عصب الحياة 

عصب الحياة 

عصب الحياة  هو الوقت  وبدونه لا يمكن لأي شيء أن يستمر واحتياجنا للوقت يتشابه تماما مع حاجتنا للماء والهواء. لذا يجب علينا أن نستثمر كل دقيقة وثانية من أعمارنا و هو الأمرالوحيد الذي يجمع البشر بالقدر نفسه من دون أي زيادة أو نقصان لأي شخص. بغض النظر عن عمر الإنسان ومتى يولد أو يموت إلا أن كل إنسان يملك 24 ساعه في يومه الواحد لكن، الفرق الوحيد بين الناس هو كيفية استغلالهم لهذا الوقت. يظن الكثيرون منا أن الوقت هو أمر خارج عن الإرداة والسيطرة وأن لا يجد القدرة على التحكم به، إلا أن في الوقت ذاته نقول “ضيعنا الوقت”، أو ننصح الآخرين فنقول لهم “استفيد من وقتك بما يفيد”. نحن نعلم في داخلنا بأن الوقت ثمين جدا وأنه ملكنا وحدنا إلا أنه من الأسهل لنا أن نقول وقتنا ليس ملكنا، نستطيع بذلك إضاعة وقتنا فيما لا يفيد من دون الشعور بالذنب كما هو شعورنا عند انفاقنا بعض من المال. نستطيع أن نهدر وقت على الدوام وربما أكثر بكثير من المال، نحن نعمل ونتعب من أجل الحصول على المال، أما الوقت، فلايشعر بقيمته إلا من فقده وتقدم عمره وفاته الأوان. حينها يبدأ بالتأسف على ما فاته وعلى ما كان يمكن أن يفعله لو استغل وقته بالطريقة الصحيحة. بالرغم من أن الوقت لا نهائي بذاته إلا أنه محدود لكل شخص منا في الدقيقة لا يمكن أن تعود أبداً مهما فعلنا وسوف نندوم في وقت من الأوقات على هذه الدقيقة ان لم نقوم باستغلالها على أكمل وجه ممكن. ما زلنا نعيش في مرحلة الدهشة من سحر الإنترنت والمعلومات الحديثة دون أن ننتبه إلى ما تنطوي عليه من خسائر.

هربيرت سيمون يشير إلى ظاهرة اقتصاد الإنتباه، إنك تعيش في عالم المعلومات المتوفرة بشكل كبير وبغزارة هذا الشيء يؤدي بالضرورة إلى ندرة الأدوات التي تمتلكها لتفهم هذه المعلومات والتي أهمها الإنتباه. يعني ذلك، حيث يصبح انتباه الناس شحيح وانتباهم يلزمه إعادة ترشيد استهلاك وتوزيع خاصة مع وفرة المعلومات. مع تطور ثورة المعلومات، حققت نبوته وأصبح اهتمام المستخدمين بأمرها سلعه نادرة وبنفس الوقت زادت الملعومات المتوفرة بشكل كبير مما يعني ارتفاع طرح المعلومات بشكل كبير ونقصت قيمتها لقيمة مقاربة للصفر. 

لنفهم هذه الظاهرة، يكفي أن نطلع على إحصائيات اليوتيوب لعام 2015 ، ماذا يقول يوتيوب؟ يقول أنه بصيف 2015، كان يرفع في كل دقيقة 300/400 ساعة فيديو. الأسوء من ذلك، أنه القليل من الفيديوهات كانت تتم مشاهدتها (يمكن أن تكون لا تشاهد  كامله أو تتم مشاهدة بدايتها أو نهايتها فقط). هنا يكمن دور اقتصاد الإنتباه في عملية الجذب. هذا الإقتصاد تستخدمه وسائل التواصل الإجتماعي التي تعتبر وقتنا واهتمامنا سلعة. تراقبك بماذا تبحث على محركات البحث؟، ولماذا قمت بوضع اعجاب لمنشور ما على الفيسبوك وشاهدت فيديوهات على اليوتيوب؟، عندها، تقترح عليك خدمات ومنتجات تتشابه مع المواضيع التي قمت بالبحث عنها والهدف أن يستوحذوا على انتباهك بحيث  تنقر على الإعلانات أو ببساطة لتجعلك تبقى متصلا لأطول فترة ممكنه على الموقع. ماهي علاقة جميع ذلك الكلام بالوضع المزري الذي نعيش به؟، تكمن المشكله في وجود تدفق هائل للمعلومات مع خوارزميات وجدت لتعزيز الإستهلاك.

اقتصاد الإنتباه، حيث أصبح التركيز سلعه نادرة. أصبحت الحدود بين الإتصال المستمر والإدمان على الإنترنت تتلاشى، لذلك بات من الضروري أن يقوم كل شخص لا يستطيع الإستغناء عن الإتصال بالإنترنت باعاده تفكيره في علاقته هذه ثم يفكر في جلسات “قطع الإتصال”. نحن بحاجة لزيادة الوعي حول مشاكل الإفراط في التصفح المستمر وحول كيفية نشر الملعومات. يجب علينا أن نأخذ بعين الإعتبار الفصل بين حياتنا الخاصة والحياة العملية. هذا الاقتصاد هو اقتصاد تكتسب فيه الناس من قدرتهم على جذب انتباه الآخرين فيقاس نجاحهم. تكون المكاسب المالية بحجم التأثير الذي يحدث نتيجة ما يكتبونه في كتباتكم ورسائلهم وآرائهم والذي يقاس بدوره بمدى اهتمام الناس.

حالة المثقفين العاملين في مجال اقتصاد الإنتباه حيث يتربع عدد قليل من المشاهير ممن يملكون القدرة على إثارة الإهتمام يما يقولون أو يكتبون. يستخدم المثقفون بل يعتمدون على صك تعبيرات إبداعية أو وضع تعليقات قوية واستخدام أسلوب جذاب في حوارتهم وكتباتهم أو ابتكار تقنيات للفت الإنتباه اتجاه الجمهور للإستماع لما  يقولون. معيار نجاحهم هو وجود انتباه عالي من الجمهور الذي يحقق لهم مكاسب مادية. لنحرص على أن نصرف انتباهنا فقط لمن هم يستحقون ذلك. للإنتباه قيمه جوهرية لا يمكن تقديرها ماديا. جميع البشر تقودهم رغبتهم لنشر هوايتهم إفتراضيا وذلك حتى لا يتم محوهم. خلال كتابتي لهذا المقال =، كنت مشتته بين هنا وهناك!. هناك تنبيه على رساله نصية و فيديو جديد على تويتر ينبغي علي مشاهدته وماذا يحدث على الانستغرام حالياً؟. لكن ماذا عنك أنت الذي تقرأ ، عندما بدأت بقراءة هذا المقال ألا ترى أن تركيزك بدأ بالتشتت؟.

على أي حال هذا أمر طبيعي، كلنا ضحايا للانترنت، أصبحت البشرية بأكملها بشكل لا يتصور على الشبكات الإجتماعية، مما قد يجعلنا مسلوبين القدرة على التركيز والإنتباه حيث يتحققون كل ربع ساعه من الإشعارات الجديدة. يعمل اقتصاد الإنتباه ايضاً كمحرك أساسي لما سمي بالتدفق الملعوماتي وهي تستخدم في علم  “البروبجندا” التي تنطبق على المجالات الإقتصادية والإجتماعية والفكرية والسياسية.

رنا أبو هيظ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *