التواصل: نقطة التقاء بين مارشال وماسلو

التواصل: نقطة التقاء بين مارشال وماسلو

لا شك أن عملية التواصل مهمة وتؤدي وظيفة معينة؛ اذ تؤدي دورها في ارسال واستقبال البيانات والمعلومات من خلال وسيلة اتصال مناسبة بين طرفين أو أكثر. عملية التواصل تتألف من عناصر هي المرسل، وهو مصدر الرسالة الذي يريد ارسال رسالة معينة إلى المستقبل. ثم المستقبل الذي يستقبل الرسالة، وهي ما يتم تناقلها بين المرسل والمستقبل في عملية الإتصال. الوسيلة، هي الوسط الذي من خلاله نرسل الرسالة، سواء كان هاتف، ايميل، او باستخدام وسائل التواصل الحديثة مثل الفيسبوك، الواتس آب، الماسنجر، وغيرها. التغذية الراجعة وهي رد الفعل الآتي من المستقبل على الرسالة الموجهة إليه من المرسل، وتبين التغذية الراجعة نسبة نجاح العملية الإتصالية. الإستجابة، وهي ردة فعل المستقبل على الرسالة التي وصلته من المرسل.

هناك تطور واضح في وسائل التواصل عبر الأزمان، اذ بدأ الانسان باستخدام صوته كخطوة أولى حيث كانت الحاسة التي يعتمد عليها في فهم الأصوات هي حاسة السمع. ثم اصبح الإنسان يحوّل الرموز والإشارات إلى حروف هجائية. بعد ذلك، بدأ الإنسان باستخدام العظام، والخشب والحجارة للكتابة عليها، كما استخدم أساليب أخرى؛ مثل الحمام الزاجل، والطبول، والمرايا العاكسة، وحتى النار. كما اكتشف الإنسان ورق البردى للكتابة عليه، الأمر الذي جعل عملية الاتصال أسهل. واستمر الإنسان في تطوير وسائل الإتصال إلى أن تم اختراع الآلة الطابعة التي سهّلت ظهور الصحف وانتشارها. بعدها ظهر الهاتف، والمذياع والتلغراف، وبعدها ظهر التلفاز، وترافق مع ظهوره الاقمار الصناعية، والتلفاز، و”الموبايل”. كما ظهرت تطبيقات عديدة تسهل من التواصل بين الناس ومنها الفيسبوك، الواتس آب، الماسنجر، وغيرها الكثير من التطبيقات. ما زال الانسان يطور من تطبيقات التواصل، ليصبح التواصل أكثر كفاءة وفعالية.

يعتبر التواصل وسيلة مهمة، يقوم من خلالها الفرد بالتعبير عن نفسه، عن مشاعره، عن فكره، عن تجربته. لذا ينظر الى التواصل كحاجة اجتماعية ملحة يجب تحقيقها، وهذا ما يشير له “ابراهام ماسلو” في هرم ماسلو. هو عبارة عن نظريّة فلسفيّة تتحدث عن سلّم أولويّات الإنسان المختلفة، مؤكدة بأنّ هناك العديد من الحاجات الاساسية التي يجب على الانسان أن يسعى لإشباعها، وأن الحاجات غير المشبعة تسبب إحباطاً وتوتراً وآلاماً نفسيّةً حادةً. رأى ماسلو أن الحاجات الأساسية هي: الحاجات الفسيولوجية وتتمثل في تأمين الاحتياجات الفسيولوجية للفرد من مأكل ومشرب وملبس. تأتي هذه الحاجة الأكثر أهمية في قاعدة الهرم. صعودا من قاعدة الهرم، تأتي حاجة الإنسان إلى الأمن ويتمثل الأمن في شعور الفرد أن ليس هناك ما يهدد حياته أو عمله.

الحاجة الثالثة، هي الحاجة الاجتماعية، حاجة الفرد للتواصل مع غيره وتكوين علاقات وصداقات. حاجة التواصل هذه هي نقطة التقاء بين ماسلو ومارشال “مارشال روزنبرغ” عالم النفس صاحب نظرية الزرافة والتي ابتكرها لتكون طريقة للتواصل. استنادا الى أن الزرافة ترى ابعد مما هو ظاهر عن قرب، بسبب رقبتها الطويلة، اذ هي تتحمل الانفعالات، لانها تملك اكبر عضلة قلب بين الكائنات. تساعدنا هذه النظرية في النظر للأمور بعمق، بل وإلى تغييرلغة التواصل لتصبح أكثر ايجابية، بل حتى سلمية. طور مارشال نهج التواصل اللاعنفي وأسمى كتاب له بهذا الاسم، وهذا النهج يقوم بكونه عملية فريدة وقوية لإلهام التواصل السلمي السليم (اللاعنفي). كما ويوفر إطارًا ومجموعة من المهارات التي تتعلق بالتواصل لمعالجة مجموعة واسعة من الاهتمامات والعلاقات ويقوم على مساعدة جميع الاطراف في عملية التواصل وعلى ايصال الرسالة بطريقة سلمية. يوضح أن أغلب الاتصالات العنيفة بين الناس تكون بسبب صراعات بين الأفراد أو الجماعات تنشأ من سوء الفهم لديهم حول احتياجات الإنسان وباستخدام لغة عنيفة. لغة تهدف للحث على الخوف والشعور بالذنب والخجل. ذلك التواصل كله يمنع المشاركين في عملية التواصل ومن توضيح احتياجاتهم، ومشاعرهم، وتصوراتهم، او حتى طلباتهم، في ظل جو هذا الاتصال العنيف.

هناك العديد من المراحل الأساسية التي يقوم عليها الإتصال اللاعنفي. أولها، مرحلة الملاحظة، اذ انه في هذه المرحلة لا يشجع التعميمات الثابتة، بل يشجع على الملاحظة لكل ما يدور حولنا، لما نراه، او نسمعه، او نلمسه. الملاحظة هي أسلوب يجعل الآخرين متقبلين لأي نقد من خلال عملية التراسل والتواصل. من شأنها أن تجعل التواصل سليم مبني على أساس الملاحظة. المرحلة الأخرى هي مرحلة المشاعر وهي المرحلة الهامة والتي تعكس أهمية المشاعر كونها تعكس اذا كنا نلبي احتياجاتنا أم لا. تحديد المشاعر يسمح لنا بالتواصل بسهولة أكبر مع بعضنا البعض كما ويرى مارشال أن السماح لأنفسنا بأن نكون عرضة للخطر من خلال التعبير عن مشاعرنا يمكن أن يساعد في حل النزاعات. المرحلة الأخيرة، والنقطة المحورية في نظرية مارشال، ونظرية ماسلو للحاجات، هي مرحلة الإحتياجات وفيها يوضح مارشال أن هناك استراتيجات خاصة نقوم بها لتلبية احتياجاتنا ويفترض أن كل ما نقوم به يخدم احتياجاتنا. المرحلة الأخيرة هي الطلب، تتميز الطلبات عن المطالب بكونها منفتحة نستطيع رفضها وقول “لا”، بينما المطالب هي واجبات يجب تأديتها، وهنا يشير مارشال أن نستخدم لغة ايجابية في الطلبات، اذ انه من الممكن قول “أتمنى أكون، لو أستطيع”، اذ أنك هنا لقد قمت برفض، ولكن بلغة لطيفة ايجابية، وبذلك نكون حققنا تواصل ايجابي.

يدعو مارشال إلى اتباع اسلوب الاتصال اللاعنفي في بيئة العمل وإلى تحسين مهارات تواصل فعالة بين المديرين والموظفين، وتلك المهارات تساعدهم في تحسين مناخ العمل، وتعزيز التعاون والروح المعنوية. أيضا، حل النزاعات القائمة في بيئة العمل وذلك من خلال اتباع المراحل الأربعة الأساسية. يعطي مارشال نصائح لخلق اتصال لاعنفي في بيئة العمل وهي تجنب اللغة الثابتة في العمل (جيدة أو سيئة، عادية أو غيرعادية، صحيحة أو غير صحيحة) واستخدم لغة ديناميكية. تحدث دائما بلطف وحزم ووضوح، وكن منفتحا على تغيير الموقف. لا تستخدم اسلوب المقارنة في العمل، تجنب كلمات الحكم التي تستخدم للمبالغة، مثل: دائمًا، أبدًا، أبدًا، في أي وقت، كثيرًا، كثيرًا ونادرًا ما، تجنب الأحكام، مثل: أنه غير أمين، أو كسول، أو متعجرف، وغيرها. تجنب كلمات الحكم الدقيقة مثل ينبغي، ويجب، في بيئة العمل.

الحاجة الرابعة من هرم ماسلو، الحاجة إلى التقدير وإلى كسب احترام الناس. هذا يتجسد عند تقدير الأهل لأطفالهم ومكافأتهم وحتى التقدير الموجود في بيئة العمل، والذي هو دافع الفرد لاتمام عمله بفعالية. في قمة الهرم، تأتي الحاجة إلى تحقيق الذات، بعد المرور بتحقيق ما سلف من الحاجات، يحقق الفرد ذاته، من خلال تطوير وتعليم، وتمكين نفسه، وذلك لتحقيق الصورة التي يتخيلها الفرد لنفسه. يرى ماسلو أنّ الاحتياجات الإنسانية الأساسية يجب أن تكون مشبَعة، قبل أن ننتقل من قاعدة الهرم إلى تحقيق الحاجات الأخرى. لا يمكن الإنتقال من الحاجة إلى الأمن دون اتمام الحاجة الى التقدير والإحترام. في الحقيقة، لقد اعجبني نهج مارشال في التواصل، كتواصل سلمي أو لاعنفي وخاصة ايجابيته في التواصل، وتضمينه السلام كاللغة في التواصل اللاعنفي في جميع المجالات. أعجبني أيضا تطرقه إلى التواصل الذاتي الرحيم مع أنفسنا وعدم لوم أنفسنا باستمرار، ملاحظة ومراقبة مشاعرنا دون لوم، والأهم من ذلك، الاتصال بالإحتياجات التي تؤثر علينا.

سلام عثمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *