يُعرف التحيز لغةً بأنه المحاباة أو المساندة لطرف على حساب طرف آخر، وأن يرتبط هذا المصطلح بمفهوم الإعلام الذي تندرج تحته شتى أنواع المؤسسات والمنظمات العامة أو الخاصة والتي تكون مهمتها الأساسية أو طبيعة عملها تقديم الأخبار ونقل المعلومات. نستنتج بأن هنالك مفهوم جديد يطلق عليه بالتحيز الإعلامي والذي يكون مُفرغ من المعايير والقيم الأخلاقية التي تحتكم إليها طبيعة عمل المؤسسات الإعلامية بما في ذلك الحقيقة والدقة والإنصاف والمسائلة. ما يشكل هذا المفهوم الذي يؤثر سلباً في حتمية حقيقة المعلومة أو الخبر المنقول عبر المؤسسات الإعلامية والذي من المهنية الإعلامية أن يكون الخبر المنقول أو المعلومة المنقولة يرتكزان على تلك المعايير.
لربما يجب أن ندرك الفرق في المعنى بين كلمة التحيز وكلمة الانحياز لأن التحيز يعني الحكم المسبق في الموضوع أو القضية الخاصة أو العامة، وعادة ما يكون عن طريق تبنيها أو مساندة وجهة النظر أو العقيدة الإيدولوجية. أما الانحياز، هو أن يؤدي بالإنسان إلى القبول أو عدم قبول صحة إدعاء ما، ليس بسبب قوة الإدعاء ومؤيداته وبراهينه، لكن لأن هذا الإدعاء لا يلائم معتقداته وأفكاره المسبقة. تطرح الكثير من التساؤلات حول ما يتعلق بالتحيز الإعلامي، وأهم هذه التساؤلات هي كيف بدأ التحيز الإعلامي وأين كانت نشأته؟
منذ أن قام العالم الألماني غولدسميث يوهان غوتنبرغ بتطوير آلة الطباعة عام 1447م لتصبح أسرع وتستطيع من خلالها طباعة الصحف، ولتكلفتها المرتفعة، قد برزت حينها سمات التحيز بتقييد إنتاج الوسائط لعدد محدود من الأشخاص. وجد المؤرخون بأن الناشرين غالباً ما يخدموا مصالح الجماعات القوية في مجتمعهم كونهم الذين يقدمون العائد الذي يغطي تكلفة الطباعة وكونهم الشريحة الأكثر تأثيراً وتواجداً في المجتمع.
ومع تطور المجتمعات وصولاً إلى القرن التاسع عشر لمعت القوة الإعلامية كقوة اجتماعية حتى يومنا هذا وأصبح التحيز مناط بالتأثير الذي تتعرض له وسائل الإعلام من قبل الحكومات. أيضاً، هنالك تحيز سببه أصحاب ملكية المؤسسات الإعلامية وشاهدنا ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث أنه وبعد الحرب العالمية الثانية كانت غالبية الصحف ملكيتها تعود ليهود وكانوا ينشرون التقارير التي توضح حسب روايتهم ظلم النازية لهم وسوء معاملة الألمان لهم. بالرغم من أنه لا توجد أية ارتكازات صحيحة على هذه التقارير إلا أن ملكية الصحف التابعة لهم كونها الأداة الإعلامية ساهمت بتسهيل هذا التحيز حتى أنه عرضت بعض الأفلام في هولويوود استناداً لذات الراوية التي تخدم مصالحهم (تحيزهم) ومن الأمثلة على هذه الأفلام فيلم الدكتاتور العظيم للمثل تشارلي شابلن.
إننا ندرك بأن نشأة التحيز الإعلامي لربما بدأت منذ تشكل القوة الإعلامية ومعرفة مدى تأثيرها. وكيف تستطيع الجماعة استغلالها لنشر ما تريده بطرق مختلفة على حساب المبادئ المهنية لمهنة الإعلام التي تُفقد إن لم تكن تحوي الشفافية والوضوح والمصدر. لكن، قد تُطرح تساؤلات موضوعية بأن هل التحيز طبيعة بشرية؟
وهل من الممكن أن نتحيز لأنفسنا على حساب الآخرين؟ أو من الممكن أن نتحيز لعائلتنا على حساب عوائل أخرى؟ أو من الممكن أن نتحيز لمجتمعنا على حساب المجتمعات الأخرى؟
جميع هذه التساؤلات تحتمل إجابات مختلفة وقد تختلف من شخص إلى أخر. علينا أن ندرك بأن التحيز الإعلامي كمفهوم هو آت من سلوك انطبق تطبيقه داخل المجال الإعلامي ليخدم محركه تبعاً لانحيازه. لأنه لن يكون هنالك انحياز إعلامي إن لم يكن هنالك انحياز للشخص الذي استخدم الإعلام كأداة من خلالها استطاع إيصال فكرة ما هو متحيز لها من الأساس. أو حتى عدم إظهار خبر ما ليخدم توجهه أو لربما إبهام متعمد لأخبار أو معلومات وصولها بشكل واضح قد لا يخدمه. لا بد لنا أن نشاهد الأمثلة التي ينطبق عليها مفهوم التحيز الإعلامي. وفي نفس الوقت بعد أن أدركنا معنى التحيز الإعلامي وتاريخه ونشأته لربما لمعت في مخيلتنا العديد من الأمثلة التي تنطبق على هذا المفهوم. هذا هو الهدف من المقال وهو معرفة حقيقة ما نراه عبر الإعلام وهل هو طرح إعلامي متحيز أم أنه طرح إعلامي مهني؟ هذه القوالب التي تشكلت في مخيلتنا ستجعلنا أكثر حرصاً اتجاه المعلومة أو الخبر المنقول من ناحية عدم إهمال التحري الشخصي عن صحة الشيء وهذا بحد ذاته أمر سيعزز مبادئ الدقة والبحث المنهجي والتفكير التحليلي الناقد خاصتنا.
من أشهر الأمثلة على التحيز الإعلامي كانت حرب العراق 2003، حيث أن هنالك الكثير من الساسة والمفكرين يصرحون بأن سبب إعلان هذه الحرب ليست الإدارة الأمريكية كمنظومة سياسية بقدر أن المسبب الألمع كانت وسائل الإعلام الأمريكية. حيث أنها تبنت نهج التحيز اتجاه حدوث هذه الحرب وعرضت ما قبل بدأ الحرب الكثير من الأخبار الكاذبة والمفبركة والتي كُشف عنها فيما بعد. كانت هذه الأخبار تستهدف حقيقة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وكل هذا كان لأجل تحقيق الغاية الأهم بالنسبة لهم وهي حدوث الحرب بالرغم من صدور تقارير كثيرة من مراقبي الأمم المتحدة تؤكد عدم امتلاك العراق لهذه الأسلحة. هنالك قصة شهيرة حول نشر الأخبار الكاذبة والتي تثبت تحيز الاعلام الأمريكي آنذاك و متعلقة بالمذيع الأمريكي “بريان ويليامز” والذي تم ايقافه لمدة 6 شهور في قناة ال “ان بي سي” نتيجة لعقوبة نتجت بعد تحقيق داخلي في القناة أثبتت أن المذيع قام بتحريف الكثير من الأحداث الذي كان يغطيها قبل وأثناء الحرب.
من الأمثلة على التحيز الإعلامي على المستوى العربي، أحد أبرز الأمثلة هي اليمن، حيث أن بعض وسائل الإعلام العربية اعتمدت على تحيز إعلامي واضح يشرع التدخل العسكري الذي كان على رأسه السعودية ودول أخرى متحالفة في تحالف أطلق عليه “عاصفة الحزم”. وقبل بدأ هذه الحرب سلطت وسائل الإعلام العربية الضوء على فكرة أن هذا التدخل هو حماية للأمن القومي الخليجي بالرغم من أنها لم تسلط الضوء على أن اليمن في الفترة آنذاك قد وصلت الفصائل المتنازعة إلى ميثاق وطني كان سيوقف النزاعات المسلحة على الأقل!. بعد هذه الحرب وما سببته من توترات سياسية داخلية نتج عنها مجاعة ما يقارب 3.7 مليون مواطن يمني حيث أنه وحسب تقارير الأمم المتحدة يموت طفل كل عشرة دقائق في اليمن.
الذي يسيطر على وسائل الإعلام يسيطر على العقول
هذه المقولة الدارجة نستطيع أن نفند معناها عندما ندرك مفاهيم مهمة مثل مفهوم التحيز الإعلامي. البعض يعتبر التحيز الإعلامي إيجابي في بعض الأحيان لكن يستند الأمر تبعاً لتحيزه الأساسي اتجاه ما يشرع له داخلياً التحيز الإعلامي. لأهم أن ندرك بأن التحيز الإعلامي بمجمله سلبي وكما شاهدنا في الأمثلة أن التحيز الإعلامي قد يوصل الأمر إلى طمس حقائق لو أنها كانت معروضة لما أنشبت الحروب. هذا النوع من التحيّز رائج ومن الواجب أن نوضح ضرر تحيز الوسائل الإعلامية من خلال شرح مفهوم التحيز وكيف بدأ وما هي أمثلته وأن نستطيع من خلال ذلك نقده أو كشفه على الأقل كي ندرك بأن المعلومة الصحيحة لا تصل عبر وسيلة اعلامية اعتادت على التحيز. هذا يستدعي منا التحري اتجاهها لتكون شاملة جميع التوجهات ومن هنالك نستطيع أن نحكم على صحتها.
اعتقد بأن التحيز الإعلامي هو ظاهرة مشبّعة فيها كافة المجتمعات، مما جعل الوصول إلى الحقيقة أصعب بالرغم من وجود الوسائل المتطورة. نستنتج أنه من السهل أن نتلقى المعلومات لكن من الصعب أن نتحرى صحتها. فهم هذه الجزئية بنظري يساعد على تنمية القدرات الفردية واكتساب المعارف المختلفة وجعل التفكير أو الإنتماء أو التبني لأي شيء ليس معتمداً فقط على المحيط الضيق. لو أردت أن أستعرض ايجابيات التحيز الإعلامي من منظوري سأستعرضها على أنها تجعل الفكر الجماعي واعي ومدرك لما يراه ويعرف المعلومة أو الخبر الصحيح من الغير صحيح وهذا لن يحدث قبل أن يعرف المجتمع مفهوم التحيز الإعلامي!.
عبدالله المساعيد