نافذة جوهاري ومعرفة النفس

نافذة جوهاري ومعرفة النفس

تمر علينا أمور لا نعرفها عن أنفسنا من مواقف وتجارب وغيرها. لكن، هل يوجد طريقة لمعرفة أنفسنا جيداً؟ الحد العميق وبأدق التفاصيل؟. هناك طريقة علمية، من أهم النقاط التي يجب على الشخص معرفتها واكتشاف ذاته هي أن يسأل نفسه باستخدام نافذة جوهاري (مشتقة من أسماء علماء النفس جوزيف لافد وهاري). الهدف منها تعميق الوعي الذاتي للإنسان، أن يكتشف مناطق عميقة بداخله، وأن يعرف نظرة الآخرين له كشخص وانطباعاتهم عنه. بالإمكان استخدام نافذة جوهاري لتمكين التفاهم والعلاقات بين الأفراد داخل فريق أو مجموعة، سواءاً في حياتك الشخصية أو العملية. تساهم نافذة جوهاري على تشكيل عملية فهم الآخرين بطريقة أوسع. فكر بالأمر وكأنك ممسك بورقة وطويتها من المنتصف، ومن ثم طويتها مرة أخرى، بهذا بات لديك أربعة مربعات في نافذة واحدة، وكل مربع منها يمثل منطقة أنت تراها وأخرى يراها من حولك.

إن هذا النموذج يقترح أن لكل واحد منا أربعة مناطق أو غرف، تختلف نسب اتساعها من شخص لآخر. هذه الأداه تجعل الإنسان يكتشف ذاته من خلال أربعة مناطق. سميت المنطقة الأولى بالمنطقة المفتوحة. وهو ما يعرفه الشخص عن نفسه ويعرّفه الآخرون من خلاله، كأن تكون شخص تتفانى من أجل الأشخاص الذين تحبهم من جهة، ومن جعة اخرى أنت شخص سريع الغضب اتجاه مسائل معينة. لكنك ستتسائل، كيف اطوّر من نفسي المكشوفة لي وللآخرين؟ تلك النفس التي قد تسبب لي بالمضرّة أكثر من المنفعة؟. ستقوم بخفض السلوكيات السيئة وتركز على تنمية السلوكيات الجيدة عن طريق تزويد نسبتها وأن تذكر نفسك دائماً أنه وإن بدر منك تصرفات مكشوفة لا تعجبك أو تعجب الآخرين لكنك -على الأقل- تمتلك صفات جيدة. أما السلوكيات الغير مرغوب بها، حاول أن تقرأ أكثر عن كيفية التخلص منها أو التقليل منها. بالإمكان أيضا، أن تسأل المقربين جداً منك عن أفضل النصائح التي من خلالها قد تتجنب تلك السلوكيات الغير مرغوب بها. بذلك سوف تحافظ على تطوير نفسك وعدم الشروع على جلد الذات والتخلص من السلوكيات الغير مرغوبة سواءاً في علاقاتك الشخصية أو في حياتك العملية.

أمّا المنطقة الثانية تُسمى المنطقة العمياء؛ هي الأمور التي يلاحظها الآخرين عنك لكنك لا تعي تماماً أنها موجودة فيك، أو أنك لا تعرفها عن نفسك وهنا، سوف تقوم بإدراكها. من المحبذ أن تسأل زملائك في العمل أو أصدقائك المقربين عن صفات أو تصرفات لا يحبونها فيك بكامل الحيادية وانتقاء الأشخاص الكفؤ لهذه المهمة. ومن ثم تعمل على تجنب القيام بها لكي لا تفقد علاقاتك في العمل أو تأذي الأشخاص المقربين منك من دون وعي وأنت تجهل الأسباب. حاول أن تسأل الأشخاص تحديداً عن تصرفات بدرت منك ولم تكن في محلِّها محاولاً إدراك تصرف بديل يمشي مع مبادئك ولا يأذي الآخرين.

أما المنطقة الثالثة فهي المنطقة المُخبّأة، أي الأشياء المجهولة بالنسبة للآخرين، المعروفة تماماً بالنسبة لك، المكبوتة داخلك، كالخجل الشديد مثلاً، أو الشعور بالعار من بعض الامور التي تمتلكها كنوع سيارتك أو مستواك الإجتماعي، أو قلة الثقة بالنفس وغيرها الكثير. هنا يجب عليك التصالح مع نفسك، ليست بالكلمة السهلة وتحتاج الكثير من التدريب وتذكير النفس بأن بين يديها الكثير من الموجود مقابل الغير موجود. كأن تكون شخص ودود متفهم للآخرين بنفس ذات الوقت الذي تكون به خجول. أن تبحث أكثر بين أصدقائك ومعارفك وأهلك عن الأشياء التي يشعرون بالخجل حيالها، لكي تعي تماماً بأن الجميع ينقصه أشياء، أي لا أحد كامل. بناءا على ذلك يجب أن تتفهم ذاتك الإنسانية أكثر لكي لا تؤثر عليك هذه المشاعر السلبية وتجعلك متأخر أو أن تعرقل مسارك.

سميت المنطقة الرابعة والأخيرة بالمنطقة المجهولة، وهي الأمور التي تجهلها عن نفسك والآخرون أيضاً لا يعرفونها. هنا، يجب عليك أن تقلل من هذه المنطقة وتحجّمها حتى تكتشفها تماماً. من الممكن أن تمتلك مهارات لا تعلمها عن نفسك وتكون مفيدة لك وللآخرين. مهارات و قدرات أنت تجهل انها لديك وعليك اكتشافها عن طريق التفاعل مع أشخاص مختلفين عنك، قد تكون متفهم، متقبّل للإختلاف، وقد تكون على العكس من ذلك. في كلتا الحالتين يجب عليك البدء بتصحيح مسار سلوكياتك، أو جرّب أن تقوم بمهمات كان من المستحيل أن تفكر بالقيام بها، قد تمتلك صوتا جميلا للغناء، أو يدا ماهرة للرسم، أو لسانا عذبا يصبح مصدراً للتخفيف عن الآخرين، وظهر يستند عليه من احتاج إليه. يقال أنك إذا استخدمت هذه الأداة لتعمّق معرفتك بنفسك، فانّك ستتطور في حياتك العملية.

مثل ما نص عليه نموذج جوهاري، إن معرفة النفس والذات تعد من أحد أهم أسباب تطور ونجاح الإنسان في حياته. حيث أنها تعتبر عملية مستمر من المهد وإلى نهاية الحياة  يستكشف الإنسان فيها قدراته ونقاط قوته وضعفه، ويعرف شغفه وطموحاته. هذه المعرفة تساعد الفرد على التطور والتقدم في كافة مجالات الحياة. معرفة الإنسان لنفسه وذاته تعطيه رؤية واضحة لما يريد أن يفعل وكيف يريد أن يقضي حياته. هو إنسان لديه رؤية واضحة لرغباته وطموحاته وهذا يسهل عليه التخطيط للوصول إليها. كما أن لديه معرفة جيدة بنقاط قوته ويعلم كيف ومتى يستخدمها مما يجعل منه شخصا واثقا من نفسه وذو كاريزما عالية. كذلك كلما اكتشف الإنسان ذاته وخبايا نفسه كلما فهم أكثر واجباته الروحية والنفسية والعقلية مما يعني أن لديه قدرة على التوازن بين هذه الحاجات.

لكن هل تحمّل المسؤولية يساعدنا على إظهار قدراتنا؟. يكون أولاً وأخيراً من خلال إيمانك بقدراتك، لا ريب أنك تمتلك من المواهب والقدرات ما تندهش له العقول، ولكنها لا تظهر إلى السطح وإلى واقعك؟. لأنّك تتغاضى عنها ولا تسمح لها بالظهور، آمنت بأنك شخص اعتيادي وذو قدرات محدودة، صدقت ما قاله لك البعض عن محدودية قدراتك، فلم تبحث عن ميّزاتك، ولم تبذل مجهوداً لتطويرها، أزاح الستار عن جوهرك، ولا تخش من الفشل. مجرد البدء بالسعي لتنفيذ فكرة معينة أو عزمك على تحقيق نيّة ما هو بحدّ ذاته نجاح، إن نجحت فكرتك تكون قد أكملت النجاح، وإن لم تنجح فلا بأس. هدّئ من روعك، خذ الفكرة وادرس الطرق التي اخترتها لتنفيذ الفكرة، وَأْتِ بغيرها، ولا تيأس من تجريب المزيد من الطرق، فلعل الوسيلة التي تقف عندها يائساً هي نفسها الوسيلة التي ستأخذ بيدك للوصول إلى مرادك. كل ما تقوم به من أفعال وأقوال هو بإرادتك ومن مسؤوليتك، لا تنسب الأخطاء إلى الآخرين، قد تلوم الظروف والأحداث والأشخاص، هرباً من اللوم، ولكنك في الحقيقة تؤذي نفسك دون وعي. أنت تبرمج عقلك على أن حياتك رهن إشارة الآخرين، وأنك لا تستطيع صنع الحياة التي تحبّ لأنّ الآخرين هم من يتحكمون بك. إن أخطات فلا بأس اعترف بذلك، وخذ العبرة ممّا أخطات به، وتأكد بأنك في المرة التالية لن تخطئ ذات الخطأ. بذلك أنت تجعل من نفسك حرّاً ومسؤولاً عمّا تفعل، وسيعطيك قوة كبيرة في شخصيتك تؤهلك للتعامل مع الآخرين بكل بساطة ويسر.

الآن نستطيع أن نلخّص أو نُبسّط نموذج جوهاري على أنه يتمثل في معرفة الشخص لذاته الحقيقية وما بها من خبايا واسرار ونقاط قوة وضعف. معرفة النفس والذات تعد من أحد أهم أسباب تطور ونجاح الإنسان في حياته. يمكنك تخيل نافذة جوهاري على أنّها مبنى مكوّن من غرف و كلّما فتحت غرفة تُفتح لك آفاق واسعة واحتمالات عديدة. تتعدد امامك الفرص وتنجح أكثر في الإتساع ثم النجاح. كلما عرفت نفسك حقّ المعرفة سهلت عليك الطرق والخطوات، وقلّت عن طريقك العقبات وازدادت الهِبات. اسعى لتطوير نفسك وركّز على ذاتك فإن هناك الكثير مما لم تكتشفه وأن هذه هي المتعة بحد ذاتها عندما تكون واثقاً من نفسك و ملمّاً بكل تفاصيلك. التحلّي بالثقة بالنفس يكون أولاً وأخيراً بتذكر أننا ما زلنا بشر نتوق شوقاً للتعلم كل يوم، وكما يُقال بأن معرفة المشكلة وتحديدها هو أول خطوات الحل ومن ثم التطبيق العملي. 

رنا ضمرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *