قد نجهل كمية الظلم الذي يحدث هنا وهناك، قصص أصبحت من الماضي المنسي ولم يعد أحد يذكرها إلا هؤلاء الذين يحملون أسماء ضحايا التي خلفتها المجازر. نحن سكان هذا العالم وقعنا ضحايا الإعلام المراوغ الذي يسلّط الضوء على أحداث دون أحداث أخرى ويغيب أو يضع أنباء أخرى على الهامش. ما الهدف من هذا؟ في التاريخ خلّدت حروب كثيرة ومتنوعة منها حملت عنوان “التطهير العرقي”. التطهير العرقي، هي ممارسات عنيفة وشنيعة وجّهت من فئة إلى أخرى بسبب اختلاف في الهوية سواء في الديانة، العرق، اللون، أو لأسباب أخرى من خلاف سياسي أو استراتيجي. بلإضافة إلى الممارسات العنيفة التي تشمل تدمير البيوت والتهجير القسري، اغتصاب جماعي، وحرق الأحياء وغيرها من الأساليب الوحشية.
“التطهير العرقي هو محاولة خلق حيز جغرافي متجانس عرقيًا بإخلائه من مجموعة عرقية معينة باستخدام القوّة المسلّحة، أو التّخويف، أو التّرحيل القسري، أو الاضطهاد، أو طمس الخصوصية الثّقافية واللغوية والإثنية، عبر القضاء عليها نهائيا أو تذويبها في المحيط الإثني الذي يُراد له أن يسود”.
العالم والتطهير العرقي عبر الزّمن
عندما نقلب صفحات التاريخ نجد كوارث كثيرة، مازالت مستمرة إلى وقتنا هذا للأسف التطهير العرقي الذي من ضمنه أهم ممارسة متبعة هي الإبادة الجماعية التي تعد رأس لهرم الكراهية الذي سنتطرق له لاحقاً، ومن بعض هذه الأحداث التي شهدها العالم ومازال يشهدها حالياً هي:
- الحرب الأهلية البوروندية: حرب أهلية نتج عن انقسام عرقين بين القبلتين الهوتو والتوتسي في بوروندي عام 1993 إلى عام 2006.
- الحرب البوسنيّة: مذابح والحصار واغتصاب جماعي فعلها قوّات صرب البوسنة على مسلمي البوسنة، وأشهر المذابح التي حصلت هي مذبحة سربرينيتشا التي راح ضحيتها 8000 ألف من رجال وشباب البوسنيين ودفنوا في مقابر جماعيّة، هذا الصّراع أعتبر أكثر صراعات تدميراً في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. حدثت عام 1992 إلى 1995
- التطهير العرقي في فلسطين: حدث في سنة 1948 في فلسطين من قبل الحركة الصهيونية لتأسيس دولة يهودية، ومازال الصراع مستمر إلى وقتنا الحالي.
- بورما: التطهير العرقي من قبل الحكومة البورمية ضد أقلية الروهينجا المسلمة في شمال غرب بورما “أراكان” وصنفوا هذه الفئة ب “أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد في العالم” ومازال هذا التطهير ممارس لحتى الآن.
- الإبادة الجماعيّة للأرمن من قبل الحكم العثماني منذ عام 1915 إلى عام 1917.
- احتجاز الصين لمسلمي الإيغور: الإيغور مسلمون يعود أصولهم إلى التّركستان أقيمت معسكرات من قبل الرئيس الصيني لإعادة تثقيف هذه الجماعة وفرض إجراءات ضد حرياتهم العقائدية، وتعرضهم للقمع بين الحين والآخر، حدث من 2017 إلى 2018.
وغيرها الكثير مما حدث في عالمنا من مئات السنين وربما قبل آلاف سنين إلى عامنا هذا (2018). ما نستنكره فعلاً هو ردّة فعل الأمم والشعوب الأخرى على ما يحصل من ظلم وقمع لفئات وأعراق معينة. ليس بالكافِ أن يكون الرد على مثل هذه الممارسات التطرف العنيف هو فقط استنكار على ما يحصل وإدانة الفاعلين دون أخذ إجراءات رادعة في حقهم. للحكّام الدّور الأكبر في منع مثل هذه الكوارث أن تحصل في بلدهم. لكن في البورما مثلاً لم يكن من المتوقع أن يحصل الإبادة الجماعية تحت ظل حكومة حاربت من أجل الديمقراطية لمدة سنين طويلة. بالفعل، مما يثير السخرية حقاً قصة رئيسة الوزراء لدولة بورما “أونغ سان سو تشي” الحائزة على جائزة نوبل لنضالها غير العنيف من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان عام 1991. كانت واحدة من مؤسسي الرّابطة الوطنية من أجل الدّيمقراطية في وجه الحكم العسكري واتباعها لخطوات المهاتما غاندي ولوثر كينج كملهمين لها في المقاومة السلمية واللاعنف، جعل من صمتها العاري واللامبالاة منتقداً للعالم أسره وطالبوا بسحب الجائزة منها لأنها لم تعد أهلية للحكم الديمقراطي ومناديه لحقوق الإنسان لما يحدث في بلدها من أعمال إبادة والممارسات العنيفة الموجهة ضد مسلمي روهينجا. عن أي ديمقراطية وحقوق إنسان نتكلم عنه الآن.
“قانون الأكثرية ليس دائماً مرادفاً للديمقراطية والحرية والمساواة بل هو أحياناً مرادف للطغيان والإستعباد والتمييز. عندما تعاني إحدى الأقليات من القمع لا يحررها الإقتراع العام بالضرورة بل قد يضيق عليها الخناق”، أمين معلوف – أديب وصحافي لبناني
هرم الكراهية
ربما الكثير منّا لم يسمع به من قبل، ولم يلمّ من قبل المصطلحات التي يحتوي عليها. إليكم موجز بسيط عما هو هذا الهرم. هرم الكراهية: يتكون من خمسة مراحل، يبدأ في قاع الهرم مرحلة الموقف المتحامل وهو أن يبدأ الشخص بسلوك سلبي تجاه شخص آخر أو مجموعة صغيرة وفي العادة يكون بسبب التنميط (Stereotyping) ثم المرحلة التي تليها أفعال متحاملة أو متحيزة فيتحول الفكر ضد هذا الشخص أو مجموعة إلى فعل ملموس كتجاهل أو تجنب اجتماعي، إطلاق مسمّيات عليهم للسّخرية والنّكت. نصعد في هذا الهرم لأعلى لنصل مرحلة التّمييز التي تشمل الأفعال المتحاملة لكن في نطاق أوسع، يصبح التعامل مع الفرد أو المجموعة بطريقة غير عادلة سواء في العمل أو الدراسة والتصرف بعدائية ضدهم. المرحلة التي ما قبل قمة الهرم هي العنف والتي من ضمنها أي ممارسة عنيفة بحق هؤلاء كالقتل أو التهديد أو الاغتصاب… الخ. ثم المرحلة الأخيرة على رأس هرم الكراهية وهي الإبادة الجماعية ويعنى بها الفعل أو النية للقضاء بشكل متعمد ومنتظم على شعب بأكمله.
لو كل فرد منا أدرك ووعي أكثر على مشاعره جيداً ولفت نظره على حجم الكراهية التي يحملها لأفراد معينين لأنه بنظره هو أفضل منهم، سيؤول إذا تضخّم الأمر وكبُرَ ليصل إلى ما هو أعظم إلى الإبادة الجماعية. ربما حينها سنفكر مئة مرّة أو حتى ألف مرّة قبل أن نميّز ونكره ونضع بعض الأشخاص في صورة نمطية سلبية وغير عادلة بحقهم. نرى معاناة العالم للحصول على السّلام يوماً ما كحق لكل إنسان على وجه اختلافهم في الأرض، متى سيأتي ذلك اليوم يا ترى!.
“لا يوجد إنسان ولد يكره إنساناً آخر بسبب لون بشرته أو أصله أو دينه. النّاس تعلمت الكراهية، وإذا كان بالإمكان تعليمهم الكراهية، إذاً بإمكاننا تعليمهم الحب، خاصة أن الحب أقرب لقلب الإنسان من الكراهية”، نيلسون مانديلا – سياسي مناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا
جمان الحديد