لهذا الموضوع أهمية كبرى في حياة المجتمعات، نجد في مختلف بلدان العالم نماذج حقيقية للتنوع الثقافي ولكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك ضمن مفهوم التعددية الثقافية. الفرق بين المفهومين هو أنّ التنوع الثقافي اختلاف مجموعة من الأفراد أو فئة عن الأخرى في العرق، والحضارة، والأيديولوجية، والعادات والتقاليد والتي تكوّن في النهاية ثقافة خاصة لكل مجموعة. ثم يأتي دور التعددية الثقافية في خلق بيئة متفاهمة مفعمة بالسلام بين هذه الثقافات المختلفة في إطار واحد سواء كان في البيت، أو مؤسسة تعليمية، أو مكان العمل إلى أن نصل لمجتمع بأكمله دون هيمنة ثقافة واحدة أو أفضلية وسمو ثقافة الأغلبية على حساب ثقافات الأخرى.
هل العائلة نموذج من نماذج التعددية الثقافية؟ خير مثال للتعددية الثقافية هي العائلة، يندرج تحت التعددية الثقافية اختلاف الأيديولوجيات الفكرية والممارسات الإجتماعية. عندما أنتَ/أنتِ تختلفوا عن الجد/الجدة في اللهجة واللباس والفكر وحتى الممارسات الإجتماعية فذلك من شأنه أن يبلور ثقافة مختلفة عن ثقافة الأجداد. لكن، هل هذا الإختلاف من شأنه أن يصنع خلل أو نزاع وتفرقة في العائلة!. لننتقل إلى الدائرة الأوسع وهو المجتمع فعندما نجد التنوع في الثقافات بين المجموعات مع اختلاف الأعراق والحضارات والتقاليد دون وجود للتعددية فهذا يساهم بالتأكيد في تراجع بُنية الديمقراطية والتفكك الذي يوصل المجتمع إلى نتائج وخيمة حتمية من ضعف النسيج والصمود المجتمعي وزعزعة الأمنيّة.
العوامل التي لها الدور الأساسي في منع حدوث هذه النتائج؟ الدور المهم والفعّال بيد صنّاع القرار وأصحاب المصلحة في سنّ التشريعات لضمان المساواة وتحقيق العدالة والعمل بحقوق الانسان بغض النظر عن أي خلفية ثقافية، تكافؤ الفرص في التعليم والعمل لضمان حق جميع أفراد المجتمع الواحد لتعزيز التنمية والتطور في جميع جوانب وتحقيق الاندماج الملموس على أرض الواقع. وبذلك بالطبع يجعل من المجتمع أن يسير نحو نهج التنمية المستدامة، لكل منّا إبداعه بطريقته الخاصة، ولو جمعت في مكان واحد سيحرك ذلك إلى النمو الاقتصادي والتنمية البشرية نتيجة تكاتف الجهود الاجتماعية.
إن نهج التنمية الذي يراعي الفوارق الثقافية هو مفتاح التصدي للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المترابطة التي تواجه هذا الكوكب
الدور الآخر الذي بنظري هو الأجدر لأخذ الانتباه له والعمل عليه بجدية حقيقية هو التعليم، من خلال غرز مفهوم التعددية الثقافية في العقول منذ عمرٍ صغير. ذلك له التأثير الأكبر في فتح آفاق واسعة للمعرفة وتعزيز الحرية الثقافية وذلك من خلال المناهج التعليمية والتركيز على التفاصيل (على سبيل المثال الصور التعبيرية الموجودة في صفحات الكتب) التي بنظر بعض الأشخاص أنه أمر موضوع على هامش المناهج وهي بالفعل عكس ذلك، فهي لها الأولوية من جعل الصغار تفهّم وجود ثقافات أخرى غير ثقافتهم وأنه لا يوجد هناك فوارق بينهم وبين الآخر. أيضاً، من خلال الأنشطة الترفيهية التي تحمل سمة تثقيفية لتعزيز الإختلاط بين الثقافات وتشمل أيضا تشاركية الخلفيات الثقافية وإيجاد أوجه تشابه، وجميع سبل التربية والتعليم لكيّ نمهّد بيئة ديمقراطية للأجيال القادمة، تتسم بالأمان والتسامح وقبول الآخر.
الحوار والتعاطف هما عنصرين أساسيين في نجاح التفاعل بين أفراد المجتمع الذين يتمتعون بأكثر من خلفية ثقافية، الحوار القائم على أساس الاستماع والمرونة ليكفل أن يكون الحوار هادف وبنّاء لبناء مجتمعات متماسكة متعددة الثقافة. ومن أجل تشجيع جميع الافراد والمجموعات للمشاركة في مبادرات حوارية للقضاء أولاً على الصور النمطية (Stereotype) وإزالة تلك التّصورات التي جعلت حواجز بين الناس تحول دون تعارفهم وانفتاحهم على بعضهم البعض، وثانياً حرية التعبير والتقبل والأهم من ذلك كله الإعتراف بالثقاقات الأخرى واحترام نمطها وتقاليدها. يرى أن التعددية الثقافية هي تجربة حياة، أي هي تجربة العيش في مجتمع أقل انعزالية وأقل تجانساً، وأكثر حيوية وتنوعاً. أي تجربة عيش في مجتمع تعددي ومتسامح فكرياً ومتنوع في تكويناته، ثقافياً واجتماعياً بحيث يغدو الموقف من شتى الثقافات موقفاً متفتحاً وإيجابياً أو على الاقل يشتمل على احترام الناس وإيلائهم التقدير والاهتمام من خلال الإعتراف بحقوقهم في اختيار طريقة الحياة التي يريدون عيشها. نظراً للظروف التي نواجهها في عالمنا اليوم من تزايد في الهجرة لأسباب لا تقتصر على الحروب والكوارث فقط وإنما أيضاً للبحث على سبل عيش أفضل للفرد، أهمية التعددية الثقافية أصبح أمراً إلزمياً في كافة المجتمعات يضمن الاستقرار والأمن والسلم المجتمعي ونهضة الأمم ككل.
جمان الحديد