في خضم الحياة المزدحمة والأحداث المتتاليه وسرعة الأيام والسنوات، بدون سابق انذار قد تطرأ في داخلك اسئله، ماهي الحياة التي أريدها بالضبط؟ وتبدأ في البحث والتفتيش للبحث عن ذاتك الحقيقيه. كلما احتويت نفسك ستجد حقيقتك. لكل شخص منا، له شخصية فريده من نوعها وكينونيه خاصه لاتتكرر. يبدأ الانسان بالإبتعاد عن حقيقته كلما اتخذ مسارا بعيدا عن داخله، باختياره لحياته وفقا لأرآء الآخرين أو المجتمع أوالأصدقاء وتصبح حياته لاتشبه حقيقته ويفقد معنى الإبداع والشغف ومن هنا تبدأ ضياع الحقيقه الداخليه. هل يصعب علينا الحصول على السعادة والسلام، الحُب، الفرح والنجاح إذا كان هذا جزء لا يتجزأ من ذاتنا الحقيقية؟. كيف أخرج من وحل التعاسة وتأنيب الضمير والأكتئاب والضيق والمشاعر السلبية والضياع والتشويش الذي أنا فيه؟.
الجميع يشعر بما تشعر، لست وحدك ولكن تستطيع أن تنجو من كل تلك المشاعر السلبية التي تغرقك. هل معرفة الذات تساعدك على التعامل مع حياتك وفهمها لتدرك وتفهم رحلة الحياة. من أين تبدأ؟ السؤال الأول الذي يتبادر لأذهان العديد من الأشخاص الراغبين في تطوير أنفسهم ووعيهم كما كنت أسأل نفسي لفترة طويلة من أين أبدأ كثرت المصادر وكثر المدربين الذين يتحدثون عن الوعي والتنمية الذاتية مما زاد من شعور التخبط والضياع لكثير من المبتدئين في عالم الوعي وتنمية الذات. يمكن تعريف الوعي على أنه النقلة النفسية أو قد تكون النقلة الروحية والبصيرة والهدوء التي تجد فيها ذاتك. مفهوم الوعي ببساطة هو رحلة الحياة نحو التغيير الداخلي والخارجي للأفضل.
يذكر كتاب “قفزة الوعي”، أن الوعي في مفهومه الدقيق معناه الفهم، وإدراك الأشياء على حقيقتها دون تحريف، أو تشويه، أو تضليل لها. أعتقد لو طُلب مني شرح مبسط عن مفهوم الوعي في جملة أقصر لقلت انه رحلة الذات نحو البصيرة. للعودة لما ذكرته مسبقاً أن الوعي هو رحلة حياة، هو فعلاً رحلة طويلة تعيش عمراً كعمرك تماماً. لكن، المفارقة العجيبة أن البعض يمتلك وعي مضاعف لعمره الحقيقي، والبعض ما زال وعيه الذاتي لا يتعدى الخمس سنوات بينما يبلغ من العمر ثلاثون عاماً. أي أنك لن تصبح واعٍ فقط لمجرد امتلاكك معرفة واسعة بمجال محدد من مجالات الحياة كالطب أو الهندسة أو المجالات الفنية والأدبية. قد تكون “بروفسورا” أو مديراً لكنك لا تملك ذاك الوعي الذي يمكنك من فهم نفسك وفهم الآخرين بحيادية وعدم التحيّز لشخصك. الوعي أيضاً لا يعني اختزالك لألاف الكتب في دماغك، الوعي هو البصيرة، والبصيرة هي عين القلب، التي من خلالها تتمكن من رؤية الأحداث بزوايا مختلفة وعدم التعصب والتشدد للزاوية التي تنظر من خلالها. يمتد مفهوم الوعي الذاتي لنقطة أعمق وهو احتضان واحتواء ذاتك، أو بعبارة أخرى، هو قبول تام لتصرفاتك، فتعمل على تحسين ما تستطيع تحسينه، وتتقبل فكرة أنك ما زلت تخطئ في زوايا آخرى قد فعلت المستحيل لتحسينها لكنها ما زالت عالقة فيك بينما أنت تحاول أن تنزعها. أي أنك واعٍ تماماً بأن رحلتك لم تنتهي بعد، وأنك تتقبل كل تقلّبات رحلتك بكامل فصولها، من خريف إلى ربيع، من شتاء إلى صيف، هو شيء أساسي، بل وثابت في رحلة الوعي الذاتي.
الوعي هو رحلة تغوص فيها إلى أعماق ذاتك، أنك تحوّل تركيزك من العالم الخارجي المادي إلى العالم الداخلي الروحي أو النفسي. بيوتنا ليست هنا، ليست على الأرض، بيتك ليس خارج ذاتك، إنه في مكان ما في داخلك، إنه في أعماق كيانك. لكن، كيف يمكن للمرء أن يبدأ في تبّني مفهوم الوعي الذاتي؟، بدايةً وكأهم خطوة، أن تحمل المسؤولية وإيمانك أن لك الحق في الإختيار. من أين تبدأ؟ ممكن أن تبدأ بقناعة واعتراف حقيقي بأن كل ما يحدث في حياتك الآن هو مسؤوليتك أنت وحدك، ليس بسبب مجتمعك، ليست عائلتك، قد تكون تلك الأشياء هي مسببات خارجية وعوائق، لكنك مسؤول على أن تبقيها في طريقك أم أن تضعها على الرصيف وتكمل طريقك، في اللحظة التي تؤمن بها وتعترف بهذه الحقيقة، تكون قد بدأت في أول خطوة في رحلة الوعي الذاتي، وقد تكون من أصعب المراحل. لا يمكن أن تقود السيارة قائلًا أن السيارة هي التي تتحكم بي لن تصل إلى وجهتك أبداً إلا بعد أن تعترف بأنك المسؤول والمتحكم الوحيد في عملية القيادة، بعدها ستكون قادرا على الذهاب أينما تشاء. كذلك في رحلة الوعي الذاتي. عليك تحمل مسؤولية ما يحصل في حياتك، وبسبب واضح أو غير واضح، فإن كل ما تعيشه الآن هو نتاج خياراتك في الماضي، سواء اخترتها بوعي او بدون وعي، شئت أم أبيت، انها حقيقة لا مفر منها. حتى المدرسة الأساسية التي اختارتها لك والدتك، وزميل الدراسة الذي فرض نفسه عليك، جميعها دون استثناء لها دور في رحلة وعيك، لكنك مسؤول الآن بعدما تبنّيت الخطوة الأولى، وهي تحمل مسؤولية ما يجري الآن وتحسين ما تستطيع تحسينه دون جلد ذات أو لوم.
انطلاقاً من السؤال: لماذا التعرّف على الذات، وهل للتأمّل علاقة بنجاح ذلك! يمكننا القول ببساطة، أن التأمّل هو حالة من الهدوء تسمح لنا بمراقبة أفكارنا قبل التسرع باتخاذ أي قرار، وذلك لتصفية وإعادة ترتيب الضجيج الناتج عن تزاحم وتضارب الأفكار التي تجول في عقولنا وتسيطر علينا. يترتب على حالة السكون تلك أن تبدأ بالتركيز على ما يمكننا فعله حتى نُبقي الجهل بعيد كل البعد عن ما يعترينا من أفكار، تلك الأفكار التي تغزو دون سابق إنذار في أوقات جلد الذات مثلا، أو على النقيض، في أوقات انصاف النفس على حساب الآخرين. يساعدنا التأمل على الخروج من الحالة الذهنية المرتبطة إما بالماضي أو المستقبل، واستبدالها باللحظة الحالية، والإنغماس بشكل تام بالحاضر. من خلال عملية التنفّس العميق المتناغم بين الشهيق والزفير، التي تتباطأ بفضلها دقّات القلْب، وتسمح للجهاز العصبي بالاسترخاء والخروج من حالة الفعل الدائر. ولأن رحلة إدراك الذات رحلة تبدأ من الداخل، التأمّل هو المكان الوحيد الذي نغمض فيه أعيننا لنرى كما ذكرت مسبقاً “بعين القلب” أي البصيرة.
لماذا الوعي الذاتي؟ لأنه الثابت الأساسي لحياة خالية تقريبا من المشاكل النفسية التي يترتب عليها إذا تركناها إلى مشاكل تحتاج علاج نفسي. لأن الوعي الذاتي هو بداية الرحلة التي من خلالها ستتعرف على نفسك وتحتويها، تُطمئنها حينما لا تجد أمامك من تستطيع أن تخبره عما بدا لك، لأنها المُنقذ الأول الذي تلجأ له في حين وقوعك في مشكلة تحتاج منك ردة فعل سريعة. تبقى رحلة الوعي الذاتي رحلة صعبة في بداياتها، يبقى الكلام هباءاً منثوراً دون البدء بالتطبيق، يتوقع الناس عادة بأنهم يستطيعون امتلاك الوعي الذاتي أو تبنّيه بسهولة عند قرائتهم لشيء مشابه لما قلته، أو سماعهم أحد المدربين في هذا المجال، لكن الرحلة طويلة، ما تبذله في الدقيقة حتى تكون إنسان واعٍ لذاتك سيُعطيك بدلاً من تلك الدقيقة سنة كاملة، الصعوبة تكمن في بدأ التطبيق والإرادة دون تماطل أو تسويف. تذكر دائماً أن الأستاذ سيكون متجهزاً للعلم عندما يجهز الطالب للتعلم، كن على استعداد لمعرفة ما هو جديد في علم الذات، لأن الذات هي الطريق الأول للتقبل، والتقبل أعظم الأشياء التي تُبقينا بعيدين كل البعد عن الجهل والحيرة المفرطة. في كل ثانية يوجد رحلة جديدة للتعلم من خلالها، فكن على استعداد.
رنا ضمرة