ترددات رأيك موجودة في فقاعتك

ترددات رأيك موجودة في فقاعتك

ما نعرفه عن كلمة صدى وأول ما يخطر في المخيلة عند طرح هذه الكلمة، عندما تصرخ على قمة جبل في منطقة محاطة بالجبال فقط، فإن صوتك سيتردد فوراً ويعاد بصوت ينخفض تدريجياً حتى يختفي كلياً. ماذا إذاً عن مصطلح غرفة الصدى، هل سبق لكم وأن سمعتم عنه؟، هل تتخيلون نفس التخيل لكن في غرفة فارغة مغلقة؟. إن هذا المصطلح يتوافق في المبدأ لمخيلتك عند صراخك على قمة جبل ولكن على شكل آخر وليس على هيئة صدى صوت. عندما تعبّر وتسمع لأناس يشاركونك بنفس الآراء ووجهات النظر فقط دون تقبل الآراء المخالفة لرأيك ورأي جماعتك، تصبح هذه الغرفة أشبه بتجمع الناس المماثلة لأفكارك سواء كانوا مجموعة ترافقهم، أو خلف صفحات أنشؤوها على وسائل التواصل الاجتماعي، أو كانوا كتّاب لمقالات ومحتوى محصور فقط لأيديولوجيتك المتطرفة التي أنت تريد السماع عنها. بذلك يدفعك كل من هؤلاء لتتشبث برأيك أكثر فأكثر وتعزيز أفكارك في عقلك بالطريقة السلبية طبعاً دون الانتباه والبحث على آراء الغير والآخرين المعاكسة. عُرِفَ هذا المصطلح مع ظهور و انتشار وسائل التواصل الإجتماعي، إذ أنه وجد الكثير من مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي خاصةً الفيسبوك وتويتر أن قائمة الأصدقاء عدا أنهم أناس يعرفونهم في الحقيقة، هناك أشخاص من يشاركونهم في نفس الاهتمامات والصفحات والأفكار التي يتم إعجابها ومتابعتها التي لها علاقة فقط بالمحتوى الذي يرغبون المشاهدة عنه. يصبح هاتفهم النقال يبث لهم إشعارات بنفس ترددات أفكارهم ومعتقداتهم وهنا يأتي مصطلح آخر مهم جداً في العالم التّقني وهو فقاعة الترشيح الذي أوجده إيلي باريسر الذي شرح لنا بالتفصيل ماذا يحدث بعد أن تابعنا وبحثنا على الإنترنت عن الأخبار والمعلومات التي تتماشى مع اهتماماتنا وأفكارنا.

“فقاعتك الترشيحية هي عالم المعلومات الفريد الخاص بك الذي تعيش فيه على الإنترنت، والموجود في فقاعتك يعتمد على من تكون ويعتمد على ما تقوم به لكن أنت لا تقرر ما الذي يدخل في الفقاعة والأهم من ذلك لا ترى في الواقع ما يتم تعديله” – إيلي باريسر ، ناشط ومؤلف

أنا من الأناس التي كنت أستغرب من ظهور الدعايات والصفحات بكثرة التي تتوافق مع اهتماماتي الحياتية وتخص أيضاّ شهادتي الجامعية والتي تناسب نمط حياتي بشكل عام. أصبح الفيسبوك ومحركات البحث كأنهم أصدقائي المفضلين يعرفون حق المعرفة عني وعن الأشياء التي أحبها وأفضلها والأمور التي أهتم بها. بالطبع هذا الأمر خدم أصحاب الأعمال التجارية ومجال التسويق حيث سهّل الإنترنت لهم الوصول للمستهلكين بكل يسر وبدقّة عالية. بالإضافة إلى ذلك، لعبت الدور الأخطر والأهم في السياسة أيضاً، إذ أنّ الصفحات الموجودة على وسائل التواصل الإجتماعي والمواقع الإخبارية التي تظهر لك هي بناءً على توجهاتك السياسية، تشجع بعد فترة من الزمن على تحيزك لجهة معينة دون الأخرى من غير أن يعطيك الحق للوصول إلى أكثر من وجهة. هي تعمل على تدفق المعلومات ووجهات النظر السياسية المماثلة لك في دماغك دون أن تجعلك أن تنظر لوجهات الرأي الأخرى مما يضيق عليك الوصول إلى مختلف الإنتماءات السياسية الأخرى وآرائهم. هل تعتقد أن الإنترنت بشكل عام ووسائل التواصل الإجتماعي بشكل خاص ساهمت في بناء بيئة ديمقراطية لمجتمعاتنا؟.

هنا بالتحديد، باعتقادي يأتي دور التفكير الناقد لمساعدتنا من الوقوع ضحية للخوارزميات الموجودة على جميع محركات البحث وصفحات الإنترنت التي خزنت الكثير من المعلومات عنا سواء أكانت أفكار وآراء واهتمامات دون الشعور بذلك فعلياً. التفكير الناقد نعني به هو إصدار أحكام منطقية ومدروسة جيداً بناءً على حجج واستنتاجات منطقية ورؤية الدلائل التي تدعم وتبرهن مثل هذه الحجج والاستنتاجات. عندما تشاهد كثرة الإشعارات والمنشورات عبر الإنترنت التي فقط تدعم أفكارك، هنا يبدأ إحساس الشك أن ما تراه هو نتيجة الفقاعة الترشيحية التي جعلتك تشاهد اهتماماتك وأفكارك بعد عمليات فلترة وإقصاء الأشياء التي تخالف ذلك لإرضائك أنت كمستخدم للحصول على المعلومات المشابهة أو المماثلة لرغباتك وتفضيلاتك. عندها تبدأ بتصفح مثل هذه الصفحات بعناية وحذر أكثر ومن ثم التساؤل والبحث عن مصداقية ما يظهر أمامك من معلومات في محركات البحث كياهو وجووجل والمنشورات الموجودة على التغذية الإخبارية (News Feed) على وسائل التواصل الإجتماعي. كما يمكّنك التفكير الناقد على تمييز الآراء والأفكار المتحيزة المتطرفة من الآراء المبنية على أسس منطقية واقعية مدروسة لا تحمل فكرة التطرف في باطنها.

ربما الحلول المتداولة في هذا الموضوع جميعها تنصب في نفس السياق، لكن برأيي أول خطوة للحل هو الشعور بأهمية وخطورة تأثير  “غرفة الصدى” و “فقاعة الترشيح” في حياتنا من هنا يبدأ مفتاح الحل. عندما نعي تماما بالمشكلة فهذا يشكّل قطع نصف الشوط في طريق الحل، الوعي والإدراك تام أثناء التصفح على الإنترنت والإنتباه أكثر على ما هي المواضيع التي نبحث عنها في أغلبية الوقت والصفحات والمنشورات التي نتابعها ونضغط زر الإعجاب عليها هي من الأمور التي كنا نتخذها كمسلّمات ولكن هي فعلياً تعطي معلومات وقاعدة بيانات عنا للخوارزميات الموجود على شبكة الإنترنت بكل سهولة. مما يؤثر على رؤيتنا لكامل الحقيقة، بالإضافة إلى أن ذلك يحد من انفتاح عقولنا (ونقصد هنا بالعقل المنفتح الذي يتقبل ويحترم كل ما هو مختلف عن منظومته الفكرية التقليدية، للأفكار والآراء ووجهات النظر لدى الغير).  من الجدير بالذكر، أهمية التفاعل في العالم الحقيقي والحصول على المعلومات من مصادر موثوقة والبعد عن العالم الإفتراضي قليلاً ضروري ليساعد في التغلب على السلبيات والأضرار الحاصلة أثناء تصفحنا على الإنترنت وأن نخرج من العزلة الفكرية التي أوقعنا نفسنا فيها أو بالأحرى أن نخرج من فقاعتنا. إذا كنا نفكر يوماً ما أن شبكة الانترنت جعلت من عالمنا أصغر وسهّلت علينا الوصول إلى كافة المعلومات كما تعلمنا في مدارسنا سابقاً، حقاً لنفكّر في هذا مجدداً!.

جمان الحديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *