الفيسبوك أم الكتاب

الفيسبوك أم الكتاب

لو نطرح هذا السؤال على عدد من الناس، لنفرض مثلاً على عشر أشخاص، ماذا تتوقعون أغلب الإجابات ستكون؟ شخصياً أنا أعتقد أنه سيقع الاختيار (إذا كنت متفائلة) سبع أشخاص سيختارون الفيسبوك من أصل عشرة، لنقول بشفافية أكثر، إن معظم الاشخاص يفضلون استخدام شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة (من فيسبوك، تويتر، إنستجرام) أكثر من قراءة الكتب. تشير آخر إحصائية حسب موقع ستاتستا أن في الرّبع الثاني من سنة 2018 بلغ عدد مستخدمي الفيسبوك شهرياً فقط هو 2.23 بليون مستخدم للفيسبوك في العالم. أشارت الإحصائية أيضا أن في الربع الثالث من سنة 2012 كان عدد مستخدمي شبكة التّواصل الاجتماعي الفيسبوك قد تجاوز الواحد بليون مستخدم في الشهر الواحد (إذ أنه ازداد مستخدمي هذه الشبكة أكثر من واحد بليون شخص بست سنوات فقط) مما يجعل الفيسبوك أول شبكة تواصل اجتماعي في كل أنحاء العالم. لكل منا حريته في اختيار كيفية قضاء الوقت ووقت الفراغ كما هو يريد ويفضل، لكن لم لا نفكر بيومنا كيف نقضيه، كم من الوقت الذي نستغرقه على وسائل التواصل الاجتماعي. لنختار يوماً نحسب فيه الوقت الذي نقضيه على الهواتف الذكية، كم من الوقت نستغرقه لتصفح على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة؟ ما هو شعورنا عندما ننتهي من ذلك؟ هل نشعر بأنه يضيع الكثير من الوقت على هذه شبكات؟ هل نشعر أحيانا بالغضب عندما نشاهد فيديو يحتوي على شكل من أشكال العنف والاساءة؟ هل نشعر ببعض الإستياء عندما نقرأ التعليقات (السلبية خصوصاً) على حدث ما وقع في صباح ذاك اليوم؟ ما تأثير الفعلي لشبكات التواصل المختلفة علينا كبشر، هل هو معظم الأحيان يكون تأثير إيجابي أم سلبي؟ إذا كان ما قضيناه على شبكة التواصل الاجتماعي أكثر من ساعتين في اليوم، هل هذا الوقت يضعنا في دائرة الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي.

وسائل التواصل الاجتماعي التي غزت العالم بشكل فظيع وبسرعة هائلة، أصبح دورها في حياتنا اليومية شبه أساسي وعادة لا نستغني عنها. هناك إيجابيات وسلبيات لهذه الوسائل، لكن على ما أعتقد ويمكن أن المعظم قد يوافقني الرأي بأن سلبياتها أكثر بكثير من الإيجابيات. انتشار خطاب الكراهية والتعليقات السلبية جداً على منشورات مكتوبة لمجرد أنه يختلف معه في الرأي ولأنه هذا من بلد أو ذاك من بلد آخر، من ديانة وذاك من ديانة أخرى. سببت العديد من الخلافات والمشاكل بين البشر لسوء الفهم والجهل في حضارة المحاورة والنقاش.  والظواهر الغير عادية وانتشار تحديات بين كل سكان العالم على فعل قد يعرض بحياة الكثير منهم للخطر لحتى يلتقطها ونشرها وجلب اعجابات الناس عليها كأنه انجاز عظيم يكرّم به من خلال الاعجاب والتعليقات، قد جعلت من وسائل التواصل الاجتماعي من نعمة إلى نقمة كبرى.

يوجد سيئة في التواصل الاجتماعي حيث أنها مرتع خصب لخطاب العنف والكراهية، ولابد من الإعتراف بأن الإعلام بشكل عام أصبح بيئة صديقة للإرهاب والكراهية، والحل يكمن بوضع تشريعات تحاسب من يبثون الكراهية، الإرهاب والعنف والتعدي على القانون. هذا الكلام لم يكن موجوداً في الصحافة الورقية لا سابقا ولا لغاية الآن لوجود المهنية والرقابة والفلاتر التحريرية على الخبر والرأي. أما في التواصل الاجتماعي، كل واحد متخفّي وراء اسم أو صورة ليست له ويشتغل كما يحلو له. يجب إيجاد حلول من ناحية التشريع أولا: بوضع حدود مهنية واضحة تفصل بين المهنة بضوابطها العامة والتعارف عليها وبين الهواية وحب الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي، لا يجوز الإختباء وراء مقولات كاذبة كالمواطن الصحفي، هذا افتراء على المجتمع. نعم يمكن للمواطن أن يساعد الصحافة لكن لا أن يأخذ دورها دون رادع أخلاقي أو مهني”. النائب ورئيس تحرير العرب اليوم سابقاً، نبيل الغيشان. من مقالة “التواصل الاجتماعي وتفشي الكراهية: حالة توحي بالخطر وتهدد المجتمع الأردني”.

أول ما يجول في بال بعض الناس عن قراءة الكتب، أنه أمر ممل جداً، وأنه سيشعر بالنعاس فور ما يبدأ بقراءة أي كتاب. من تجربتي الشخصية هذا ما كنت أظنه في السابق عن القراءة لكن الآن تغيرت وجهة نظري كليّاً. إن القراءة وسيلة ممتازة للخيال والتحليق بعيداً إلى عالم مختلف ربما كلياً عن عالمك وأنت جالس في مكانك، عند قراءة رواية مثلاً، تجعلك القراءة تتخيل الأحداث التي تجري في سياق الكلام وكأنك مخرج تلتقط هذه المشاهد بعينيك وشفتيك فقط. تكسبك متعة لامتناهية وتجربة جديدة بعيدة كل البعد عن مشاهدة الأفلام والمسلسلات على شاشات التلفزة والكمبيوتر، مما يجعلك متشوق أكثر فأكثر لقراءة كتاب جديد لتعيش من خلاله سيناريو آخر في مكان آخر وأشخاص مختلفين. هنالك من القصص والروايات التي تجعلك تدرك أمور لا بالإمكان أو من الصعب معرفتها من الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي أو حتى من المناهج الدراسية، وتذهب بك بعيداً لأزمان مختلفة فبعض الكتب تنقلك لأحداث تدرك من خلالها آفاق أكبر من الذي تعيشه الآن، وتقدم لك الكثير من النصائح المباشرة والغير مباشرة من التجارب الذي يخوضها أبطال الرواية، أو من خلال خلاصة تجارب التي مرّ بها الكاتب في حياته الشخصية ليجعلك تأخذ العبرة منه. يكتسب الفرد من القراءة المعرفة الواسعة التي تساعد في صقل الشخصية وتوسع مدارك العقل وتغير نظرة الفرد للحياة بطريقة أفضل لمجرد أن الكتاب يعطي جرعة كبيرة لا حدود لها من التفاؤل والإيجابية، بذلك يقضي على الأمور السلبية التي في داخلك ويرتقي بتصرفاتك وتهذيب النفس فتجعل منك إنسان مثقف ومنطقي قادر على النقاش بأسلوب حضاري ومتقبل لآراء الاخرين بكل رحابة صدر.

“مهمّة الرواية هي التعليم عن طريق التسلية، وما تعلمه إيانا هو أن نتعرف على مكائد الحياة”، أمبرتو إيكو، فيلسوف وروائي إيطالي

القراءة تمكّن من استثمار الوقت بشكل مفيد إذ أنها تعود على صحّة العقلية من خلال تحفيزه الدائم على التّفكير والخيال والتّحليل والإستنتاج مما يجعل العقل على نشاط دائم، كالتمارين الرياضية للجسد فكما هي تساهم في اللياقة البدنية ويبقى الجسد قوي ونشيط لا يعرف التعب والكسل كذلك العقل عندما تمرنه من خلال قراءة الكتب بشتّى أنواعها. نتيجة لذلك التحفيز، يصبح للعقل القدرة على الابتكار والابداع؛ لأن القراءة تنقله من عالم إلى عالم افتراضي آخر وبهذه الرحلة (رحلة قراءة الكتاب) تضيف للعقل المعلومات الكثيرة وتعرف على الثقافات المتعددة وعلى تجارب مختلفة على مرّ العصور والأزمنة. الكثير من الدراسات العلمية التي أكدت على أن القراءة تقلل (وبعض الأحيان تمنع) من الإصابة بمرض الزهايمر أو الخراف، وأشارت أيضا أن القرّاء بشكل عام أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب والتوتر. القراءة لها دور جداً فعال في الحفاظ على السّكينة والسّلام الدّاخلي خصوصاً عند قراءة الكتب التي تخص التّنمية البشرية وأيضاً التي تحتوي على قصص تحفيزية وطاقة إيجابية.

“ثمة مصدر سريع للثراء المعرفي يكمن في القراءة، فلا تموتن إلا وأنتم أثرياء.” عبدالله المغلوث، كاتب صحفي سعودي

هل من هناك أي سلبيات للقراءة؟ وهل يوجد أي سبب يمنعك من البدء في تقليل من تصفح شبكات التواصل الاجتماعي وقراءة كتاباً ما؟

جمان الحديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *