهو الإنحياز الذي يركز على قيام وسائل الإعلام بتغطية قصص إخبارية، بالتالي، هي تعتبر من الأنواع التي تشمل على الأخبار السيئة وذلك حسب اعتقادها أنَّ الأخبار الجيدة تكون ذات طابع ممل ولا تكون ذات أفلام أو صور جيدة. أما بالنسبة لإنحياز السرعة ويقصد به التحيّز الذي يساهم في جعل الصحفي قادر على اختيار المصادر الإخبارية التي يكون من السهل الوصول إليه.[7]
  • أما النمط الثالث هو انحياز وكالات الأنباء، وهنا يقصد بذلك تحيّز وكالات الأنباء تجاه تناولها للأخبار، وبالتالي يكون ذلك من خلال استخدام مفاهيم أو عبارات، مثل كلمة عاجل أو من خلال إعطاء مساحات تكون القصص الإخبارية محتلّة مساحة أكثر مما تستحق، أو من خلال وضعها في الخدمات الفرعية الثانوية للوكالات، ممّا تعطيها قيمة أقل مما يجب.[8]
  • أما النمط الرابع والأخير التحيّز في التلفزيون، ويكون ذلك من خلال التحيّز في مدة العرض، أو استخدام عنصر الإثارة أو من خلال التحيّز باستخدام لغة الجسد أو زوايا التصوير وحركات الكاميرا، ويتضمّن هذا القسم جميع أنماط الانحياز إلاّ أنّ خصوصيته تضيف له أنماطاً أخرى كالانحياز بترتيب الأولويات.[9]

أخيرا، أعتقد أننا بحاجة إلى تنفيذ برامج محو الأمية الإعلامية في المدارس، ولا سيما في المرحلة الثانوية، من أجل المساعدة على تطوير نهج مميز ونقدي للتغطية الإخبارية للمستهلكين في وسائط الإعلام وتعزيز الوعي الإعلامي وتطوير محو الأمية الخاصة بالإنترنت لمكافحة المفاهيم الخاطئة، التحيزات وخطاب الكراهية.

فرحان الحسبان 

المصادر:

[1]  ذياب الطائي (2011)، التضليل الإعلامي من صناعة الخبر إلى صناعة السينما، دمشق: دار الينابيع، صفحة 6 ، منشور على الموقع الالكتروني: : https://sotor.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D9%84%D9%8A%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A#cite_note-FLsMyKvDtx-2، تاريخ أخر مشاهدة ١١/٠٧/٢٠٢١

[2]  محمد حاتم (1994)، الإعلام والدعاية: نظريات وتجارب (الطبعة الثالثة)، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، صفحة 42.، منشور على الموقع الإلكتروني: : https://sotor.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D9%84%D9%8A%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A#cite_note-FLsMyKvDtx-2 ، تاريخ أخر مشاهدة ١١/٠٧/٢٠٢١

[3]  لبنى مهدي، التحيز الإعلامي، ٢٠٢٠، الموقع الإلكتروني: https://e3arabi.com/?p=259095، تاريخ أخر مشاهدة ١٢/٠٧/٢٠٢١.

[4]  تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، تقرير الفريق الرفيع المستوى (نيويورك، الأمم المتحدة، 2006)، ص 26. متوفر عبر الرابط التالي: www.unaoc.org/resource/alliance-of-civilizations-report-of-the-high-level-group-13-november-2006/.

[5]  مرصد مصداقية الاعلام الاردني “أكيد”، دراسة حول التحيز الإعلامي بقضية الدجاج الفاسد ٢٠١٧، منشورة على الموقع الإلكتروني:
https://www.hala.jo/?p=108998، تاريخ أخر مشاهدة ١٢/٠٧/٢٠٢١.

[6] كتاب أنماط التحيّز في المعالجة الخبرية\ رهام عبد العليم.، منشور على الموقع الإلكتروني: https://e3arabi.com/?p=259214، تاريخ أخر مشاهدة ١٢/٠٧/٢٠٢١.

[7]  ياسر عبد العزيز، شبكة الصحفيين الدوليين، 40  نوعًا من الانحيازيات في وسائل الإعلام عليك تجنبها، ٢٠١٣، منشور على الموقع الالكتروني: https://ijnet.org/ar/story/40-%D9%86%D9%88%D8%B9%D9%8B%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%B2%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%83-%D8%AA%D8%AC%D9%86%D8%A8%D9%87%D8%A7

[8] لبنى مهدي، مرجع سابق.

[9]  ياسر عبد العزيز، مرجع سابق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *