تحقيق الذات ليست عملية سهلة أو تلقائية بطبيعة الحال فهي تتطلب أن يعيش المرء دوما في حالة من التطلع والتوجه نحو أهداف معينة. على الرغم من أنها تدفع في طريق الإنجاز، فهي تجلب معها المسؤولية والإلتزام، ومواجهة التوتر والصّراعات والمخاوف. تعد الحاجة إلى تحقيق الذات من الحاجات الأساسية التي يسعى الإنسان إلى إشباعها لتمكنه من الشعور بقيمته وقدراته وتعزيز الثقة بالنفس وتمكنه من القيام بأي عمل مثمر. حتى نتمكن من إدراك الذات وضع عالما النفس جوزيف لوفت وهارينغتون انغهام تقنية تستخدم لمساعدة الناس على فهم علاقتهم مع أنفسهم ومع الآخرين بصورة أفضل، نافذة جوهاري تستخدم بصورة أساسية في إطار الشركات ومجموعات المساعدة الذاتية كأحد التدريبات الحدسية المهنية وقد أطلقوا على اختراعهما اسم جوهاري بعد أن قاما بدمج اسميهما “جو” و “هاري”.
استخدم الإنسان منذ فجر التاريخ أنواع وأساليب متعددة من شأنها تعديل السلوك الإنساني وإن كان لم يرتقي بعد في سلم الحضارة إلا أن أغلب الظواهر والسلوكيات الإنسانية وحتى البدائية منها حين خضعت للعلم المتخصص أصبح لها اصطلاحها الخاص ومعناها الخاص بها. الإنسان لم يخطر على باله في تلك المرحلة المبكرة أن تفكيره فيما يحيط به من أشياء حوله من تضاريس ورسوم وأشكال سيسمى لاحقاً تفكيراً بصرياً أو تأملياً. كما لم يكن يعلم أنه حين يعود من الصيد ليقدم إلى أولاده نتيجة لانتظارهم اياه فإن تصرفه هذا يسمى بالتعزيز أو المكافأة إضافة إلى ما اكتشفه مبكراً من أساليب تعديل السلوك كالنصح والتشجيع والتصفيق. غير أنه في تلك الفترة واجه كما من التحديات التي لم يجد لها حلا وافياً كحالات الخوف والقلق أو الوساوس وغيرها والتي كان يشعر بها ولا يستطيع التعبير عنها أو تحديدها ومعالجتها بعد أن تكونت له الرغبة في التخلص. مفهوم نافذة جوهاري في التواصل يمثل أسلوب تحليلي يمكن أن تعتمده المنظمة لتأشير مواقع عملها وحجم تأثيرها الفعلي في البيئة الخارجية، على أساس معرفتها لذاتها وما هو حاصل فعلاً لديها من نشاطات وعبر عمليات الإتصال التي تحصل عليها. ما يقابلها أيضاً من معرفة البيئة (المجتمع) عنها وعبر أنشطتها ومنتجاتها المختلفة، وكذلك من خلال قدرتها على الإتصال بتلك الأطراف لمعرفة حقيقة ذلك.
الهدف من نظرية جوهاري هو تعميق الوعي الذاتي للإنسان بنفسه لأن كل منا لديه جوانب مكشوفة وظاهرة للجميع. هذه النقطة التي يستطيع التواصل مع الآخرين من خلالها جميع صفاته تكون مكشوفة ويكون سهل التعامل فيها. ولديه جانب لا يراه لكن الآخرين يرونه ويتضايقون منه وفي هذه الحالة هو بحاجة أن يسأل من حوله من زملاء وأقارب عن أشياء تزعجهم حتى يضيء على هذه الأشياء ويغيرها بنفسه ويحسن سلوكه في هذا المجال يسمى هذا الجانب في نافذة جوهاري بالمنطقة العمياء. هناك المنطقة المخبأة والتي يقصد بها الأشياء التي لا يعلمها أحد سواك يجب أن تتصدى لها لأنه من الممكن المشاعر السلبية الدائمة ممكن تجعلك تتأخر عن عملك وتتأخر عن التقدم الوظيفي والعائلي. عند شعورك بالخزي والعار من أشياء معينة هذا يؤثر على ثقتك بنفسك، يجب أن تعالجها وأن تتكلم مع أشخاص تثق بهم لتصارحهم وتصل لخلاصات. أما المنطقة المجهولة هي مهارات غامضة لا تدري أنك تمتلكها ولا الآخرين يعرفونها لذا عليك أن تتعمق بنفسك حتى تعرفها.
حتى نتطور ونتقدم يجب علينا التعمق بأنفسنا لأن هناك جوانب خفية قد تكون جيدة لو عرف الآخرون بها قد يقوموا بعمل توصية لنا وبالتالي نتقدم على الصعيد العملي والعائلي. في حياتنا الاجتماعية والعاطفية قد نقوم بأشياء ونرى أن ذلك جيد لكن الآخرين ينظرون لذلك الأمر بنظرة معاكسة ومغايرة كليا. لهذا علينا باستمرار توجيه أسئلة لأنفسنا ثم سؤال من حولنا حتى يعطينا تقييم على أدائنا حتى تخرج كل ما هو جيد بنفسك ولتكتشف ما لا تعرفه ويجهله الآخرين وتعالج الأمور السيئة بنفسك. علينا أن نعي عندما نصل لمرحلة أن الجانب المكشوف من شخصيتنا أكبر من الجوانب الأخرى أنه سيصبح التواصل مع الآخرين سهل. يعني عندما تكون تصرفاتنا ومشاعرنا ودوافعنا معروفة ونظهرها للآخرين سيكون سهل على الآخرين معرفة ما يضايقنا ويتجنبونه ومعرفة ما نحبه ويعززونه. أغلبنا نتعامل مع بعضنا بالانطباع الأول للشخص عندما نقوم بإخفاء ذاتنا عن الآخرين سيكون من الصعب التعامل معك، ببساطة لأنهم لا يملكون أدنى فكرة عن مهاراتك أو صفاتك الجيدة ولا السيئة لذلك علينا إظهار أنفسنا بوضوح وصراحة حتى لا نقبل أن نأخذ مهام ما لأننا نخجل الرفض عليك أن تحاول التعامل بوضوح تام ليسهل التعامل معك.
هناك مواقف تحصل معنا ضمن نطاق العائلة والعمل أحيانا ننكرها حتى يكون موقفنا قوي. سأحكي لكم قصة عن فتاة ناجحة ذات شخصية قوية لكن أسلوبها يستفز البعض من زملاءها بالعمل لكنها لا تعلم هذا الجانب ولا تدرك أنها من الممكن أن تكون غير مرغوبة للبعض. لم يقم أحد مصارحتها بذلك، وفي أحد الأيام استلمت قسم ما في الشركة التي تعمل بها، جاءها أحد الموظفين ليصارحها بأن أسلوبها لا يعجب الجميع وأنها لو تغيره سيكون هذا جيد. لكنها احتدت برأيها ونفت هذا الشيء وحاولت إقناعه أنها تستخدم هذا الأسلوب لأنها يجب أن تستخدمه، هي تظن أنها بذلك تضبط وتنظم العمل. بعد انتهاءها من العمل جلست أمام جهاز الحاسوب لكتابة التقرير النهائي للعمل، كان عليها القيام بعدة أبحاث وهي تبحث وعلى محض الصدفة قرأت عن نظرية جوهاري وبعد تفكير قررت أن تنظم تمرين بالشركة حتى يعرف الموظفين أنفسهم وييتعرفوا على بعضهم أكثر وبالفعل رأت أن هذا التمرين ساعد الموظفين بأن يعرفوا من الآخرين الجوانب الإيجابية الجيدة والجوانب السلبية التي يجب أن يتجنبوها لأجلهم ويحسنوها. توصلت إلى أن تكون شخص ناجح لا يعني أنك شخص مثالي. كل منا يملك جوانب عليه تنميتها وأخرى تغيييرها حتى يتطور ويتقدم.
ليس عيبا أن يكون لدينا ما نغيره بأنفسنا، الخطأ الأكبر هو أن ندرك ما يجب أن نغيره لكننا ندعي أنه لا توجد هناك أخطاء ونكمل وبهذا قد تتسع دائرة الجوانب التي يجب تغييرها فإن لم تغيرها على الأغلب ستبقى مكانك وعلى المرحلة التي وصلت إليها سابقا. علينا استخدام كل قدراتنا لنحقق ذاتنا ولنصل لإمكاناتنا الكامنة وتنميتها إلى أقصى مدى ممكن أن تصل إليه. يشمل السعي نحو قيم وغايات عليا مثل الكشف عن الحقيقة، هذه القيم والغايات تمثل حاجات أو دوافع أصيلة وكامنة في الإنسان. علينا أن نجعل تقييمنا لأنفسنا جزء مهم لا يجب أن نغفل عنه، لتصل لسلام خاص مع نفسك، نحن بالنهاية بشر لدينا قابلية للتعلم فيا حبذا لو نكتسب عادات جيدة قادرة على تحسيننا للأفضل. لذا علينا دائما تحديد سلوكنا المستهدف والتركيز على السلوكيات القابلة للملاحظة لنحدد شروط الـأداء الناجح ويجب علينا التأكد من إمكانياتنا ومهاراتنا لنصل إلى السلوك المستهدف تذكر أن عليك دائما الاستفسار من الآخرين عن ما يرونه فيك من أشياء إيجابية وسلبية لأن التحدث معهم يعمل على التعزيز الإيجابي وله دور كبير في تعديل السلوك فهو عامل أساسي في تدعيم السلوك المناسب.
نوال مسعود