جميعنا ينظر إلى المرآة، وعندما تنظر في المرآة عليك أن تدرك أن ما تراه هو كل ما ستصبح عليه إما أن تتقبله أو تتوقف عن النظر في المرايا، فما هو الوعي على الذات؟ إنها القدرة على رؤية أنفسنا بوضوح لفهم من نحن، وكيف يرانا الآخرون؟ يمنحنا الوعي الذاتي القوة. الوعي بالذات هو أحد أصعب المهارات الإنسانية، لكن ذلك لا يعني أنّ اكتسابها وتطويرها أمر مستحيل. بالتدريب والتمرين يصبح كلّ شيء ممكنًا. كثيرون منّا يشعرون أنّهم يمتلكون جوانب في شخصيّتهم أو حياتهم لا يستطيعون فهمها. قد يلاحظون أيضًا بعض التصرّفات والتوجهات والسلوكيات التي يقومون بها مرارًا وتكرارًا على الرغم من أنّها في كلّ مرّة تقودهم إلى نتائج سلبية، ولكنهم لا يستطيعون التوقّف عنها. فما هو السبب وراء ذلك يا ترى؟ حسنًا، يعود الأمر في الكثير من الأحيان إلى افتقار مثل هؤلاء الأشخاص إلى مهارة حياتية مهمّة ألا وهي الوعي على الذات.
قد ينجم عن هذا الوعي بعض من القلق والتوتر بشأن كيفية فهم الآخرين له، والوعي الذاتي الخاص يظهر عندما يقوم الشخص بتقييم نفسه بنفسه، مثلًا الشعور بوجع بالمعدة بسبب نسيان الدراسة لإمتحان مهم، فإذن يساعد الوعي الذاتي في فهم النفس وكيف ترتبط مع الآخرين أي تقييمها ومقارنتها مع الآخرين. إنّ فهم الشخصية والقيم والرغبات يُساعد كل شخص ليصبح أكثر وعيًا بذاته، بالإضافة إلى ذلك فإنّ معرفة المزيد عن النفس يُساعد على إنشاء حياة أفضل، وإجراء تغييرات إيجابية لتحسين نقاط الضعف وإدراك الذات، يجب علينا الانتباه إلى الطريقة التي نفكر ونشعر بها لأننا نتصرف بناءً عليها. عندما يكون لدينا الوعي على الذات هذا يجعلنا أكثر إبداعا وأكثر ثقة بأنفسنا ويجعلنا نتواصل مع الآخرين بأفضل الطرق. من يمتلكون الوعي على الذات يبتعدون عن الكذب والغش والخداع، لهذا هم يحظون بعلاقات جيدة وقوية في نطاق العمل والعائلة.
الوعي على الذات يساعدنا في إنشاء حياة أفضل وعند إجراءنا التغييرات الإيجابية لتحسين نقاط الضعف وإدراك الذات وتعزيز الذكاء العاطفي. بناء علاقات أفضل يعمل على تحسين المزاج ويساعد على تطوير مهارات اتخاذ القرارات وهذا يعزز مهارات التواصل الفعال مما يساعد على رفع الإنتاجية. حتى تستمر بالتطور عليك أن تعمل على إضافة واكتساب عادات تجعل حياتك تتقدم وتستمر للأفضل، وبالأخص إذا كنت تغير العادات بإدراك بعض العادات التي قد تفيدك إذا قمت باكتسابها: التأمل، إدخال الأكل الأخضر الصحي. هاتان العادتان قد تساعدك على أن تكون مرتاح جسديا وصحيا وهذا يؤثر إيجابا على الصحة النفسية. عند تخصيصك فترة زمنية كل أسبوع لتحديد نقاط القوة والضعف لديك هذه الفترة سيكون لها تأثير إيجابي في مساعدتك على التغير للأفضل. دعونا لا ننكر أنه حتى يكون لديك وعي بذاتك عليك أنت تسأل من حولك لتجمع تعليقاتهم، بعض الأحيان قد تغير آراء الأشخاص من قناعاتنا وتعطينا الشجاعة للقيام بما نريد القيام به دون خوف لأن الخوف يقلل ثقتنا بأنفسنا ويزيد من القلق والتوتر.
في مرحلة التقدم قد تمر بمراحل تكون فيها بقمة السعادة وأمور تجعلك بقمة الإحباط، انتقالك من شعور السعادة إلى الإحباط هذا أمر طبيعي لكن من غير الصحي البقاء في شعور الإحباط لأنك ستبقى مكانك وتمتنع عن الإنجاز. هذا ما حصل مع الفتى الذي سأروي قصته كان قد أنهى مرحلة الثانوية العامة وقال لأهله أنه سيدرس الفنون لكنهما عارضاه وحاولوا إقناعه أنه خُلق ليدرس الهندسة ويصبح مهندسًا كجده، حاول إقناعهم بأنه لو يدرس الهندسة لن يفلح فيها، قالوا عنه فاشل وأنه لا ينتمي لهذه العائلة لأن كل فرد في العائلة إما أن يدرس الطب أو الهندسة، معارضتهما له جعلته يشعر بالإحباط لكنه أصر على رأيه على دراسة الفنون، لم تتوقف أذناه عن سماع كلمة فاشل من جميع أفراد العائلة لكنه استمر بالإصرار على رأيه حتى أنهى المرحلة الجامعية وقام بافتتاح معرض خاص فيه، وبعدها أصبح ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي ليخبر الناس كيفية تخطي كلام الآخرين وجعله حافز للنجاح وليس الفشل. علينا دائما أن نجعل من المصاعب والمصائب جسرا نعبر به إلى النجاح، عندما تتحلى بالثقة بالنفس وتصبر على إحباط الآخرين ستنول ثمرة تعبك وستتأكد بأن مجهودك على ذاتك لم يذهب هباءً، وأنك على بعد خطوة من تحقيق الحلم، عندما تكون واعي على ذاتك ومتأكد من قدراتك وما تستطيع فعله سيكون من السهل أن تخطو وتمشي عكس التيار لأنك متأكد أنك لو سمحت لنفسك أن تفعل ما لا تريده ستكون النتيجة غير مبشرة.
علينا معرفة أن التفكير لا يعني وجود المعرفة لأننا نتعلم ونكتسب طرقا جديدة في كل يوم نعيش به، من الطبيعي أن يكون هناك أشياء لا تعرفها. عند التعمق بذاتك حتى تكون شخص واعي على نفسه عليك باحتواء ذاتك واستيعابها، عند الحذر بالتعامل مع ذاتك ستبعد عنك مشاعر القلق والتوتر، جميعنا نشعر بمشاعر سلبية عندما نكون لا نعرف ذاتنا، الحل هو أن تفكر في أنسب طريقة للتعامل مع هذا بدلاً من السماح لمشاعري السلبية بالسيطرة. عليك أن تجد طرقا إيجابية لإطلاق غضبك، عليك بتحفيز نفسك لتكون قادرا على تحقيق أهدافك بالرغم من وجود العقبات في طريقك. عندما تصل لمرحلة الوعي على الذات بشكل كافي ستجد أنه من السهل عليك أن تتخذ خطوات واعية إيجابية حتى لو لم يكن مزاجك يسمح بذلك، ومن السهل أن تقول رأيك إذا لم توافق على رأي الشّخص الآخر. عندما تدرك أن شخص واعي سيكون من السهل أن تفعل الشيء الذي كنت قد رأيته بحاجة لتغيير. أن تكون واعي على ذاتك لا يعني أنك دائما على صواب.
يجهل الكثيرون حقيقة أنّ العديد من الأمور التي تزعجهم في الآخرين، ما هي في الواقع إلاّ انعكاس لصفات وسلوكيات يكرهونها في أنفسهم. جميعنا نمتلك جوانب لا نحبّها في أنفسنا، ولا نشعر بالفخر لوجودها فينا، وفي حال كنّا نجهل كيفية التخلّص منها، أو نؤمن في أعماقنا أنّه من المستحيل التغلّب عليها، سنلجأ على الأغلب إلى الحلّ الأفضل ألا وهو عدم التفكير فيها. على الرغم من أنّ تجاهل هذه الجوانب قد يكون مريحًا، إلاّ أنّه ليس حلاًّ منطقيًا على المدى البعيد. لذا وفي كلّ مرّة تشعر بأنّ تصرّفًا معيّنًا في أحدهم يزعجك كثيرًا، اسأل نفسك قبل كلّ شيء: هل يمكن أن يكون هذا التصرّف انعكاسًا لصفة أو سلوك أكرهه في نفسي؟ هل أتصرّف بطريقة مشابهة أنا أيضًا؟ الإجابة عن هذا السؤال ستكشف لك الكثير عن نفسك وتزيد من وعيك بذاتك. وفي الوقت الذي يوجد لدى كلّ واحد منا جوانب في نفسه يعلم أنه بحاجة لتحسينها، تبقى الجوانب التي لا ندركها هي الأهمّ على الإطلاق. الطريقة الوحيدة لاكتشاف هذه الجوانب هي من خلال سؤال الآخرين عنها.
عليك تجنّب اتخاذ الموقف الدفاعي بأيّ ثمن والتحدث بهدوء، وعليك بالطبع توقّع حقيقة أنّه لن ينتابك إحساس رائع حينما يخبرك أحدهم عن سلبياتك. ولا ضير في ذلك. من الطبيعي أن تشعر على هذا النحو. ابذل جهدك لتقبّل التعليقات التي تتلقّاها، اشكر الشخص الذي قدّمها لك، ووضح له أنّك ستبذل جهدك للتعامل مع هذه الجوانب السلبية فيك.
نوال مسعود